اعتبر تحليل نشرته منصة “أسباب” المعنية بتحليل أبعاد ومآلات التطورات الإقليمية والدولية من منظور جيوسياسي، أن التطبيع المحتمل برعاية أمريكية بين السعودية وإسرائيل سيعمل على تحصين المملكة من التهديدات، لكن الدولة العبرية في المقابل لن تكون أكثر أمنا.
واستشهد التحليل بمطالب السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة والتحديات التي تواجه الأطراف الثلاثة للتوصل إلى الاتفاق الذي رجحت وسائل إعلام في واشنطن أن الفترة التي يحتاجها لكي تتضح تفاصيله الدقيقة قد تستغرق مدة عام كامل.
مطالب
وتطلب السعودية إبرام اتفاقية أمنية ثنائية مع واشنطن بمستوى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، تُلزِم أمريكا بالدفاع عن المملكة في حالة تعرضها لأي هجوم.
كما تطلب عقودا طويلة الأجل لأسلحة متطورة تشمل طائرات مقاتلة من طراز “إف-35″، وأنظمة دفاع صاروخي متطورة مثل بطاريات دفاع ضد الصواريخ الباليستية “ثاد” (THAAD).
وتتضمن المطالب السعودية أيضا تطوير برنامج نووي سلمي يتضمن منشآت لتخصيب اليورانيوم داخل المملكة، وتقديم إسرائيل تنازلات ذات مغزى تجاه الفلسطينيين؛ بما في ذلك التعهد بعدم ضم أراضي الضفة الغربية.
في المقابل، تريد واشنطن من الرياض إنهاء الحرب في اليمن، وحزمة مساعدات غير مسبوقة للمؤسسات الفلسطينية في الضفة الغربية، وقيودا كبيرة على العلاقة المتنامية بين السعودية والصين، والتنسيق بخصوص استقرار أسواق الطاقة وسياسات إنتاج النفط.
ووفق تحليل المنصة، فإن ثمة تحديات تواجه الرياض وواشنطن وتل أبيب للوصول إلى اتفاق تطبيع كامل للعلاقات بين المملكة والدولة العبرية.
فالسعودية من جانبها تتخوف من عدم تخلي إسرائيل ببساطة عن خططها الرئيسية لنسف أي مسار محتمل لحل الدولتين مقابل اتفاق التطبيع.
وإضافة لذلك، فإن المملكة لديها علاقات غير رسمية مع إسرائيل منذ سنوات، أمنية واقتصادية، فقد لا يكون الوقت الحالي هو الأنسب للتطبيع الرسمي؛ لا سيما في ظل السياسات المتطرفة التي تنتهجها الحكومة الحالية.
تحديات
بدورها، تتخوف واشنطن من أن وجود برنامج نووي في السعودية يشمل تخصيب اليورانيوم محليا سيدفع دول المنطقة إلى المطالبة بإنشاء برامج مماثلة؛ مما يزيد من خطر الانتشار النووي في الشرق الأوسط المضطرب دائماً.
كما تخشى واشنطن من أن يؤدي حصول الرياض على اتفاقية دفاع مشترك، والأسلحة المتطورة التي تطلبها؛ إلى سباق تسلح إقليمي تشارك فيه كل من مصر والإمارات وقطر، والتي ستطالب الولايات المتحدة بالتزامات وامتيازات مماثلة؛ ما يعني زيادة الدعم الإسرائيلي لضمان تفوقها العسكري بالمنطقة.
وهناك صعوبات كبيرة لتمرير اتفاقية الدفاع المشترك في الكونجرس؛ إذ يتطلب ذلك موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وهي موافقة مازالت محل شك؛ في ظل الانتقادات الموجهة للرياض، خصوصا إزاء علاقاتها المتنامية مع روسيا والصين، كما من المرجح أن يحرص الجمهوريون على حرمان الرئيس الأمريكي جو بايدن من هذا النصر الدبلوماسي قبيل الانتخابات.
المكاسب التي يسوقها مؤيدو الاتفاق داخل الإدارة الأمريكية قد لا تكون مسلما بها أيضا؛ فمن غير المؤكد أن تؤدي الصفقة إلى ابتعاد السعودية عن الصين وروسيا بمسافة ترضي واشنطن، في ظل العلاقات الاقتصادية والتجارية المهمة التي تهم المملكة.
كما أن إتمام الصفقة لن يؤدي على الأرجح إلى تشكل حلف أمني سعودي إسرائيلي، خاصة بعد اتفاقية تطبيع السعودية مع طهران.
على صعيد آخر، فإن التحدي الرئيس أمام رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو هو تحقيق إنجاز التطبيع مع السعودية دون تنازلات حقيقية تقوض تحالفه الحكومي.
حيث تبدو تصريحات نتنياهو إيجابية تجاه صفقة التطبيع التي يرى أن لها الأولوية على القرارات الاستيطانية في الضفة الغربية، في ظل تداعياتها بعيدة المدى المتوقعة، خاصة علاقة إسرائيل بالدول الإسلامية، فضلا عن أن الصفقة ستمنحه إنجازا دبلوماسيا غير مسبوق، وسط الأزمة الداخلية الحادة التي تتعرض لها حكومته.
الحكومة والمؤسسات الأمنية في إسرائيل سيكون عليهم ببساطة الموازنة بين المضي قدما في الأجندة الداخلية المتطرفة، أو إعطاء الأولوية لضم السعودية إلى اتفاقيات “أبراهام” وتعزيز الجبهة الإقليمية في مواجهة إيران، وفق التحليل.
ورغم أن شركاء الائتلاف الحكومي من المرجح أن يرفضوا التراجع عن أجندتهم، إلا أنهم سيكونون تحت ضغوط محتملة من نخب أمنية وبيروقراطية إسرائيلية، ومن الإدارة الأمريكية لتقديم تنازلات من أجل التوصل لاتفاق تطبيع مع السعودية.
تحصين السعودية
تشير قائمة مطالب السعودية إلى أن الرياض تنظر للاتفاق المحتمل ليس بوصفه اتفاقية تطبيع ثنائية مع إسرائيل، وإنما بكونه اتفاقية أمنية استراتيجية مع الولايات المتحدة تعيد تعريف علاقات الجانبين التي توترت مؤخرا وباتت محل تقييم من الجانبين.
وتشير هذه المطالب إلى أن السعودية تخاطب واشنطن أكثر مما تخاطب إسرائيل، بمعني أن الرياض مهتمة بالحصول على الضمانات الأمريكية الاستراتيجية أكثر بكثير من أي مكاسب منتظرة من توقيع اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، خاصة وأن التعاون السعودي الإسرائيلي يتقدم بالفعل أمنيا واقتصاديا دون تطبيع رسمي.
الرسالة الأهم التي ترسلها السعودية إقليميا أنها ليست بصدد الثقة في إيران على المدى البعيد؛ “سبق أن أشرنا إلى هذا الاستنتاج عقب توقيع اتفاقية تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية، مرجحين أن الاتفاقية لا تنهي الصراع مع إيران لكنّها تغير استراتيجيته. لذلك؛ من المحتمل أن تجد الرياض صعوبة في موازنة المسارات الدبلوماسية المتزامنة مع منافسين إقليميين: إيران وإسرائيل”.
على الرغم من كل هذه التحديات والعقبات المحتملة، فإن التوصل لاتفاق من هذا النوع سيعيد رسم خريطة التوازنات في المنطقة بصورة استراتيجية، ستكون السعودية فيها بموقع أكثر حصانة ضد التهديدات الخارجية، وسيواجه نفوذ الصين في المنطقة قيودا أكبر، بينما ستعزز إسرائيل من اندماجها في المنظومة الإقليمية أمنيا واقتصاديا، دون أن يعني هذا أنها ستكون أكثر أمنا، خاصة إزاء التهديدات الاستراتيجية داخليا إذا تجاهل الاتفاق معالجة جوهرية للقضية الفلسطينية نفسها.