تعد المملكة العربية السعودية أكبر مستثمر خليجي في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال ضخ أموالها في العديد من القطاعات والمجالات، التي تتصدرها حيازة السندات الأمريكية.
وبقي الاستثمار بالسندات الأمريكية سنوات طويلة من الأكثر أماناً باعتبارها أقوى اقتصاد في العالم، وقوة عظمى من ناحية الاستقرار السياسي، ما يجعلها لا تتأثر داخلياً بمعظم الأزمات والأحداث التي تجري خارج حدودها.
وحافظت السعودية على مركزها في المرتبة الـ 14 ضمن كبار الدول الحاملة للسندات الأمريكية حتى مارس 2021، إلى 130.8 مليار دولار.
وهذا الاستثمار الكبير يطرح العديد من التساؤلات عن أهمية ضخ مبلغ بهذا الحجم للاستثمار به خارجياً، في ظل أزمات كورونا، وتوجه المملكة لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى الداخل السعودي عبر مشاريع عملاقة تعمل عليها في إطار رؤية 2030.
ما هي السندات الأمريكية؟
والسندات هي بمنزلة وعاء استثماري قائم على الاقتراض، فهي عبارة عن أوراق مالية تلتزم فيه الجهة المُصدِّرة لها بدفع القيمة الاسمية للسند في تاريخ استحقاقه، وأيضاً دفع الفوائد بشكل دوري لحاملها.
وهناك عدد كبير من السندات، وتُعَد السندات الأمريكية نوعاً من أنواع السندات، و قد حظيت بمكانة كبيرة في التجارة الحديثة، فقد أصبحت إحدى طرق التجارة الحديثة الأكثر رواجاً، وقد يلجأ إليها المضاربون في البورصة العالمية نظراً لقابليتها للتحويل والعوائد الجيدة لها، وأيضاً ضمان استرداد قيمتها.
وظهرت سندات الخزانة الأمريكية لأول مرة عندما قررت الولايات المتحدة دخول الحرب العالمية الأولى ووجدت نفسها في حاجة إلى المال لتمويل الحرب، وهنا برزت فكرة طرح سندات مستحقة الأداء بعد عدد معين من السنوات وبنسبة فائدة محددة لجمع المال من العموم ومن المؤسسات.
واستمرت الحكومة الأمريكية في الحصول على تمويل الإنفاق وسد عجز الميزانية من خلال بيع سندات الخزينة إلى يومنا هذا، حيث يثور النقاش الآن حول سلامة هذه السندات وأمانها على المدى الطويل.
وتملك البنوك الأجنبية وصناديق الاستثمار والشركات الكبرى أو الحكومات قيماً كبيرة جداً من سندات الخزينة الأمريكية.
كم تملك السعودية؟
ويصل إجمالي ما يمكله الأجانب من السندات الأمريكية، حتى مارس 2021، إلى 7028.4 تريليونات دولار، وفي مقدمة تلك الدول اليابان بـ (1240.3 مليار دولار)، ثم الصين بـ (1100.4 مليار دولار)، وصولاً إلى السعودية التي يقدر ما تملكه من السندات بقيمة 130.8 مليار دولار في المرتبة الـ 14 عالمياً.
وبلغت استثمارات السعودية، حتى مارس 2021، 130.8 مليار دولار (490.5 مليار ريال سعودي)، مقابل 132.9 مليار دولار (498.4 مليار ريال) بنهاية فبراير الذي سبقه.
وتكشف هذه الإحصائيات عن تخفيض السعودية حيازتها للشهر الرابع توالياً، في وقتٍ حافظت فيه على المرتبة الـ14 عالمياً بين كبار المستثمرين في أداة الدين الأمريكية.
وقالت صحيفة “الاقتصادية” السعودية في تقرير لها، (مايو 2021)، إنها استندت إلى بيانات وزارة الخزانة الأمريكية، حيث توزعت استثمارات السعودية في سندات الخزانة بـ105.4 مليارات دولار في سندات طويلة الأجل، تمثل 81% من الإجمالي، في حين أن نحو 25.5 مليار دولار في سندات قصيرة الأجل تشكل 19% من الإجمالي.
وعلى أساس سنوي انخفض رصيد السعودية من سندات وأذونات الخزانة الأمريكية 17.8% (28.3 مليار دولار) بنهاية مارس 2021، مقارنة برصيدها نهاية الشهر نفسه من 2020 البالغ 159.1 مليار دولار.
ومنذ مطلع 2020، ارتفعت حيازة السعودية من سندات وأذون الخزانة الأمريكية من 179.8 مليار دولار في ديسمبر 2019، إلى 182.9 مليار دولار بنهاية يناير 2020، ثم إلى 184.4 مليار دولار بنهاية فبراير.
في حين بدأت بالتراجع إلى 159.1 مليار دولار بنهاية مارس 2020، و125.3 مليار دولار بنهاية أبريل، و123.5 مليار دولار بنهاية مايو، قبل أن تعود إلى الشراء في يونيو الماضي مع تحسن المؤشرات الاقتصادية الأمريكية مع الفتح التدريجي للبلاد.
وعادت إلى البيع بنهاية يوليو، لتصل استثماراتها إلى 124.6 مليار دولار، ثم ارتفعت إلى 130 مليار دولار بنهاية أغسطس، ثم إلى 131.2 مليار دولار بنهاية سبتمبر، ثم 134.2 مليار دولار بنهاية أكتوبر، ثم إلى 137.6 مليار دولار بنهاية نوفمبر.
ثم تراجعت إلى 136.4 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2020، ثم إلى 135.1 مليار دولار بنهاية يناير 2021، ثم إلى 132.9 مليار دولار بنهاية فبراير، وصولاً إلى 130.8 مليار دولار بنهاية مارس.
لماذا تراجع الاستثمار السعودي بالسندات؟
في عام 2016، هددت السعودية ببيع الأرصدة السعودية في الولايات المتحدة على خلفية إقرار الكونغرس الأمريكي، عام 2016، قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” والمعروف باسم “جاستا”، الذي يتيح لذوي وأقارب هجمات 11 سبتمبر 2001 مقاضاة المتورطين بالهجمات أمام المحاكم الأمريكية.
وكانت جهات سياسية تعمل في واشنطن على الضغط على المملكة بناء على اتهامات لمسؤولين سعوديين بالتورط في هجمات 11 سبتمبر وهو ما تنفيه الحكومة السعودية بشكل قاطع.
وقدرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، في يوليو 2018، قيمة استثمارات مؤسسة النقد السعودي (المصرف المركزي السعودي) في الولايات المتحدة بنحو 506 مليارات دولار، وجزء كبير منها في سندات الخزانة الأمريكية والأوراق المالية، حيث اشترت السعودية المزيد من السندات بدل أن تبيعها.
وقال المحلل الاقتصادي كمال عبد الرحمن: إن “السعودية غادرت قائمة أكبر 10 حائزين للسندات الأمريكية عام 2019، مع استمرارها بتصدر القائمة العربية، حيث وصل ما تملكه في أغسطس (2019) إلى 183.8 مليار دولار، ثم انخفض إلى 169.9 مليار دولار في نوفمبر من العام نفسه”.
وأضاف، في حديث مع “الخليج أونلاين”، أن “التأثيرات السياسية التي كانت عام 2019 والضغوط على المملكة بخصوص مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول (2018) كان لها دور في هذا التراجع، بالإضافة للعوامل السابقة التي رافقت الحديث عن تطبيق عقوبات على الرياض عبر قانون جاستا أو غيره”.
وبيّن أن “الانخفاض الذي قدر بنسبة 24.1% (43.4 مليار دولار) خلال 2020، لتبلغ 136.4 مليار دولار، مقارنة برصيدها نهاية 2019 البالغ 169.9 مليار دولار، كان لعدة أسباب، منها تفشي وباء فيروس كورونا المستجد”.
وأردف أن التراجع في القيمة لم يقف عند كورونا فقط، فقد انخفض إلى 130.8 مليار دولار في مارس 2021، وهو ما يعود إلى توجه سعودي إلى التراجع في حيازة السندات بشكل تدريجي، والتوجه نحو الاستثمارات المحلية، بالإضافة إلى تنويع محفظة الاستثمارات، سواء في الولايات المتحدة أو بلدان أخرى مثل الصين وروسيا، وبطبيعة الحال عموم أوروبا، خصوصاً بعد وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة، وسياساته الجديدة تجاه الشرق الأوسط وعودة مباحثاته مع إيران”.
كما أكّد عبد الرحمن أن “قيمة الاستثمارات الأجنبية بالسندات الأمريكية أيضاً تراجعت في الأشهر الأخيرة، فقد انخفضت بنسبة 1.0% في مارس 2021 إلى 7.028 تريليونات دولار، مقابل 7.099 تريليونات في الشهر السابق له، وهو ضمن التأثر بتداعيات وباء كورونا، ما انعكس أيضاً على انخفاض قيمة ما تملكه السعودية بنسب ليست قليلة”.