ماجد الشهري
خاص: لا تزال أفراحنا بزوال الاحتلال عن أفغانستان مستمرة، مع الإدراك التام بأن القادم ليس سهلا، وأن النجاح في تحرير الأرض لا يعني سهولة إدارتها بعد طرد الغزاة.
لكن قبل الحديث عن المستقبل لابد من الحديث عن الماضي، يجب ألا نتجاوز دروس عشرين عاما قدمتها طالبان للعالم.
وهنا يحق لنا أن نسأل: كيف انتصرت طالبان؟
ربما هناك أسباب كثيرة، وأهمها في نظري:
– الثبات:
منذ أن أعلنت أميركا الحرب على أفغانستان وطالبان قد اتخذت قرارها بأن الحل هو مقاومة المحتل، ولا حل سواه، ولو طال الأمد، ولذا لم توافق أبدا على المشاركة في حكومة وضعها المحتل. وواصلت المسيرة رغم فقدها خمسين ألفا من كوادرها وغالب الصف الأول من القيادات.
وفي هذا السياق تأتي العبارة الخالدة للملا عمر: (بوش وعدنا الهزيمة، والله وعدنا النصر، وسنرى أي الوعدين أصدق).
– المرونة:
الثبات لا يعني الجمود والتصلب، وهذا بالضبط ما فعلته طالبان، فبعد أن رأت ما فعله سلاح الجو الأمريكي في بدايات الغزو أمرت كوادرها بالانسحاب والعودة إلى العيش الطبيعي مع الناس إلى أن يتم استدعاء الواحد منهم، واستطاعت إعادة اتصالاتها بالجوار وخصوصا باكستان بالرغم مما أصاب طالبان فترة رئاسة برويز مشرف، كما افتتحت لها مكتبا سياسيا في قطر ومكتب اتصال في تركيا.
– الشورى:
وهذه من أبرز سماتهم، فرأيهم صادر عن شورى حقيقية، وهذا ما يفسر وحدة الرأي وقلة الخلافات وانعدام الانشقاقات.
وهذا ما يفسر أيضا الثبات والمرونة؛ إذ مبناهما على شورى حقيقية واجتهاد ونظر في النصوص الشرعية وفي الحال العملي الواقعي الذي يعيشونه.
– القراءة العميقة للمشهد الأفغاني المحلي:
وهذه واحدة من الأمور التي قفزت بهم ورفعتهم عاليا؛ وإليك بعض الشواهد:
حرصت طالبان أن يكون لها مؤيدون من كل المناطق والأعراق، واستطاعت أن تستثمر التناقضات في المناطق التي لا تدين لها بالولاء، كاستثمارهم غضب بعض الشيعة الأفغان على إيران التي أرسلت أبناءهم للقتال في سوريا.
ومن الشواهد القرار المبكر الذي أصدره الملا بتجريم الاعتداء على حياة أي شخص، وحصره هذا الأمر به شخصيا بناء على حكم قضائي، فحقن بذلك الدماء، ولولا ذلك لجرت الدماء باسم الردة والنفاق والخيانة، ولأصبحت داعش هي من يحكم أفغانستان.
وأختم بهذا الشاهد وإن كانت الشواهد كثيرة: عفوهم عن أشد أعدائهم وتركهم بدون إيذاء أو انتقام، لكونهم رموزا في عشائرهم، فلم يستجيشوا مشاعر تابعيهم، بل على العكس من ذلك.