كفلت الشرائع السماوية والقوانين الدولية ومواثيق حقوق الانسان العالمية حق الخصوصية لكل فرد وأنه لا يجوز انتهاكها بشكل من الأشكال وهي حق أساسي من حقوق الإنسان، وبها تتصل حقوق جوهرية أخرى كحق التعبير وحرية الرأي والتجمع.
ورغم أن حق الخصوصية واسع ومتعدد إلا أنه ومع تطور تكنولوجيا المعلومات وما تبع ذلك من تطورات طالت الخصوصية، فإن الموضوع أصبح واحدا من أكثر موضوعات حقوق الإنسان إلحاحا وحضورا في منابر النقاش في عصرنا الحالي. حيث شكل التسارع الكبير في تطور تكنولوجيا المعلومات حالة فريدة جعلت من القدرة على توليد وجمع وتحليل وتخزين المعلومات أمرا غاية السهولة مقارنة بالأوقات السابقة، مما يخلق ضرورة ملحة لتطوير التشريعات لتواكب هذه القدرات للسيطرة على نقل المعلومات وتبادلها وترحالها عبر الحدود أيضا.
وفي بلد مثل السعودية الذي لا يراعي أبسط حقوق الانسان ولا يوجد أدنى معايير الحقوق في حفظ الخصوصية للأفراد فقد أصبحت ساحة التقنية وفضاء التكنولوجيا مرتعا خصبا للسلطة لانتهاك خصوصية المواطنين عامة والحقوقيين والناشطين خاصة .
وبالرغم من ادعاءات السلطة أنها لا تقوم بذلك إلا أن الواقع يقول بأن انتهاكات الخصوصية موجود ومستمر وانعكاساتها على الأفراد واضحة وله ضحايا لا تستطيع السلطة انكارهم.
فجميع معتقلي الرأي حاليا تم انتهاك خصوصيتهم قبل اعتقالهم من خلال التجسس على أجهزتهم الذكية واختراق ايملاتهم وحساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي بل تم رصد تحركاتهم وعلاقاتهم الخاصة والتجسس على دوائرهم المقربة وعلاقاتهم الشخصية.
وفي السعودية لا يوجد تحديد للبيانات الشخصية التي يجب تداولها من عدمه فبياناتك الشخصية قد تكون عرضة للتجوال بين الجهات وأجهزة الدولة المختلفة دون أمر قضائي أو مبرر قانوني، ففضلا عن أنه لا يوجد تحديد لنوع وكمية البيانات الشخصية التي ينبغي جمعها إلا أنه لا يوجد تحديد للأطراف التي يتم مشاركة البيانات معها وهذا انتهاك صارخ لأبسط الخصوصية التي تكفلها القوانين الدولية.
ناهيك عن أن التجسس والتتبع هو ديدن السلطات السعودية لكل المواطنين، وهو من أقذر الطرق والأساليب البوليسية التي تستخدمها السلطة والتي تتطور إلى ما يشبه جرائم المافيا من قتل واختطاف وإخفاء. وحادثة الصحفي المغدور جمال خاشقجي تبقى أوضح دليل على تحول انتهاك الخصوصية وحوادث التجسس والتتبع إلي جرائم فظيعة .
إنه ملف شائك يضاف إلى سجل انتهاكات الحقوق والحريات الذي تمارسه السلطات السعودية ضد مواطنيها وينبغى أن يكون للعالم بمؤسساته الرسمية والقانونية والحقوقية وقفة حقيقية للتصدي لهذا النوع من الانتهاكات.