يمثل اليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو من كل عام فرصة سنوية لاستعراض واقع حرية الصحافة في دول العالم، ومساءلة الدول الاستبدادية ورصد سلوكها ضد الصحفيين والعمل الصحفي، وهذا العام 2022 يشهد في السعودية استمرارًا للسياسات القمعية للصحافة والعمل الصحفي، فقد حافظت على مكانتها ضمن أخطر وأصعب الدول في العالم لعمل الصحفيين.
ورغم التقييد القديم لحرية التعبير في السعودية وما تعرضت له المطبوعات من قمع تعسفي ومن ثم تقييد قانوني بنظام المطبوعات والنشر لعام 2000 (الذي عُدِّل عام 2003)، فقد وضع نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية لعام 2007 إطارًا قانونيًّا جديدًا لقمع حرية التعبير على الإنترنت، وموادّه الفضفاضة تستخدمها السلطات لمحاكمة الأفراد لتعبيرهم السلمي عن آرائهم بنشرها على مواقع الإنترنت أو شبكات التواصل الاجتماعي.
بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد تزايد وتيرة قمع السلطات السعودية للصحفيين والعمل الصحفي المستقل، عملت القسط على توثيقه وعلى توثيق ما تضمنه هذا القمع من تخييم أجواء الخوف والترهيب، واستهداف الصحفيين والكتّاب بالمحاكمة وإنزال أحكامٍ مطولة في السجن، بل وقتل بعضهم بسبب عملهم الصحفي، حتى سادت سردية الصوت الواحد، صوت السلطات السعودية، وضمنت السعودية لها مكانةً ضمن أسوأ الدول لحرية الصحافة في التقرير السنوي لمنظمة (مراسلون بلا حدود).
والتصنيف العالمي لحرية الصحافة هو ترتيب سنوي تنشره منظمة (مراسلون بلا حدود)، الذي يأتي بناء على تقييم المنظمة لسجل حرية الصحافة لكل دولة، ويعد تصنيف السعودية في المرتبة 170 من أصل 180 بلدًا يشملها التصنيف تمثيلًا لاستمرار تدهور الصحافة والعمل الصحفي فيها، وتُصنف السعودية في المنطقة السوداء الأكثر سوءًا، والتي يعد العمل فيها “صعبًا وخطيرًا”.
تستمر السلطات السعودية في اعتقال الصحفيين ومحاكمتهم بسبب أعمالهم المهنية، وتشديد القيود المفروضة على الصحافة، واستهداف الصحفيين بالاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، وحتى القتل، كما حدث مع الصحفي جمال خاشقجي.
وتعتمد السلطات السعودية هذا النهج لتكميم أفواه الأصوات الناقدة، وتقييد المعلومة وحرمان المواطنين والمواطنات منها، وفرض أجواء رقابة ذاتية تمنع أي عمل صحفي مستقل من الظهور؛ خوفًا من مصير الصحفيين في السجون السعودية، حيث تسعى السلطات السعودية إلى صبغ العمل الصحفي المستقل، وأي تداول للمعلومات والأفكار المستقلة، بِصِباغ الإرهاب، لتخلق بذلك بيئة من الخوف والتهديد، ما يمنع ويقيد تداول ونشر المعلومات.
وفي هذا اليوم يجب التذكير بأوضاع بعضٍ من الصحفيين والكتاب والمدونين الذين تعرضوا للاعتقال، والإخفاء القسري، والأحكام القضائية على خلفية أعمالهم السلمية التي تتعمد السلطات السعودية تصنيفها ومحاكمة القائمين بها ضمن إطار الإرهاب ومحاربته.
ما يزال الصحفي تركي الجاسر رهن الاختفاء القسري بعد اعتقاله من منزله العام 2018، ليكمل بذلك أكثر من أربع سنوات، وقد كان اعتقاله على خلفية التعبير عن الرأي، فيما يستمر اعتقال المدون خالد العلكمي منذ سبتمبر 2017، وحكمت المحكمة الجزائية المتخصصة، التي أنشئت بدعوى محاكمة قضايا الإرهاب، على الإعلامي فهد السنيدي بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة، بِدعاوى منها “دعم ثورات الربيع العربي” و”نشر تغريدات تطالب بالإفراج عن بعض السجناء”، وأفرج عنه في 3 فبراير 2022 بعد قرابة السنة الكاملة من نهاية محكوميته في مارس 2021.
وقد مثل الحكم على الصحفي علاء برنجي في أبريل 2016 صدمة للوسط الإعلامي والصحفي، وهو صحفي بارز عمل في صحف شهيرة مثل عكاظ والبلاد والشرق وذلك بعد اعتقاله في 2014، ومحاكمته في الجزائية المتخصصة إثر تغريدات نشرها على تويتر عبر فيها عن تأييده لقيادة المرأة ومناصرته لمعتقلي الرأي، فقد كان الحكم المنزل عليه بالسجن لمدة سبع سنوات تتلوها ثماني سنوات منع من السفر مستندًا إلى عدد من التهم بينها “إهانة ولي الأمر” و”تحريض الرأي العام” و”اتهام ضباط أمن بقتل متظاهرين في العوامية”، ليفرج عنه في فبراير 2021 مع منعه المستمر من السفر.
وحكم على الكاتب عبدالله المالكي بالسجن لمدة سبع سنوات على خلفية نشاطاته الثقافية، ومواقفه الفكرية، وتغريدات نشرها على (تويتر)، واعتقل الكاتب الإصلاحي زهير كتبي بطريقة عنيفة في 2019، وتعرض للضرب والإهانة، وما يزال رهن الاعتقال رغم حالته الصحية، ويقضي الإعلامي وجدي الغزاوي حكمًا بالسجن لمدة 12 سنة، تتلوها 20 سنة منع من السفر، على خلفية محتوى برنامجه (فضفضة) على موقع (يوتيوب).
وقد طال استهداف الصحفيين مواطنين أجانب كالصحفي السوداني أحمد علي عبدالقادر، الذي تم اعتقاله عند وصوله مطار الملك عبدالعزيز بسبب انتقاداته لسياسات السعودية في السودان واليمن، ووقت كتابة هذا التقرير ما زال الصحفي والمدون اليمني المقيم في السعودية مروان المريسي سجينًا، وذلك بعد أنْ اعتقل من منزله في 1 يونيو 2018 وأخفي قسريًّا لقرابة السنة الكاملة، ولم يحال إلى المحكمة إلا في أكتوبر 2020، لتستمر محاكمته مع حرمانه من التمثيل القانوني والزيارات العائلية.
وتضم قائمة الاعتقالات عددًا كبيرًا من الصحفيين، ومن اتخذ العمل الصحفي والإعلام سبيلًا للتعبير عن الرأي، ونشر وتداول المعلومات.
ويلاحظ أنّ الوعود بالإصلاح والتغيير والانفتاح التي تكررت مع تقلّد محمد بن سلمان ولاية العهد قد تحولت سريعًا إلى مستوىً جديدٍ من القمع، يستهدف إغلاق المجال العام أمام جميع الاتجاهات الفكرية، وخصوصًا الإصلاحي منها، وكان الصحفيين والعمل الصحفي من المتضررين بشدة من هذه الحملات، وكانت جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية في إسطنبول، عام 2018، إشارة وعلامة بارزة على هذا الواقع الجديد.
وهذه الممارسات كافة تجري تحت عدد من القوانين ذات المواد الفضفاضة، التي تترك للسلطات – في حال إحالة المعتقل إلى المحاكمة – مساحة واسعة لتفسيرها بما يوائم أهدافها السياسية بتكميم الأفواه والتضييق، وتكرر استخدامها لإيقاع الأحكام بالسجن على العاملين في المجال الصحفي.
ويظهر ذلك في بعض مواد نظام المطبوعات والنشر، حيث تؤكد المادة التاسعة من النظام على الالتزام “بالنقد الموضوعي والبنّاء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة”، ولكنها تضع مجموعة من المحظورات الفضفاضة تمنع النشر فيها بأي وسيلة كانت، منها ما “يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة”، و”ما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام، أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية”، و”التعرض أو المساس بالسمعة أو الكرامة أو التجريح أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو أي من موظفيها أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية أو الاعتبارية الخاصة”، و”ما يضر بالشأن العام في البلاد”، و”وقائع التحقيقات أو المحاكمات، دون الحصول على إذن من الجهة المخولة نظامًا”.
تضع هذه المحظورات أمام العمل الصحفي عراقيل خطيرة، بخطوط حمراء واسعة، تثني الصحافة من مقاربة الموضوعات الحرجة التي تمسّ الشأن العام، وخصوصًا سياسات السلطات وممارساتها داخليًّا وخارجيًّا.
وتستخدم السلطات السعودية نظام مكافحة جرائم المعلوماتية لملاحقة الصحفيين والعمل الصحفي على الإنترنت، وقد حوكم بموجب هذا القانون عدد من نشطاء حقوق الإنسان بسبب عملهم الحقوقي وتعبيرهم عن آرائهم.
ويعد نظام مكافحة الإرهاب من أكثر القوانين تعسفية، وبه يتم تقييد حرية التعبير والعمل الصحفي المستقل على مواقع الإنترنت، حيث تنص إحدى مواده الفضفاضة على السجن لمدة تصل لخمسة سنوات، وبغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين لمن يعمل على “إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي”.
كذلك نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله الذي تحاكم السلطات السعودية بموجبه نشطاء المجتمع المدني وعدد من الصحفيين بسبب أنشطة سلمية تتعلق بحقوق الإنسان، ومطالبات بالإصلاح السياسي، ففي إطاره يمكن أن تصنيف التعبير عن الآراء المخالفة لآراء عن السلطة، أو تداول هذه الآراء، أو حتى الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي، أعمالًا إرهابية، بما في ذلك، بموجب المادة 30، التي تضع ضمن إطار الإرهاب نقد الملك أو ولي العهد بشكل مباشر أو غير مباشر.
تدعو القسط السلطات السعودية إلى وقف ملاحقة الصحفيين والمدونين والكتاب بسبب أنشطة سلمية تتعلق بأعمالهم، وتؤكد في يوم حرية الصحافة العالمي أن نشر وتداول المعلومات والتعبير عن الرأي ليست جرائمًا، وأن على السلطات أن تطلق سراح جميع من اعتقل بسبب أعماله وأنشطته الصحفية.