تشارك السعودية في قمة دول مجموعة العشرين الاقتصادية (G20)، التي انطلقت أعمالها، أمس الجمعة، لكن البعض قد يتساءل: لماذا تملك الرياض هذه العضوية، فهي ليست دولة صناعية كبرى، واقتصادها يواجه تحديات تقوده نحو مستقبل غامض منذ سنوات؟
الإجابة عن هذا السؤال تكمن في أن امتلاك السعودية للنفط هو السبب الوحيد لوجودها في هذه المجموعة الاقتصادية الدولية؛ فعائداته هي الركيزة الرئيسية لاقتصادها، وكميات إنتاجها المرتفعة منه يجعل لها دوراً في سوق الطاقة العالمي.
تأثير اقتصادي محدود
وعند مقارنة اقتصاد السعودية ببقية دول مجموعة العشرين التي تضمّ 19 بلداً إضافة للاتحاد الأوروبي، فإنها تحلّ بالمرتبة الـ18، مع مؤشرات اقتصادية متهاوية في ظل عدم استقرار أسعار النفط واتجاهها نحو الهبوط، والظروف السياسية والأمنية التي تواجهها منذ سنوات، ما يجعل تأثيرها في الاقتصاد العالمي محدوداً.
في حين تملك بقية دول المجموعة الاقتصادية العالمية اقتصادات صناعية متنوّعة تجعل لها دوراً فعالاً ومؤثراً باقتصاد العالم.
والجدير ذكره هنا أن قمة العشرين تأسّست في 1999، وذلك لبحث الأزمات المالية التي تضرب العالم من فترة لأخرى، وتهدف لإنقاذ وتعزيز الاقتصاد العالمي وتطويره وإخراجه من أي مأزق، فضلاً عن دعم النمو الاقتصادي العالمي وتطوير آليات فرص العمل، وتفعيل مبادرات التجارة المنفتحة.
والدول الأعضاء في المجموعة هي: الولايات المتحدة، والأرجنتين، وأستراليا، والبرازيل، وكندا، والصين، وفرنسا، وألمانيا، والهند، وإندونيسيا، وإيطاليا، واليابان، والمكسيك، وروسيا، والسعودية، وجنوب أفريقيا، وتركيا، وكوريا الجنوبية، والمملكة المتحدة، إضافة للاتحاد الأوروبي.
وحسب بيانات البنك الدولي للعام 2017، فإن الناتج المحلي الإجمالي لدول العشرين مجتمعة مع الاتحاد الأوروبي يمثّل 86% من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد العالمي البالغ 80.7 تريليون دولار بالعام نفسه.
ووفقاً لذات البيانات، فإن 15 دولة من مجموعة العشرين يتجاوز الناتج المحلي فيها مبلغ تريليون دولار، وهناك أربع دول فقط، من بينها السعودية، ضمن المجموعة ناتجها المحلي أقل من ذلك.
في ذيل القائمة
وإذا ما أردنا ترتيب دول المجموعة حسب ناتجها المحلي الإجمالي لعام 2017؛ فإن الولايات المتحدة تتصدّر الترتيب بإجمالي ناتج محلي يصل إلى 19.39 تريليون دولار.
ويستحوذ الاتحاد الأوروبي على المرتبة الثانية بناتج إجمالي محلي يصل إلى 17.28 تريليون دولار، في حين تحل الصين بالمرتبة الثالثة بمبلغ 12.24 تريليون دولار.
وتأتي اليابان رابعاً؛ فهي تستحوذ على ناتج محلي يصل إلى 4.87 تريليونات دولار، وتليها ألمانيا بإجمالي ناتج محلي يصل إلى 3.68 تريليونات دولار.
وتحل المملكة المتحدة سادساً بـ2.62 تريليون دولار، ثم الهند بمبلغ 2.6 تريليون دولار، ففرنسا بـ2.58 تريليون دولار، في حين تحل البرازيل تاسعاً بمبلغ 2.06 تريليون دولار.
وتأتي في المرتبة العاشرة إيطاليا التي لديها ناتج إجمالي محلي 1.9 تريليون دولار، وتحل كندا بالمركز الـ11 بإجمالي ناتج محلي 1.65 تريليون دولار.
وخلف كندا تستحوذ روسيا على الترتيب الـ12 بـ1.58 تريليون دولار، وبالمرتبة الـ13 تأتي كوريا الجنوبية بـ1.53 تريليون دولار، ثم أستراليا بمبلغ 1.34 تريليون.
وبعدها تأتي المكسيك بالمرتبة الـ15 ضمن المجموعة بإجمالي ناتج محلي 1.12 تريليون دولار، ثم إندونيسيا التي تستحوذ على المركز الـ16 بإجمالي ناتج محلي 1.02 تريليون دولار.
وتحجز تركيا المرتبة الـ17 بإجمالي ناتج محلي يصل إلى 851 مليار دولار، ثم تأتي السعودية في المرتبة الـ18 بإجمالي ناتج محلي 684 مليار دولار في عام 2017.
وتملك دولة الأرجنتين (مستضيفة القمة) الترتيب الـ19 بناتج محلي قدره 638 مليار دولار، وأخيراً في المركز الـ20 تأتي جنوب أفريقيا بإجمالي ناتج محلي 349 مليار دولار.
اقتصاد أحادي المصدر
لكن عند مقارنة مصادر العائدات المالية لهذه الدول يمكن أن نصل بسهولة إلى أنها تملك اقتصادات ذات إيرادات متنوّعة، باستثناء السعودية فهي الدولة الوحيدة التي يشكّل النفط أكثر من 70% من إيراداتها، لذلك فهو الرافعة الرئيسية لاقتصادها.
وإذا كان “الذهب الأسود” سبباً لنمو اقتصاد المملكة فإنه يمكن أن يكون سبباً لانهياره كذلك؛ لأن أي تراجع كبير بأسعار النفط، كما حدث في 2014، سيكون كفيلاً بتلقّي الرياض ضربة في مقتل ستقود اقتصادها إلى هاوية عميقة.
ووفق تقرير لوكالة “بلومبيرغ” الأمريكية الاقتصادية، نشرته منتصف العام الجاري، فإن نموّ الاقتصاد غير النفطي في السعودية لم يتخطَّ أكثر من 0.6%، وهو رقم ضئيل جداً بالنسبة إلى خطط الحكومة الطموحة.
وحسب بيانات البنك الدولي، الذي توقَّع في تقرير حديث له تحسُّناً متواضعاً في اقتصاد المملكة، نهاية العام الجاري، عند 1.7%.
وسيكون هذا النمو مدعوماً بزيادة إنتاج البلاد من النفط وارتفاع أسعاره، ولن يكون هناك أي زيادة حقيقية في عائدات الاقتصاد غير النفطي.
وفي السياق نفسه قال تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، مؤخراً، إن “رؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل السعودي ستفشل”.
وأضاف: إن “اقتصاد السعودية أحاديّ المصدر منذ اكتشاف النفط عام 1938، وقد أدخلت الحكومات المتعاقبة 10 خطط إنمائية على الاقتصاد”.
أول هذه الخطط كان عام 1970 وآخرها عام 2015، وجميعها حملت هدفاً استراتيجياً واحداً؛ وهو تحقيق اقتصاد متنوّع لا يعتمد كلياً على النفط، كما يقول التقرير.
وتابع: “لقد فشلت الخطط التسع الأولى فشلاً ذريعاً في تحقيق الهدف؛ إذ لم تتمكّن السعودية من إحراز أي تقدّم واضح يتعلّق بالبنية التحتيّة الصناعية التي لم تتجاوز وجود بعض مصانع البلاستيك والبتروكيماويات والأغذية الأساسية”.
أما الخطة العاشرة وهي التي وضعها ولي العهد، محمد بن سلمان، وحملت اسم رؤية 2030، فإنها تهدف لزيادة الإيرادات من خلال قنوات جديدة بخلاف النفط، ولكن هذا لا يمكن أن يتحقّق؛ بحسب الموقع البريطاني.
وأرجع الموقع سبب توقّعه فشل رؤية 2030 إلى أن “الحكومة السعودية تفتقر لمقوّمات القيادة في عصر ما بعد النفط؛ بسبب اعتمادها على المال السهل والسريع من مبيعات البترول”.
وذكر أن “الاستثمار الحقيقي الذي لا يعتمد على النفط يحتاج إلى وقتٍ لكسب المال، والسعودية لديها سجلّ حافل بعدم الانضباط في مجال الاستثمار، ففي أوقات ازدهار الأسعار تستثمر الرياض فوائضها النقدية، وعند انهيار الأسعار تسارع بتصفية أصولها”.
وفي تقرير آخر لوكالة “بلومبيرغ”، جاء فيه أن “جهود الرياض لتنويع اقتصادها والابتعاد عن الإيرادات النفطية كمصدر وحيد لتعزيز وضع المالية العامة فشلت حتى الآن”.
انهيار النفط يعني سقوط السعودية
وحول اعتماد السعودية على النفط كمصدر لمعظم إيراداتها الحكومية، قال المحلل الاقتصادي محمد الشهري: إن “المملكة فشلت في تحويل اقتصادها لاقتصاد غير نفطي، وهذا ما رصده العديد من التقارير الدولية”.
وأضاف الشهري في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “عدم تنوّع الاقتصاد السعودي يُنذر بكارثة اقتصادية ستواجهها المملكة في حال انهارت أسعار النفط كما حدث في 2014، ما قد يؤدي لسقوط أقوى اقتصاد عربي”.
وأشار إلى أن زيادة أسعار النفط، منذ بداية العام الجاري، دفعت المملكة لتكثيف إنفاقها العام، وهذا يؤكد أن النمو غير النفطي في المملكة ضعيف أو غير حقيقي، فهي حتى الآن تعتمد بشكل شبه كلي على عائدات النفط.
ويشدّد المختص الاقتصادي على ضرورة أن تتخلّى السعودية عن إنفاقها العام الكبير، وتعزز اقتصادها غير النفطي، وتوقف عملياتها العسكرية الخارجية التي تستنزف احتياطها النقدي وتهدد الاستثمارات الأجنبية فيها.
الخليج أونلاين