هجوم إعلامي حاد واتهامات سعودية انطلقت من كل حدب وصوب وبوتيرة متصاعدة، ضد رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم، بعد موقفه القوي واللافت ضد خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لصفقة القرن.
وكان لافتاً أن الحملة قادها كبار الصحفيين والإعلاميين في المملكة العربية السعودية، ودون خشية من المحاسبة على هجومهم ضد مسؤول كويتي رفيع، فيما يُعد بعضهم من المقربين للغاية من الديوان الملكي، والمروجين لسياسات ولي العهد محمد بن سلمان، في الأعوام الثلاثة الأخيرة.
وبينما حظي موقف “الغانم” بترحيب على نطاق واسع بين الأوساط الشعبية من المحيط إلى الخليج، إلى جانب الاحتفاء به على منصات التواصل الاجتماعي، كان للسعوديين رأي آخر؛ إذ هاجموا الرجل بشدة وانتقدوا أسلوبه في الدفاع عن القضية الفلسطينية، قضية العرب الأولى.
ولم يكتفِ هؤلاء بذلك؛ بل اتهموه بـ “الاستعراض أمام الكاميرات”، و”لبس ثوب البطولة”، كما وصموه بـ”الشعبوية”، بعيداً عن الطرح الدبلوماسي، فيما اتفقوا على أن موقف الغانم “لن يؤثر بأي حال من الأحوال على خطة السلام الأمريكية”، المعروفة إعلامياً بـ”صفقة القرن”.
ويعكس تصرُّف الصحفيين السعوديين موقف بلادهم الرسمي من الصفقة، التي سارعت إلى تقدير جهود الرئيس ترامب في “صفقة القرن” بعد ساعات من إعلانها، داعيةً في بيان لخارجيتها، إلى بدء مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي ضوء التطورات المتسارعة، يتساءل البعض حول سر الهجمة السعودية الممنهجة ضد أحد أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية، وما الهدف منها؟ وما هي رسالتها؟ وما إذا كانت تستهدف قمع أي رأي معارض للخطة الأمريكية، التي أجحفت كثيراً بحقوق الفلسطينيين التاريخية.
ماذا فعل “الغانم”؟
وكان المسؤول الكويتي البارز قد ألقى أوراقاً تحمل تفاصيل خطة ترامب لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في سلة القمامة، خلال الاجتماع الطارئ للاتحاد البرلماني العربي لدعم القضية الفلسطينية، الذي احتضنته العاصمة الأردنية (8 فبراير 2020).
وقال الغانم إن المكان الحقيقي للصفقة هو “مزبلة التاريخ”، ملقياً بالملف الذي كان يحمله في يده في سلة تحت قدميه.
وما إن أنهى الغانم كلمته وألقى الوثائق في سلة المهملات حتى دوى تصفيق رؤساء مجالس نواب الدول العربية في القاعة ترحيباً بما قام به.
ورداً على خطة ترامب، عرض الغانم “صفقة قرن رائعة”، تقوم على ترك اليهود للمقدسات الإسلامية والرحيل عن أرض فلسطين المباركة، مقابل حزم مالية أضعاف ما هو معروض حالياً، وهو ما يعكس الموقف الكويتي الصارم الرافض للمس بالقضية الفلسطينية.
موقف كويتي ثابت
وقبل الواقعة، رفض مجلس الأمة الكويتي “صفقة القرن” وندد بها في بيان تلاه رئيسه الغانم، الأربعاء (5 فبراير 2020)، داعياً الحكومة الكويتية إلى “الاستمرار في الموقف الرافض للمشروع الذي يتضمن تنازلاً مرفوضاً عن الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية في الأراضي المحتلة”.
كما دعا في البيان إلى موقف رسمي عربي وإسلامي ودولي، مشدداً على رفضه “الصفقة الخاسرة”، ودعمه لثبات “ورباط الشعب الفلسطيني في أرضه المباركة”.
وأكد المجلس أهمية “تكاتف الجهود الشعبية الوطنية والعربية والإسلامية في نصرة الشعب الفلسطيني وتعريف شعوب العالم الحرة بالجرائم المتواصلة والانتهاكات المستمرة لدولة الاحتلال”.
وأشاد بالموقف المبدئي للقيادة السياسية الكويتية، وعلى رأسها أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، من القضية الفلسطينية، وكل الحكومات والبرلمانات التي اتخذت مواقف مناهضة “لما يسمى بصفقة القرن”، داعياً المجتمع الدولي إلى اتخاذ “موقف أكثر عدلاً وإنصافاً لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة”.
موقف سعودي متشنج
ولم يرق موقف الغانم، الذي حظي بإشادة واسعة في مختلف الأوساط الشعبية العربية، للصحفيين المقربين من ولي العهد السعودي، حيث شنوا هجوماً شرساً ضد المسؤول الكويتي.
وحاول هؤلاء التقليل من شأن موقف الغانم؛ إذ اتهموه بـ”اصطناع موقف بطولي أمام عدسات الكاميرات”، واعتبروا ما قام به لا يعدو كونه “استعراضاً شعبوياً”.
وسخر كتاب سعوديون من رئيس البرلمان الكويتي، وشبهوا ما قام به بتصرفات الزعيم الليبي السابق معمر القذافي من جهة، ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي من جهة أخرى.
ما السبب؟
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والمحلل السياسي عمر عياصرة إن الهجوم الشرس على رئيس البرلمان الكويتي من قبل السعودية كان “متوقعاً”.
ويرى “عياصرة” أن الموقف الكويتي بشكل عام يُحرج السعودية والإمارات والبحرين؛ لأنه موقف “غير تطبيعي، وله شعبية داخل الرأي العام العربي”.
وأكمل موضحاً أن الموقف الكويتي يحظى بشعبية أيضاً “داخل الرأي العام السعودي”، وهو ما يُفسر الهجوم السعودي وإظهاره بأنه “انتهازي، وليس صحيحاً ودقيقاً”، كما أنه “لا يتناسب مع مصالح دول الخليج”.
وحول تفسيره لسبب اشتراك كبار الصحفيين والمقربين من الديوان الملكي السعودي في الحملة ضد الغانم، يقول عياصرة إن الموقف الكويتي “يؤذي شرعية محمد بن سلمان، ويؤذي علاقة السعودية مع (إسرائيل)”.
ويعتقد المحلل السياسي أن الرياض تريد أن تُوصل رسالة مفادها أن على الجميع في الخليج أن يكون على نفس خط السعودية في العلاقة مع “تل أبيب”.
وبناءً على ذلك، سيتم التعامل بقسوة مع كل من يُخالف موقف السعودية مع “إسرائيل”، وهو ما تنفذه المملكة أيضاً في سياستها ضد قطر وعُمان كذلك.
إشادة فلسطينية بـ”الغانم”
وبعد الموقف القوي لرئيس مجلس الأمة الكويتي من “صفقة القرن”، سارع الفلسطينيون إلى الإشادة بتصرفه، مؤكدين أنه يعبر عن مواقف وضمير الشعوب العربية الحرة.
وأمام المواقف المشرفة للكويت وأميرها، ورئيس برلمانها، احتفى الفلسطينيون في كل من قطاع غزة ومدن الضفة الغربية بهما؛ لمواقفهما الداعمة للقضية الفلسطينية والرافضة لـ”صفقة القرن”، بلافتات لهما في أبرز الميادين والساحات، كما غيّرت بلدية يطا، في محافظة الخليل جنوبي الضفة الغربية، اسم أحد شوارعها من “البحرين” إلى “مرزوق الغانم”.
ورفعت بلدية سلفيت العَلمين الكويتي والفلسطيني على سارية في شارع مرزوق الغانم؛ تقديراً لمواقف دولة الكويت في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته.
ما هي صفقة القرن؟
وفي 28 يناير الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي بواشنطن، الخطوط العريضة لخطة السلام المزعومة، التي تُعرف إعلامياً بـ”صفقة القرن”، بحضور رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي المنتهية ولايته، بنيامين نتنياهو.
وتتضمن الخطة، التي لاقت رفضاً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً، إقامة دولة فلسطينية منزوعة السيادة والسلاح في صورة “أرخبيل” تربطه جسور وأنفاق، بلا مطار ولا ميناء بحري، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة موحدة مزعومة لإسرائيل.
كما تقترح خطة ترامب ضم “إسرائيل” جميع المستوطنات في الضفة الغربية، وكذلك وادي الأردن الواقع شرقي الضفة، الذي تحتله “إسرائيل” منذ عام 1967، فضلاً عن إجبار الفلسطينيين على الاعتراف بـ”يهودية إسرائيل”، وهو ما يعني ضمنياً شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وأراضيهم التي هُجِّروا منها عام 1948.
وتقترح “صفقة القرن” 50 مليار دولار لتمويل المشروعات في المناطق المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية، في حين قالت تقارير عبرية وغربية إن السعودية والإمارات ستتكفلان بتمويل وتوفير المبلغ المالي المطلوب.
وعُقدت في البحرين، يومي 25 و26 يونيو 2019، ورشة للكشف عن الشق الاقتصادي لصفقة القرن، وسط مقاطعة عربية وحضور سفراء 3 دول خليجية هي الإمارات والبحرين وعُمان في مراسم إطلاق الخطة رسمياً في “البيت الأبيض” لاحقاً.