خطر متعدّد الأوجه يحْدِق بأبرز حليفين خليجيين تحمله إيران وتسير به في عُرض البحر؛ في محاولة لمواجهة التهديدات الأمريكية بشأن منع طهران من تصدير نفطها إلى الخارج.
فالسعودية والإمارات تقفان اليوم أمام تداعيات اقتصادية وعسكرية، حال نفذت إيران تهديداتها بإغلاق المضيق الذي يقع بمنطقة الخليج العربي فاصلاً بين مياهه من جهة، ومياه خليج عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة أخرى.
تداعيات هذه المخاطر تعززت بعد الهجمات على ناقلات النفط في خليج عمان في 14 يونيو 2019 وقبالة سواحل الإمارات في مايو 2019، وهي تمثل ترجمة لتهديد قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني، علي رضا تنكسيري، بإغلاق مضيق هرمز في حال تخفيض صادرات إيران النفطية إلى الصفر، مجدداً تأكيد ملكية بلاده للجزر الإماراتية الثلاث في الخليج العربي؛ طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، كما اعتبر أن البحرين جزء من إيران.
وقال الأدميرال تنكسيري، في مقابلة أجرتها معه قناة “العالم” الإخبارية الإيرانية، الاثنين (25 فبراير 2019): “ما دام نفطنا يخرج من مضيق هرمز، وناقلاتنا لا تتعرّض لمضايقات، فإن ذلك لن يحدث”.
وتابع الأدميرال قائلاً: “يريدون أن يوقفوا تصدير نفطنا، وأن يمنعوا سفننا، أي منطق هذا؟ إذا ما أرادوا فسيرون حينها هل سيحدث هذا أم لا؟”.
وبدأت الولايات المتحدة، في نوفمبر الماضي، تطبيق الحزمة الثانية من عقوباتها الاقتصادية على إيران، وتشمل قطاعات الطاقة والتمويل والنقل البحري.
وإيران هي ثالث أكبر منتج للنفط الخام في منظمة البلدان المصدّرة للبترول (أوبك)، بعد السعودية والعراق، بـ3.45 ملايين برميل يومياً، وصادرات عند مليوني برميل يومياً.
وحول الجزر، استطرد قائد الحرس الثوري الإيراني بالقول: “أنتم تعلمون جيداً أنّ هذه الجزر إيرانية، كما تعلمون أنّنا لو عدنا إلى الوراء في التاريخ لوجدنا أن البحرين كانت جزءاً من إيران، حتى عام 1971”.
وتساءل قائلاً: “هل يمكن أن يدّعي أحدهم امتلاكه هذه الجزر؟ بينما البحرين التي لها تاريخ طويل كانت جزءاً من إيران، خاصة أن مسافة هذه الجزر تبعد عن سواحلنا 16 ميلاً فقط. هذه الجزر إيرانية، لكن أعداءنا يهدفون من وراء إثارة هذه القضايا حلب المنطقة والانتشار فيها”.
وتؤكد دولة الإمارات عائدية هذه الجزر إليها، وتطالب باسترجاعها، وتقول إن طهران وضعت يدها على هذه الجزر في أثناء الانتداب البريطاني.
وأضاف القائد العسكري الإيراني قائلاً: “لو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن هذه الجزر إيرانية، وستبقى إيرانية، ويجب أن تبقى إيرانية للأبد. وكما نقول نحن لا نطالب بأرض البحرين، ويجب ألا يطالب أي كان بالجزر الإيرانية”.
في سياق متصل شدد الأدميرال تنكسيري على أن ما يُستعرَض في مناورات القوات البحرية الإيرانية في الخليج، قرب مضيق هرمز، يشكّل جزءاً صغيراً جداً من قدرات البلاد.
وذكر في المقابلة: “نحن في القوة البحرية للحرس الثوري نعتقد أن كل شيء يجب أن يبقى سرّياً، وأن يُكشف عنه رويداً رويداً وبصورة تدريجية، وما يعرَض في المناورات يشكّل جزءاً صغيراً جداً من قدراتنا الرئيسية التي سيرونها (الأعداء) حينما يتلقون ضربة قوية”.
أهمية “هرمز”
يبلغ عرض المضيق الاستراتيجي قرابة 50 كيلومتراً، وعمق المياه فيه نحو 60 متراً، ويستمد أهميته الكبيرة من مرور ناقلات النفط العملاقة به.
والمضيق، الذي يشكّل ممراً حيوياً لصادرات النفط في العالم، هو أهم ممر لعبور الذهب الأسود، حيث تعبره يومياً ما بين 20 و30 ناقلة، بحمولة تتراوح بين 16.5 و17 مليون طن، بمعدل ناقلة نفط كل 6 دقائق في ساعات الذروة.
ويُنقل عبر مضيق “هرمز” نحو 40% من الإنتاج العالمي من النفط الخام المنقول بحراً، وهو ما يمثل أكثر من 20% من الإنتاج العالمي من النفط، و90% من النفط الذي تصدّره دول مجلس التعاون الخليجي.
وإضافة إلى النفط الخام، فإن 22% من السلع الأساسية في العالم (الحبوب وخام الحديد والأسمنت) تمر عبر مضيق هرمز، وإغلاقه سيشكل كارثة اقتصادية وغذائية عالمية، بالتأكيد لن تقف عند حدود الشرق الأوسط.
رئيس الأركان الإيراني، محمد باقري، حدد شرطاً واحداً لإقدام بلاده على إغلاق المضيق، وهو “إذا وصل عداء الأعداء إلى درجة لا تبقي خياراً غيره” كما قال في إشارة إلى الإمارات والسعودية.
وأكد باقري، خلال اجتماع لقادة الشرطة الإيرانية في العاصمة طهران، بحسب ما نقلت عنه وكالة “تسنيم” الإيرانية، الأحد 28 أبريل 2019، أن “القوات المسلحة الإيرانية هي التي تتولّى أمن مضيق هرمز، ونحن نريد أن يكون الممر مفتوحاً، ونحافظ على أمنه”.
وأوضح أن “النفط الإيراني يعبر حالياً من خلال مضيق هرمز، كما يعبر منه النفط والسلع الأخرى إلى بقية الدول”، مهدداً في الوقت ذاته بأنه “في حال منعت طهران من تصدير نفطها عبر هذا الممر، فلن يعبر منه نفط الدول الأخرى”.
ولفت باقري إلى أن “الحرس الثوري الإيراني يشرف على تأمين أمن هرمز”، مشيراً إلى أن “السفن والقطع البحرية الأمريكية مجبرة على التعامل مع الحرس حين العبور من المضيق”.
كما أشار إلى أن القوات الأمريكية في الخليج “أبدت تعاوناً حتى اللحظة، وترد على أسئلة الحرس ولم تغير سلوكها”.
وكان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد حذّر واشنطن يوم الأربعاء الماضي، خلال وجوده في نيويورك، من “السعي لوقف الصادرات النفطية الإيرانية”، قائلاً: إنه “في حال فعلت ذلك عليها تحمل العواقب”.
وفي وقت سابق، هددت إيران بمنع مرور شحنات النفط عبر مضيق هرمز، وهو ممر ملاحي استراتيجي لنقل النفط في الخليج، إذا حاولت الولايات المتحدة خنق اقتصاد طهران من خلال وقف صادراتها النفطية.
والاثنين 22 أبريل 2019 أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وقف إعفاءات شراء النفط الإيراني، كانت حصلت عليها 8 بلدان في ديسمبر 2018.
خيار المواجهة عسكرياً
الخبير في شؤون الشرق الأوسط، حكم أمهز، ربط بين التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق، والأهداف التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقها من خلال فرض العقوبات الاقتصادية على طهران.
ولعل الشق الثاني من حلقتي الربط اللتين تحدّث عنهما “أمهز” يتعلق بهدفين اثنين؛ الأول مرتبط بمحاولة “تطويع إيران” سياسياً وجعلها تقبل بالمشروع الأمريكي في المنطقة.
أما الثاني فهو “متعلق بسعي واشنطن لإسقاط النظام الإيراني من خلال فرض العقوبات عليه، وذلك باستخدام كل الوسائل لخلق أزمة بين القاعدة (الشعب) والقيادة (الإيرانية)”، كما يقول.
ومن خلال هذا السيناريو، يمكن الوصول إلى إجابة بشأن جدّية إيران في تنفيذ تهديداتها بإغلاق هرمز، وهو ما رآه الخبير في شؤون الشرق الأوسط مرتبطاً بتحول الأمر إلى خطر على النظام الإيراني.
وأضاف: “عندما تُخيّر طهران بين إسقاط النظام وإلغاء وجودها، وإغلاق مضيق هرمز وفتح معركة عسكرية، فإن الخيار الأول نسبته صفر في المئة”.
وهذا يعني، وفق تحليل “أمهز”، أن “إيران جادّة” في مسألة إغلاق المضيق، لكن ذلك لن يحصل بشكل مباشر، “وربما تتخذ طهران بعض المواقف التدريجية التصاعدية”، حتى يصل الأمر إلى ما سمّاه “الخط الأحمر”.
وعند سؤاله عن المقصود بذلك، أوضح أن “الخط الأحمر” مرتبط بالوصول إلى مرحلة خنق الاقتصاد الإيراني، “بحيث يصل الأمر إلى مرحلة تؤدي إلى اضطرابات داخلية في البلاد؛ ومن ثم تهديد النظام القائم حالياً”.
لكن “أمهز” اعتبر أن “طهران تستنفد كل الوسائل السياسية والدبلوماسية لحل الأزمة، بعيداً عن وقوع مواجهة عسكرية”، وهو الأمر الذي استبعده أيضاً.
السعودية والإمارات
وقبل الحديث عن تأثر أبوظبي والرياض بالتهديد الإيراني، تجب الإشارة إلى أن قرابة 80% من النفط المستخرج من السعودية والكويت والإمارات والعراق تُنقل عبر مضيق هرمز إلى الأسواق الآسيوية.
ولعل هذه النسبة التي وضعتها معطيات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية كافية، لتلخيص الضرر الذي سيقع على الإمارات والسعودية حال نفّذت إيران تهديدها بشأن المضيق.
وفي هذا الإطار، أشار “أمهز” إلى أن هاتين الدولتين تعتمدان بشكل كبير على النفط، وفي حال توقُّف الأمر فإن “النظامين السعودي والإماراتي سيسقطان تلقائياً من جراء إغلاق هرمز”، بحسب تعبيره.
وعلَّل الخبير في شؤون الشرق الأوسط ذلك بالقول: إن “الاستثمارات والحركة الاقتصادية المحورية التي تشهدها الإمارات والسعودية مهددة بالسقوط”.
وعلى صعيد المواجهة العسكرية المستبعدة وكيف سيكون شكلها، أشار “أمهز” إلى أن الولايات المتحدة لن تشرك جيشها في القتال؛ ومن ثم “ستدفع بالسعودية والإمارات لخوض ذلك”.
واستدرك متسائلاً: “لكن، هل السعودية التي تشن حرباً (ضمن تحالف عربي مع الإمارات) في اليمن منذ 3 سنوات دون تحقيق أي إنجاز، قادرة على القتال؟ وهل تسمح إمكاناتها العسكرية بذلك؟”.
ويجيب عن تساؤلاته بالقول: “أستبعد ذلك”، مستشهداً بالعملية العسكرية التي تخوضها الرياض وأبوظبي في محافظة الحُديدة ومينائها الاستراتيجي باليمن، “حيث استخدمتا كل شيء ولم تستطيعا تحقيق شيء”.
تأثير اقتصادي
ولأن الاقتصاد يدفع دائماً فاتورة أخطاء السياسة ومغامرات السياسيين، فإن تنفيذ إيران هذه المرة تهديداتها بإغلاق “هرمز” سيُبنى عليه تبعات اقتصادية “كارثية” على المنطقة والعالم، قد تتدحرج تداعياتها لتشعل حرباً إقليمية شرسة.
وعلى صعيد النفط العربي، فإنه في حال أُوصدت بوابات المضيق، فإن دول الخليج، وخاصةً السعودية والإمارات، ستكون في فوهة الأزمة.
وتصنف السعودية كثاني أكبر منتِج للنفط في العالم والأول عربياً، بـ10.448 ملايين برميل يومياً، في حين تعد الإمارات ثامن أكبر منتج للنفط عالمياً، والثالث عربياً بـ2.8 مليون برميل يومياً، بحسب بيانات “أوبك” لعام 2017.
وتصدّر المملكة من خلال مضيق هرمز نحو 88% من إنتاجها النفطي، في حين تصدّر الإمارات ما نسبته 99%، وهذا يعني أن إغلاق المضيق سيكبد الدولتين خسائر اقتصادية كارثية.
كما أن تنفيذ إيران تهديداتها سيقضي على غالبية الموارد المالية النفطية للبلدين الخليجيين، والتي يعتمدان عليها في تغطية أكثر من 60% من نفقات موازناتها العامة.
وعن ذلك، يقول المحلل الاقتصادي عبد الرحمن العساف: إنه “في حال نفذت إيران تهديداتها، فإن ذلك سيعني حصول نقص ما بين 16.5 مليون و20 مليون برميل من النفط الخام يومياً على الصعيد العالمي”.
ويشير في حديثه إلى “ارتفاع جنوني وخيالي في أسعار النفط، سيتضرر بموجبه الجميع حتى المستهلكين العاديين مثل السائقين”.
ويضيف أن “إغلاق المضيق سيقطع ارتباط الدول المنتجة للنفط الخام في الشرق الأوسط بالأسواق الرئيسية المستهلكة للبترول في قارة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا الشمالية”.
هروب إلى خيارات لاواقعية
وعن خيارات البلدين حال وقعت الأزمة، يقول المحلل الاقتصادي إن المملكة لديها خيارات عديدة، لكنَّ أياً منها لا يفي بالغرض.
ومن ضمن هذه الخيارات، التحول للتصدير شرقاً باستخدام خط أنابيب الشرق-الغرب، من رأس تنورة إلى ينبع على شاطئ البحر الأحمر، وتبلغ الطاقة الفعلية للخط نحو 4.5 ملايين برميل يومياً، لكنه لا يعمل بطاقته القصوى، بحسب العساف.
والسعودية يمكنها أيضاً إعادة تأهيل خط أنبوب العراق-السعودية، المتوقف منذ عام 1991، ويربط الخط البصرة مع خط الشرق- الغرب، وينقل النفط العراقي مباشرة إلى محافظة ينبع على ساحل البحر الأحمر.
ويستدرك العساف: “لكن هذا الخيار يحتاج إلى وقت كبير ليصبح فاعلاً، في حال وافقت بغداد، وبالتأكيد لن يكون كافياً لنقل ما تنتجه السعودية من النفط يومياً”.
وفي جعبة السعودية أيضاً خياران، لكن تحقيقهما يكاد يكون مستحيلاً؛ الأول يتمثل بنقل صادرات النفط عبر خط “تابلاين” من حقول القيصومة (شرقي المملكة) إلى الزهراني في جنوبي لبنان، مروراً بالأردن وسوريا.
وهذا الخط متوقف منذ عام 1976، ولم تتطرق السعودية إلى الحديث عن إعادة تفعيله مطلقاً كحل لأزمة إغلاق “هرمز”، كما يقول العساف.
أما الخيار الثاني غير الواقعي، فهو نقل النفط من منطقة الربع الخالي إلى المكلا في حضرموت اليمنية على بحر العرب، لكن الحرب اليمنية وسطوة تنظيم “القاعدة” في الجنوب اليمني تجعلان هذا الحل أقرب إلى المستحيل.
أما على الصعيد الإماراتي، فيرى العساف أن أبوظبي لديها خيار وحيد وهو خط أنابيب “حبشان- الفجيرة”، الذي تم تدشينه عام 2012، ويبلغ طوله 370 كم، في حين تبلغ سعته 1.5 مليون برميل نفط يومياً.
وهذا الخط يمكنه تجاوز مضيق هرمز، فمن خلاله ستتمكن الإمارات من تصدير النفط عبر ميناء الفجيرة المطل على بحر عُمان، لكن قدرته الاستيعابية لن تكون كافية تماماً لنقل كل ما تنتجه الإمارات من النفط.