بحضور زعماء وممثلين كبار لنحو 20 دولة حول العالم، انطلقت قمة إسلامية مصغرة في العاصمة الماليزية كوالالمبور يوم الأربعاء (18 ديسمبر 2019)، تستمر عدة أيام، في ظل اعتذار دول وغياب أخرى؛ لمناقشة قضايا حساسة تعصف بالأمة الإسلامية.
ويترأس القمة الإسلامية رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وكذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني. مع اعتذار متأخر من قِبل رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، والرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو بضغط من السعودية.
ويعد القائمون الأساسيون على القمة دولاً فاعلة في محيطها الإقليمي، وذات حضور دولي فاعل في ملفات معقدة، في ظل انقسام إسلامي وشرخ برز بشكل جلي بعد حصار قطر عام 2017 من قِبل جيرانها (السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة لمصر).
قمة استثنائية
وتعد هذه القمة استثنائية وذات مدلولات كثيرة في ظروفها وتوقيتها والدول المشاركة فيها، إذ تتشارك في سياسات متقاربة ولا توجد خلافات تُذكر فيما بينها، حيث أعلن عنها مهاتير محمد في نوفمبر الماضي، مبيناً أنها ستضم بالإضافة إلى ماليزيا، تركيا وقطر وباكستان وإندونيسيا.
وأضاف مهاتير محمد أن 450 من القادة والمفكرين والباحثين والعلماء المسلمين سيشاركون في القمة؛ لمناقشة أفكار وحلول للقضايا العالمية التي تواجه الأمة الإسلامية.
وأوضح: “نرى المسلمين في كل مكان يتعرضون للقمع والطرد من بلدانهم الأصلية، ويطلق عليهم إرهابيون، وبعضهم في حالة حرب ودمار؛ لذلك تجب مناقشة تلك القضايا وإيجاد حلول لها”.
ورداً على سؤال عن مدى الحاجة إلى عقد هذه القمة مع وجود منظمة التعاون الإسلامي، قال: “نريد أن نبدأ بعدد قليل من القيادات ممن لديهم تصورات متماثلة عن الإسلام والمشكلات التي يواجهها المسلمون”.
ولفت إلى أن “عديداً من الدول الإسلامية تواجه مشكلات وعليها الاهتمام بمشكلاتها، لكن أعتقد أن الدول الثلاث؛ وهي ماليزيا وتركيا وباكستان، بالإضافة إلى قطر وإندونيسيا، يمكن أن يكون لديها الوقت للتعامل مع تلك المشكلات”.
ومن المفترض أن تتناول القمة النزاعات القائمة منذ زمن طويل بإقليم كشمير وفي الشرق الأوسط، والأوضاع بسوريا واليمن، ومحنة أقلية المسلمين الروهينغا في ميانمار، وتنامي الغضب من معسكرات الصين للمسلمين الأويغور في شينجيانغ، إضافة إلى سبل مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا بالعالم.
ورغم إرسال مكتب رئيس الوزراء الماليزي دعوات إلى كل الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وعددها 56 دولة، فإن مسؤولين قالوا إن نحو 20 دولة فقط سترسل وفوداً، وإن عدداً أقل سيكون ممثَّلاً بزعماء.
قلق محور السعودية
ويبدو أن ماليزيا، التي تعد دولة مسالمة ولا مشاكل لديها مع دول الجوار أو العالم، كانت على علم مسبق بأن الحضور لن يشمل دولاً عربية كبرى كالسعودية، التي كان لها دور فاعل بالعالم الإسلامي أخذٌ في التناقص بعد الربيع العربي ودعم الرياض موجة الثورات المضادة والأنظمة المستبدة.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية، أن مهاتير محمد أجرى اتصالاً مع العاهل السعودي الملك سلمان مساء الثلاثاء (17 ديسمبر 2019)، أكد الملك خلاله أن تلك القضايا يجب أن تناقَش من خلال منظمة التعاون الإسلامي.
واتخذ رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، الذي كان من المحركين الأساسيين لعقد القمة مع مهاتير وأردوغان، قراراً في اللحظة الأخيرة يقضي بعدم الحضور.
وقال مسؤولون باكستانيون، طلبوا عدم ذكر أسمائهم، لوكالة “رويترز”: إن “خان انسحب تحت ضغوط من السعودية” الحليف المقرب لبلاده، رغم أن تقارير إعلامية نقلت عن مسؤولين أيضاً نفيَهم أن يكون هذا سبب عدم تمثيل ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم.
ويمثل إندونيسيا، أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان، معروف أمين، نائب رئيس الدولة والمشرف على جهود مكافحة التطرف والإرهاب هناك، بدل الرئيس جوكو ويدودو، الذي ذكرت صحف أنه لن يحضر القمة بطلب من المملكة.
وفي مكالمته مع العاهل السعودي قال رئيس وزراء ماليزيا إن بلاده لا تقصد عقد قمة كوالالمبور لتولي دور منظمة التعاون الإسلامي، وإن “القمة تهدف إلى إيجاد حلول جديدة للأمة الإسلامية”، وفقاً لما نقلته وكالة الأنباء الماليزية الرسمية.
وتابع قائلاً: “إن الملك سلمان يفكر في أن القضايا التي تهم الأمة الإسلامية من الأفضل مناقشتها في اجتماعات تابعة لمنظمة التعاون الإسلامي، بدلاً من أن يناقشها جزء صغير من أعضاء المنظمة”، مضيفاً: “إذا نظمت السعودية أية قمة لمناقشة الأمر ذاته، فنحن على استعداد للحضور”.
وعن اعتذار رئيس الوزراء الباكستاني عن حضور القمة، قال مهاتير محمد: “هذا اختياره.. لا يمكننا إكراهه، فلا إكراه في الإسلام.. لا يستطيع حضور هذه القمة، وربما لديه مشاكل أخرى”، معرباً عن اعتقاده أن لدى خان، “أسبابه الخاصة”.
وتتشارك الإمارات والبحرين الموقف السعودي في الرفض غير المبرر للقمة، حيث شنت هجوماً واضحاً عليها في وسائل إعلامها.
وفي ظل تأثير الرياض على منظمة التعاون الإسلامي، خرج أمينها العام يوسف العثيمين، قائلاً: إن “منظمة التعاون الإسلامي جامعة لكل المسلمين، وأي عمل إسلامي مشترك يجب أن يتم في إطار المنظمة”.
وأردف في هجوم واضح على القمة: “أي عمل خارج المنظمة إضعاف للإسلام والأمة وتغريد خارج السرب، وعقدُ مثل هذه اللقاءات خارج إطار المنظمة سيُضعف القوة التصويتية للعالم الإسلامي أمام المجتمع الدولي، أيُّ إضعاف لمنصة منظمة التعاون الإسلامي إضعاف للإسلام والمسلمين”.
تخوُّف إسرائيلي
كما أن لدولة الاحتلال الإسرائيلي موقفاً مشابهاً للسعودية من القمة، فقد نقلت صحيفة “العربي الجديد” عن “مركز القدس لدراسة المجتمع والدولة”، توقعه أن القمة ستسفر عن مواقف معادية لـ”إسرائيل” بشكل صارخ، لا سيما في كل ما يتعلق بالتعاطي مع الشعب الفلسطيني وقضيته، بسبب توجهات الدول الممثَّلة في القمة إزاء “تل أبيب”.
ولفت المركز في تقدير موقف أعده يوني بن مناحيم، إلى مواقف مهاتير محمد من الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الزعيم الماليزي سبق أن هاجم منظمة التعاون الإسلامي؛ لعدم إقدامها على تحركات جدية تساند القضية الفلسطينية وتقف بوجه “العُدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني”.
ونقل المركز، الذي يرأس مجلسَ إدارته دوري غولد وكيل الخارجية الإسرائيلي الأسبق، أن وفداً يمثل حركة “حماس”، بقيادة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، يشارك في القمة.
وأوضح أن الدول المشاركة في القمة تمثل مئات الملايين من المسلمين، مشيراً إلى أن تعاون هذه الدول سينجم عنه ثقل سياسي رادع يقلص حدة المخاطر التي يتعرض لها المسلمون في العالم.
ما الذي يثير القلق؟
ويُظهر غياب السعودية واشتراك حلفائها في تشويه القمة الإسلامية؛ الانقسامات التي يعانيها العالم الإسلامي، فقد قال جيمس دورسي، كبير الباحثين بكلية “سانت راجاراتنام” للدراسات الدولية في سنغافورة: “المسألة أن لديك تكتُّلين: تكتُّل سعودي-إماراتي، وتكتُّل تركي-قطري، وبينهما باكستان التي تحاول إرضاء الطرفين”، بحسب وكالة “رويترز”.
وقالت السعودية إن سبب قرارها عدم الحضور هو أن القمة ليست الساحة المناسبة لطرح القضايا التي تهمُّ مسلمي العالم البالغ عددهم 1.75 مليار نسمة، لكن بعض المحللين يعتقدون أن المملكة تخشى العزلة الدبلوماسية في القمة من خصومها بالمنطقة إيران وقطر وتركيا، في حين شنت صحف رسمية سعودية هجوماً على القمة ووصفتها بـ”قمة الضِّرار”.
وقال مصدر سعودي لـ “رويترز”: إن “المملكة تلقت دعوة للحضور، لكنها لن تحضر إلا إذا عُقدت القمة تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي”، موضحاً أن الرياض “تشعر بقلق شديد من الأمر”.
ورغم تأكيد ماليزيا أنها لا تسعى لإلغاء دور منظمة التعاون الإسلامي، فإن الرياض رفضت الحضور، وشوَّهت عبر وسائل إعلامها بشكل كبير، القمة والعاملين عليها.
وقال المحلل السياسي التركي حمزة تكين، في حديث خاص: إن “هذه القمة لا تسعى لسحب البساط من منظمة التعاون الإسلامي كما تدَّعي بعض الدول المعارضة لها، ومع الأسف الدول المعارضة لهذه القمة إسلامية، في حين لم نسمع عن أي معارضة حتى الآن من أي دولة غير إسلامية”.
وبحسب “تكين”، فإن السؤال المطروح هو: “ماذا قدمت منظمة التعاون الإسلامي منذ أن تأسست، مع أهمية وجودها للمسلمين في ظل حروب مندلعة باليمن وليبيا ولبنان والعراق وسوريا، وفي كشمير الباكستانية، وكذلك الحال في تركستان الشرقية؟”.
وأشار إلى أن “هذا المسعى في ماليزيا لبناء وحدة إسلامية مصغرة، حيث إن منظمة التعاون الإسلامي تضم عشرات الدول، والتنسيق فيما بينها أمر صعب، ربما النواة الصغيرة تستطيع التنسيق أكثر فيما بينها، لتقدّم مشاريع أكبر تستفيد منها الدول الإسلامية”.
وشدد قائلاً على أنه “أمر مؤسف أن تعترض بعض الدول على تعاون إسلامي وعلى مساعي بعض الدول الإسلامية على مزيد من الوحدة الأمنية العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية”.
وأكّد تكين أن “القمة لن تفشل على الإطلاق رغم كل هذه المساعي، وستحقق آمالاً جديدة للعالم الإسلامي رغماً عن بعض الدول الإسلامية التي تعمل ضد الدول الإسلامية”.
وجديرٌ ذكره أن “قمة كوالالمبور” ليست الأولى، بل إنها الخامسة من نوعها، لكنها كانت تقام بأساليب مختلفة وفي دول أخرى: ففي عام 2014 تأسست القمة الأولى بدعوة من مهاتير محمد الذي لم يكن رئيس الوزراء آنذاك وبحضور مجموعة من مفكرين مسلمين، بهدف إنتاج منظومةً فكريةً سياسية إسلامية جديدة.
ثم أتت القمة الثانية تحت عنوان “دور الحرية والديمقراطية في تحقيق الاستقرار والتنمية”، وأقيمت كذلك في كوالالمبور. أما القمة الثالثة في الخرطوم فكانت بعنوان “الحكم الرشيد”، والرابعة باسم “الانتقال الديمقراطي” وعُقدت في إسطنبول، إلا أن أياً من القمم الماضية لم تنل انتقاداً سعودياً أو إسرائيلياً.
ويرى مراقبون أن خشية السعودية من القمة ووجود الموقف ذاته في “إسرائيل” يظهران فشل سياستها مع حلفائها تجاه العالم الإسلامي ودوله التي تعاني مشاكل كبرى لا تُحل إلا في اجتماع الكلمة، وكيف أنها تضع العصا في العجلات؛ لمنع أي تكامل يصل إلى الحلول الشافية.