أوردت مجلة ديلي بيست الأميركية أنه بعد شهر ونيف من جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، كان رئيس المخابرات السعودية السابق الأمير تركي الفيصل منهمكا في حوارات مع مجموعة مختارة من المدعوين في نيويورك، في محاولة لإقناع الحاضرين بأن العلاقات السعودية الأميركية تمضي في مسارها الصحيح.
ففي شقة بحي “أبر إيست سايد” في نيويورك، وقف أحد أبرز الدبلوماسيين شهرة أمام حشد يناهز الخمسين شخصا من المدعوين فقط في سهرة سرية تخللها عشاء فاخر وخمور، في مسعى منه لتهدئة المخاوف بشأن الحكام في بلاده.
وبحسب ديلي بيست كان ذلك في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني الحالي –أي بعد أكثر من شهر من اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلده في إسطنبول بتركيا- ويومها واجه الأمير تركي الفيصل مدير المخابرات السابق سيلا من الأسئلة عن دور بلاده في الجريمة التي وقعت في القنصلية السعودية في إسطنبول بتركيا.
ورغم أنها ليست المرة الأولى منذ ذيوع الخبر التي يتحدث فيها علانية، فإن مستمعيه هذه المرة كانوا على إلمام أكثر بالموضوع ذلك لأنهم ثلة مؤلفة من كتاب وصحفيين وسياسيين وباحثين، بعضهم حضر حفلات سياسية معه من قبل.
وتقول ديلي بيست رغم أن العادة رجت على أن يعقد دبلوماسيون سعوديون اجتماعات مع شخصيات متنفذة في مجال الإعلام ودنيا السياسة في ظروف عادية، فإن حفل ذلك اليوم كان على ما يبدو أحدث محاولة من الفيصل لتعزيز صورة السعودية في أعقاب اختفاء خاشقجي في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول.
وتضيف المجلة أنه طوال الشهر المنصرم، حاولت الرياض إدارة تداعيات اغتيال خاشقجي وما أعقبها من إدانات دولية “خلف الكواليس” مستعينة بشخصيات سعودية مشهورة مثل الفيصل لجبر الضرر، بحسب إيرين بانكو محررة شؤون الأمن القومي بموقع ديلي بيست الإخباري الأميركي.
وينقل موقع ديلي بيست عن حسين إبيش –كبير الباحثين بمعهد دول الخليج العربي في واشنطن- قوله إن “هناك جهدا ملحوظا لتغيير الأفكار”، مضيفا أن “المشكلة تكمن في أن الحكومة السعودية ليست بتلك الحنكة في مثل هذه المواقف. فالأمر سيستغرق منها بعض الوقت، ثم إن الناس يريدون أفعالا وليس أقوالا، بيد أن المسألة تبدو الآن على الأقل أن كل الذي يستطيع السعوديون تقديمه هو الكلام”.
وفي الآونة الأخيرة، انهمك الفيصل –الذي يعيش في ولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة ويحاضر في جامعة جورج تاون- في حملة للتواصل مع سياسيين ورجال أعمال وقادة فكر بهدف إرساء العلاقات التي تعتمد عليها المملكة في الإبقاء على صوتها مسموعا في واشنطن، بحسب ديلي بيست.
وفي حديثه للمدعوين يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري الذي استغرق 15 دقيقة، قال الفيصل إنه رغم القتل البشع لخاشقجي من قبل عملاء سعوديين، فليس هناك ما يدعو إلى القلق.
وقال إن المملكة لن تقبل أي تحقيق خارجي في مقتل خاشقجي، وعقد مقارنة بين التحقيق المفترض في الحادثة ورفض الولايات المتحدة تحقيق مماثل في أحداث سجن أبو غريب بالعراق التي أساءت فيها معاملة المعتقلين هناك.
وأضاف أن الولايات المتحدة أجرت حينها تحقيقا مع نفسها، وهي الذريعة ذاتها التي ساقها في منتدى عُقد بمعهد السلام الدولي بنيويورك في وقت سابق، وفق ديلي بيست.
شخص واحد من بين الحاضرين في شقة نيويورك بدا حريصا على الضغط على الفيصل فيما يخص قضية خاشقجي والحرب في اليمن. ووجه هذا الشخص –الذي لم يكشف موقع ديلي بيست عن هويته- سؤالا عما إذا كانت السعودية ستواصل حملتها العسكرية في اليمن أم أن ضغطا مورس عليها من جانب الولايات المتحدة لتغيير مسار العملية هناك.
وأجاب الفيصل بتأكيد أنه ليس هناك تغييرات مخططا لها، مشيرا إلى أن المملكة منفتحة على التواصل مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وتقول ديلي بيست إنه لا يُعرف على وجه الدقة إن كان الفيصل سيخاطب تجمعات أخرى المرة القادمة وإلى أي مدى سيواصل عقد موائد مستديرة تتناول قضية خاشقجي. وذكر الموقع الإخباري أنه في مناسبة واحدة على الأقل، ألغى المنظمون دعوة كانت قد وجهت لتركي الفيصل للتحدث.
غير أن مراقبين يقولون إن السعودية ستواصل بدون أدنى شك جهودها “الهائلة” في تنظيم حملات علاقات عامة. ويبقى السؤال عما إذا كانت الرياض ستتمكن من تعويض ما فاتها من وقت.