يفتقد الشعب السعودي دعاة ومثقفون سعوديون ضد التطبيع مع إسرائيل في ظل مرحلة حساسة في تاريخ المملكة التي تشهد انحدارا في سياساتها وقيمها وأخلاقها.
وغاب العلماء والدعاة والمثقفون السعوديون كما غاب رأيهم في القضايا العامة داخل المملكة وخارجها، منذ الحملة الأمنية التي شنها ولى العهد محمد بن سلمان، عقب تسلمه الحكم في 2017م، وأسفرت عن اعتقال أجهزته الأمنية لمئات المعتقلين وتغيبهم داخل السجون العلنية والسرية.
وعمد بن سلمان على بناء التطبيع السعودي مع إسرائيل، وفق خطة ممهنجة أبرمها منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض عام 2017.
وبينما أعلنت الإمارات اتفاق التطبيع مع إسرائيل، الخميس الماضي، يدور الحديث في الصحافة الأمريكية والإسرائيلية عن أن السعودية قريبة جدا من إعلان اتفاق التطبيع رسميا.
وليس بالأمر الغريب أن يحذو بن سلمان حذو نظيره ولى عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وهو الذي قتل معارضيه، وزج المئات منهم داخل السجون، وألغي دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما جعل منظمة التعاون الإسلامي أداة سعودية لتحقيق التطبيع مع إسرائيل.
وقد تم رصد العشرات من الدعاة والمثقفون الذين يقبعون في سجون بلادهم، لرفضهم التطبيع السعودي مع إسرائيل، من ضمنهم
– المفكر الإسلامي/ د. سلمان العودة.
– الداعية الدكتور/ عوض القرني.
– الناشط/ جميل فارسي.
– الأكاديمي/ عبد الله المالكي.
– الناشط/ عبد العزيز عودة.
– الحقوقي/ محمد البجادي.
– الإعلامي/ مساعد الكثيري.
– الإعلامي/ عبدالله الدحيلان.
– وأخيرًا، الصحفي الراحل “جمال خاشقجي”، الذي اغتالته فرقة “النمر” التابعة لولى العهد داخل السفارة السعودية بمدينة إسطنبول 2 أكتوبر 2018.
ويعتقل نظام آل سعود، مئات العلماء والمشايخ في سجونه منذ الحملة الشرسة التي استهدفتهم في سبتمبر/ أيلول 2017م.
وتحاول سلطات آل سعود تعزيز التطبيع العربي والإسلامي مع إسرائيل التي تحتل أرض فلسطين وتسيطر على المسجد الأقصى المبارك (أولى القبلتين وثالث الحرميين الشريفيين).
ومنذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في المملكة، أصبح التطبيع مع إسرائيل يستند إلى خطط سياسية وإعلامية مدروسة، وقطعت آل سعود شوطاً كبيراً في تهيئة الأجواء العربية للتعايش مع مرحلة جديدة عنوانها الأبرز التطبيع الكامل مع إسرائيل.
وتحت ذريعة مواجهة إيران في المنطقة، عزز ولى العهد تقارب بلاده مع إسرائيل، وهو ما أظهرته الدلائل الواضحة خلال العامين الماضيين، التي تشير إلى التقارب السعودي الإسرائيلي، وأصبحت جلية للعلن.
ولعل بداية مؤشرات التطبيع انطلقت في يونيو 2017، عندما أُطلق وسم “سعوديون مع التطبيع”، بعد أيام من زيارة قام بها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، للرياض في 21 مايو من نفس العام.
وقبل وصول ترامب إلى الرياض جرى الحديث عن بعد في الزيارة يتعلق بمفاوضات السلام بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، لا سيما أن محطته الثانية كانت فلسطين المحتلة، من أجل لقاء رئيس السلطة محمود عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
وذهبت بعض الأصوات السعودية للمناداة بضرورة أن تبادر البلدان العربية بخطوات تطبيعية تجاه إسرائيل من أجل كسب ود الإدارة الأمريكية.
ونشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، قبل الزيارة بعدة أيام، تقريراً أشار إلى أن السعودية أوصلت لإدارة ترامب استعدادها لإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع إسرائيل من دون شروط، وأنها بذلك تسحب من التداول المبادرة التي تقدمت بها للقمّة العربية عام 2002، التي تقوم على إقامة دولة فلسطينية على أراضي 1967، وعودة اللاجئين، والانسحاب من الجولان، مقابل الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها.
وفي مايو/ أيار الماضي، روج رئيس رابطة العالم الإسلامي محمد العيسى للحوار مع اليهود وتعزيز التطبيع مع إسرائيل.
وقال العيسى خلال مؤتمر نظمته منظمة اللجنة اليهودية الأمريكية (AJC)، حول قضايا اليهودية ومكافحة اللاسامية: إننا (آل سعود) ملزمون حاليا بإعادة جسور الحوار والبناء مع المجتمع اليهودي.
وتخلل المؤتمر المذكور تقديم اللجنة جائزة للعيسى بزعم تقدير دوره في مكافحته اللاسامية.
وادعى العيسى أنه “بينما عاش اليهود والعرب جنبا إلى جنب على مدى قرون، من المحزن أننا ابتعدنا في العقود الأخيرة عن بعضنا البعض .. هناك من يحاولون تزييف التاريخ، من يدعي أن المحرقة وهي الجريمة الأكثر فظاعة في تاريخنا البشر، انها نسج الخيال”.
وتابع: “إننا نقف ضد هؤلاء الكذابين، وقفت دائما إلى جانب اخوتي اليهود وقلت أن: هذا لن يحدث مرة أخرى مطلقا بإذن الله تعالى لا لليهود ولا للمسلمين ولا للمسيحيين”.
وتحدث العيسي بمشاركة شخصيات يهودية عن أبرز القضايا التي تواجه الشعب اليهودي وسعى إسرائيل في نشر السلام والأمن الدولي، وقضية معاداة السامية وأشكال الكراهية الأخرى.
واللافت في الأمر أن عدة وسائل إعلام يهودية تناقلت أقوال العيسى من باب الاحتفاء بالتغيير الكبير الحاصل في موقف المملكة.
وكان العيسي، زار في أبريل/ نيسان 2018م متحف تخليد ذكرى المحرقة اليهودية (الهولوكوست)، برفقة قادة مسلمين من أكثر من 24 بلدا. وقال الرئيس التنفيذي للجنة اليهودية الأمريكية، ديفيد هاريس، إن الرحلة تمثل “أرفع وفد على الإطلاق لزعماء دينيين مسلمين يقومون بزيارة أوشفيتس”.
وإزاء خطوات منظمة التعاون الإسلامي، شن الأكاديمي السعودي سعيد الغامدي، هجوما شديدا على رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي، مؤكدا أنهما أداة بيد النظام السعودي لتحقيق مآربهم الخاصة في المنطقة وفي مقدمة ذلك التطبيع العلني مع إسرائيل.
وطالب الغامدي، في مقطع فيديو عبر تويتر، تابعه “ويكليكس السعودية”، العالم الإسلامي، بضرورة الضغط من أجل نقل الرابطة والمنظمة من المملكة إلى بلد آخر يهتم بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى المبارك.
وقال الغامدي إن رئيس رابطة العالم الإسلامي محمد العيسي “هذا الهولكستي الذي ذهب يتباكى عند الهولوكست وينسج علاقته سرا وعلانا مع اليهود ويتفاخر بذلك”.
وكشف النقاب عن قيام النظام السعودي، مؤخرا، بمصادرة مئات الملايين من “العيسي” لصالح خزينة الدولة، فيما أبقى له الفتات من أجل تنفيذ المشاريع المشبوهة ورعايتها.
وشدد المعارض السعودي على ضرورة قيام الدول الإسلامية بخطوات عملية من أجل نقل رابطة العالم الإسلامي ومنظمة التعاون الإسلامي إلى بلد يعتني بالقدس ويهتم بفلسطين ولا يبيعها.
وأكد على ضرورة نزع الشرعية الإسلامية من النظام السعودي الذي يحاول ترسيخ التطبيع كحقيقة ثابتة مع حلفائه في المنطقة ودول “الثورات المضادة” وذلك في إشارة لدولة الإمارات العربية.
واستدرك الغامدي: “للأسف الشديد أضحت الرابطة والمنظمة أدوات مساعدة للتهويد والتطبيع في فلسطين”.
ورأي أن “بقاء الرابطة والمنظمة في المملكة هدفه خدمة نظام آل سعود وليس لخدمة قضايا فلسطين أبدا، بل يسعى آل سعود للخط المعاكس الذى لا يفيد المسلمين، ويسعى أيضا إلى بيع فلسطين وشيطنة الأخوة الفلسطينيين”.
وعدّ الغامدي هجوم الذباب الإلكتروني السعودي على القضية الفلسطينية، نهجا مقصودا وموجها من نظام آل سعود الذي أسكت العلماء الذين يدافعون عن الأقصى، وأقصاهم واعتقلهم في سجونه السرية داخل المملكة.