بالرغم من نفي الحكومة السعودية، يشير إطلاق الشركات السعودية لمقاطعة “غير رسمية” للبضائع التركية إلى الحلقة الأخيرة من عداء الرياض المتزايد تجاه أنقرة.

وأثار إعلان شركة الوجبات السريعة السعودية “هارفي” في 18 أكتوبر/تشرين الأول عن قرارها إعادة تسمية “البرجر التركي” “بالبرجر اليوناني” انتقادات باعتباره قرارا “تافهًا”، بالرغم من أنه يقرأ في سياق موقف السعودية الجيوسياسي تجاه تركيا.

وقد أشاد أحد موظفي الحكومة السعودية بقرار “هارفي”، وغرد قائلاً: “شكرًا لوطنيتك، وحبك للوطن وقيادته”، وقدم لمحة عن الروايات المعادية لتركيا داخل البلاد.

ويأتي ذلك وسط مقاطعة “غير رسمية” متصاعدة للبضائع التركية داخل السعودية، مما يشير إلى أن الرياض تكثف الضغط على خصمها الإقليمي أنقرة بينما تستهدف المقاطعة في الغالب أيضا المنسوجات والمنتجات والمقاولين.

ودعت الغرف التجارية في السعودية إلى مقاطعة المنتجات التركية على مستوى البلاد في 4 أكتوبر/تشرين الأول. وقد غرد رجل الأعمال “عجلان العجلان”، قائلا: “مقاطعة كل ما هو تركي، سواء كان استيرادًا أو استثمارًا أو سياحة، هي مسؤولية كل تاجر ومستهلك سعودي، ردًا على استمرار العداء من الحكومة التركية ضد قيادتنا وبلدنا ومواطنينا”.

وانتشر مفهوم “مقاطعة المنتجات التركية” عبر تويتر في السعودية في أكتوبر/تشرين الأول، حيث شجع المؤثرون البارزون الآخرين على أن يحذوا حذوهم. وكان موقع “تويتر” أداة قوية لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان”، حيث استخدمت الحكومة جيشًا من الروبوتات المؤيدين للسعودية للتأثير في الرأي العام على منصة التواصل الاجتماعي.

وأفادت وكالة “فرانس برس” أن العديد من المتاجر انضمت إلى المقاطعة، وأفرغت أرففها من البضائع التي تحمل علامة “صنع في تركيا”. وقال موظف في مجموعة الملابس الإسبانية “مانجو” للموردين الأتراك، وفقًا لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، إن السعودية “حظرت أيضًا جميع واردات المنتجات المصنوعة في تركيا”.

وقال مسؤول تركي إن المقاطعة كانت محل اشتباه العام الماضي بعد أن قيل إن السعودية منعت 80 شاحنة تركية و 300 حاوية بها فواكه وخضروات ومنتجات منسوجات ومواد كيميائية من الدخول عبر الموانئ السعودية.

ونفت الحكومة السعودية أنها تشجع المقاطعة، ومع ذلك، قد تواجه تداعيات سياساتها التجارية بما في ذلك عقوبات من منظمة التجارة العالمية وغيرها من الآثار المتعلقة بالإضرار بالسمعة.

وشهد هذا العام حربا إعلامية حيث قامت السعودية بحظر المنافذ الإخبارية التركية، بما في ذلك “TRT” ووكالة الأناضول، فيما ردت تركيا بحظر العديد من المنافذ السعودية التي تروج للمشاعر المعادية لتركيا.

وقد وضعت السياسة الخارجية لتركيا نفسها على الجانب الآخر من موقف السعودية في عدة مسارح. ففي ليبيا، دعمت أنقرة حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها ضد أمير الحرب “خليفة حفتر”، الذي حصل على دعم سعودي إلى جانب دعم دول أخرى، بما في ذلك الإمارات التي تعتبر حليف الرياض الوثيق.

وبينما دعمت تركيا والسعودية فصائل المعارضة السورية ضد نظام “بشار الأسد” في وقت مبكر من الصراع السوري، غيرت الرياض نهجها في ظل “محمد بن سلمان” وتظهر الآن مزيدًا من تقبلها لـ”الأسد”.

ونشرت صحيفة “إندبندنت العربية” السعودية مقالاً في أكتوبر/تشرين الأول بعنوان “دمشق تعيد ربط الحبل المقطوع مع السعودية والإمارات”، مشيدة باحتمال التطبيع بين الرياض و”الأسد”. وقد ادعى مسؤول المخابرات السعودية السابق “سعد الجبري” في أغسطس/آب الماضي أن “بن سلمان” غير سياسته تجاه سوريا في عام 2015 وبدأ يشجع التدخل الروسي لدعم “الأسد”.

كثفت تركيا عملياتها في شمال سوريا، بما في ذلك القيام بحملة عسكرية ضد “الأسد” في وقت سابق من هذا العام، مما دفع الرياض إلى تغيير موقفها. وهناك ادعاءات بأن الرياض تعتبر أنقرة “إيران جديدة”، في إشارة إلى التنافس بين السعودية وإيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، والتي هددت منذ ذلك الحين الهيمنة الإقليمية للسعودية.

وتحمل السعودية ضغينة ضد تركيا بعد الكشف عن مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” في القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وكان ذلك ضربة قاسية لجهود العلاقات العامة لـ”بن سلمان” في العواصم الغربية، لتقديم السعودية على أنها دولة إصلاحية وأكثر تقدمية في ظل حكمه.

بعد وقت قصير من مقتل “خاشقجي”، كتب الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في صحيفة “واشنطن بوست” أن “المملكة العربية السعودية لا يزال لديها العديد من الأسئلة للإجابة عليها بشأن مقتل خاشقجي”، ومنذ ذلك الحين أثار “أردوغان” القضية مرارًا وتكرارًا. وقال في أكتوبر/تشرين الأول 2019 إن الحادث شكل “تهديدا خطيرا للنظام الدولي”.

ومن الواضح أن هذا الأمر قد دفع “بن سلمان” إلى الضغط على حكومة “أردوغان” حيث زعم موقع “ميدل إيست آي” في أغسطس/آب 2019  أن وثيقة مسربة من مركز الإمارات للسياسات -وهي مؤسسة فكرية لها علاقات وثيقة مع الحكومة الإماراتية والأجهزة الأمنية- وضعت خطة تقودها السعودية لإسقاط “أردوغان”.

ووفقًا للوثيقة، ستبدأ المملكة في استهداف الاقتصاد التركي والضغط باتجاه الإنهاء التدريجي للاستثمار السعودي في تركيا، والخفض التدريجي للسائحين السعوديين الذين يزورون تركيا مع خلق وجهات بديلة لهم، وتقليل الواردات السعودية من البضائع التركية، والأهم من ذلك التقليل من الفاعلية الإقليمية التركية في الشؤون الإسلامية.

وقد ظهرت بعض الانتقادات للمقاطعة منذ ذلك الحين داخل تركيا. ودعت 8 من أكبر مجموعات الأعمال في تركيا السعودية إلى إنهاء ذلك. وقد جاء في البيان الذي وقعه قادة الصناعة والمصدرون والمقاولون والنقابات: “تجاوزت هذه القضية العلاقات الاقتصادية الثنائية وأصبحت مشكلة لسلاسل التوريد العالمية”.

وأضاف البيان أن “أي مبادرة رسمية أو غير رسمية لعرقلة التجارة بين البلدين سيكون لها تداعيات سلبية على علاقاتنا التجارية وستضر باقتصاديات وشعب البلدين”. وحذر “محمد جوزال منصور”، النائب عن مقاطعة هاتاي التركية، من أن بلاده تمر بالفعل بأوقات عصيبة بسبب جائحة فيروس “كورونا”، وأن مثل هذه المقاطعة الكبيرة ستضر بالعديد من الشركات المحلية.

ومع ذلك، لا تزال الآثار الاقتصادية للمقاطعة على تركيا غير مرئية ومن غير المرجح أن يكون لها تأثيرات كبيرة على اقتصاد البلاد. ولكن في حالة تطور هذه المقاطعة بشكل أكبر، فهناك مخاوف بشأن المجالات الأخرى التي يمكن استهدافها. على سبيل المثال، قد تحد السعودية من حصص الحج التي تعطيها لتركيا نظرًا لتسييسها السابق لشعيرة الحج.

مع هذا التطور الأخير في العلاقات السعودية وتركيا، يبدو أن التقارب بين الحكومتين هو احتمال بعيد المنال.