في الوقت الذي يمر فيه الاقتصاد الأردني بأزمة، أصبح من الواضح أن عمَّان تغيّر سياستها الخارجية. إذ عينت المملكة الهاشمية في يوليو/تموز سفيراً جديداً لها في قطر، بعد عامين من خفض علاقاتها بالدوحة في إطار أزمة الخليج. وفي الشهر نفسه زار كبار المسؤولين الأتراك المملكة. وقد تكون هذه الإجراءات علامة على أن الأردن يهدف إلى تقوية علاقاته بالبلدين.
ورغم أن الأردن خفّض علاقاته مع قطر عام 2017 تحت ضغوط أبوظبي والرياض، لم يقطع العلاقات بالكامل ولم ينضم إلى ما يُسمى رباعي مكافحة الإرهاب -المكون من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر- في حصاره المُعادي لقطر. ويبدو أن السعوديين كانوا يأملون في أن يفعل. في الواقع، يُعتقد أن المملكة الأردنية وقطر كانتا تتواصلان بصفة مستمرة خلال أزمة الخليج التي دامت لعامين.
الأردن يفضل الدبلوماسية
وسحبت المملكة دعمها للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، بوصفها دولة ترنو إلى الاضطلاع بدور إيجابي في الشرق الأوسط باستضافتها اللاجئين وعرضها الوساطة حين الحاجة إليها. وهذا الانسحاب لن يرضي السعودية بطبيعة الحال، لكن الحكومة الأردنية تفضل الدبلوماسية على المشاركة في حرب أدت إلى أسوأ أزمة إنسانية يعانيها العالم الآن. وأصبح هذا واضحاً حين استضافت الجولة الثانية من محادثات السلام اليمنية في وقت سابق من هذا العام.
يقول الخبير السياسي الأردني أسامة الشريف لموقع Lobe Log: «منذ انتخاب الرئيس دونالد ترامب تزايد إدراك الأردن للانقسامات المتغيّرة وتأثيراتها المحتملة على استقرار المملكة في وقت كانت فيه عمَّان تصارع ظروفاً اقتصادية عصيبة».
وأشار الشريف إلى أن عمان، في ردّها على الظروف الجيوسياسية المتغيرة، أعادت تنظيم السياسة الخارجية للمملكة مع حلفائها التقليديين: «سارع الملك عبدالله إلى إخراج بلاده من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وحافظ أيضاً على علاقات دبلوماسية مع إيران في أوج التوترات بين الرياض وطهران فيما كان يتقرب من تركيا التي يرأسها أردوغان حتى في ظل تدهور علاقات أنقرة مع السعودية ومصر. ويمكن قول الشيء نفسه عن قطر، التي توقف الأردن عن قطع علاقاته الدبلوماسية بها، وعين مؤخراً سفيراً له هناك».
ويعد تعامل الأردن مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي قد يعكس أحد الخلافات بين عمان والرياض أحد التحديات الرئيسية التي يواجهها الأردن في الوقت الحالي. ففي شهر مارس/آذار، خلال مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي التاسع والعشرين الذي انعقد في الأردن، عارضت السعودية -إلى جانب الإمارات ومصر- توصية تدعو إلى وقف التطبيع مع إسرائيل. لكن رئيس مجلس النواب الأردني عاطف الطراونة رفض حذفها من البيان الختامي للمؤتمر.
هل تنازع السعودية الأردن على الوصاية الدينية؟
يقول عبدالعزيز الكيلاني، وهو كاتب بريطاني عربي، متخصص بشؤون الشرق الأوسط، في مقالة نشرها بموقع Lobe Log الأمريكي، إن هناك شكوكاً حول ما إذا كان السعوديون يتنافسون في حقيقة الأمر مع الأردن على دور الوصيّ على الأماكن المقدسة في القدس، الذي يؤديه. إذ قال وزير الخارجية الأردني السابق، كامل أبوجابر لموقع Lobe Log: «السعوديون يدركون أنه لا يمكنهم منافسة العائلة الهاشمية عندما يتعلق الأمر بتاريخ الإسلام. إذ إن الملك عبدالله من الجيل الـ 44 المنحدر مباشرة من نسل النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والسعوديون يعرفون هذه الحقيقة».
«هناك شكوك حول ما إذا كان السعوديون يتنافسون في حقيقة الأمر مع الأردن على دور الوصيّ على الأماكن المقدسة في القدس»/ تويتر
وأوضحت عمان -المتمسكة بحل الدولتين- أنها لن تغير موقفها من القدس. إذ قال الملك عبدالله في مارس/آذار، بعد أيام من عودته من زيارة للولايات المتحدة، إنه يعد القدس «خطاً أحمر»، وأكد أنه «لا يمكن لأحد الضغط على الأردن في هذا الشأن».
ويبدو أن المسؤولين في الأردن يدركون أن المملكة، في ظل وجود أكثر من مليوني لاجئ فلسطيني مسجل في البلاد، ربما تكون أولى الدول التي ستعاني إذا نفذت إدارة ترامب خطتها التي طال انتظارها للسلام في الشرق الأوسط. ويبدو أن البعض يخشى أنه لن يكون على الأرجح أمام اللاجئين الفلسطينيين مكان ليذهبوا إليه بعيداً عن الأردن، في حال كانت الخطة تهدف إلى إجبار المزيد منهم على طلب اللجوء خارج الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين.
وهذا بدوره سيكون له تأثيره المدمر على المملكة بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد. إذ يعادل الدين العام الأردني 95% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي ويبلغ معدل بطالة الشباب 41%، وفقاً لمجلة The Economist البريطانية، التي أشارت أيضاً في يونيو/حزيران إلى أن أكثر من مليون من سكان الأردن، البالغ عددهم 10 ملايين، من الفقراء.
حتى المساعدات المالية توقفت
ورغم أن الأردن تمكّن من التعامل مع الضعف الاقتصادي وارتفاع معدلات بطالة الشباب وارتفاع معدلات الفقر لبعض الوقت، ساءت الأوضاع الاقتصادية في المملكة في الآونة الأخيرة بسبب تدفق اللاجئين وتراجع المساعدات الخارجية. وأدت تدابير التقشف التي يدعمها صندوق النقد الدولي إلى احتجاجات واسعة النطاق في المملكة العام الماضي، ما أدى إلى استقالة رئيس الوزراء هاني الملقي. وعقدت السعودية والكويت والإمارات قمة في مكة المكرمة بحضور الأردن وتعهدت بتقديم 2.5 مليار دولار للمملكة، لكن يبدو أن الأردن لم يتلقّ حتى الآن الكثير من هذا المبلغ.
في المقابل، تعهدت الدوحة بتوفير 10 آلاف فرصة عمل واستثمارات بقيمة 500 مليون دولار في الأردن، وهي خطوة لا شك في أنها نالت تقدير المسؤولين في عمان. وحتى الآن، حصل 5 آلاف أردني بالفعل على تصاريح عمل في قطر. وفضلاً عن ذلك، قالت تقارير يوم الأحد الماضي إن الملك عبدالله دعا الأمير القطري الشيخ تميم بن حمد آل ثاني لزيارة المملكة، وأن الأخير «رحب» بالدعوة، وهي علامة أخرى على التقارب في العلاقات بين عمان والدوحة.
يقول أبوجابر: «لم يرغب الأردن أبداً سوى في أن تربطه علاقة ممتازة بجميع دول الخليج، بما فيها قطر. ومن الطبيعي أن تعزز قطر والمملكة الأردنية علاقاتهما في هذا الوقت».
يحرص الأردن على الحفاظ على علاقاته مع جميع دول المنطقة. ولكن الأحداث الأخيرة أظهرت أن هناك أموراً تختلف فيها عمان والرياض فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، خاصة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. من المرجح أن يكون التحالف الأردني-القطري-التركي أكثر انسجاماً مع نهج الفلسطينيين في هذا الصراع. ويبقى أن نرى مدى فاعلية هذا التحالف في دعم القضية الفلسطينية.