سلطت وكالة بلومبرج الأمريكية الضوء على التغير الاجتماعي الذي تشهده المملكة العربية السعودية في ظل سياسات ولي العهد “محمد بن سلمان”، التي تقوم على إلغاء الهيمنة الوهابية على الحياة العامة، وبدت آثارها واضحة لدى شباب وشابات معرض “الظهران إكسبو” بالدمام.
وذكر تقرير للوكالة الأمريكية أن الحياة في السعودية اليوم هي عما يمكنك فعله وليس ما هو محرم عليك، مشيرة إلى المشاريع التي يقدمها شباب وبنات “الظهران إكسبو”، ومنها صناعة زلاقات على الرمال للسياح، والسماح لأصحاب الاحتياجات الخاصة بممارسة السباحة وهم على كراسيهم المتحركة.
ووصف التقرير مشاهد مشاركات الشباب والبنات بأنها “ثورة” تنقل السعودية إلى العالم الحديث وتعود بها إلى الإسلام المعتدل، إثر تعهد “بن سلمان” بالقضاء على المتشددين “اليوم وحالا” بعد عقود من علاقة التحالف بين آل سعود وآل الشيخ، أبناء مؤسس الحركة الوهابية التي ظلت تتحكم بالقضاء والتعليم والسلوك العام.
ففي سنوات مضت، كان على منظمي “إكسبو الظهران” الفصل بين الرجال والنساء، وكان على الشرطة الدينية (المطاوعة) أن تمنع المرأة من الكشف عن وجهها أو أي جزء من جسدها، وفي عام 2016 منع كاتب كويتي في معرض كتاب الرياض لأن غمازة في وجهه تجعله مغريا عندما يضحك.
واليوم اختفى المطاوعة ولا يمكن رؤية أحدهم في أي مكان، وحل محلهم جيل يدفعه الحس الوطني أكثر من الديني، بحسب التقرير.
وفي هذا الإطار، وقفت “مشاعل”، وهي في الثلاثين من العمر، خلف معروضاتها من جلد التمساح الملونة بلون العلم السعودي وغطاءات الهواتف المحمولة التي تحمل صور ولي العهد أو العلم السعودي، قائلة: “الهوية السعودية هي نحن أما الوهابية فليست نحن”.
وأضافت: “لقد تلاشوا (المطاوعة) ولأنهم ليسوا هنا نستطيع الكشف عن وجهنا الحقيقي”.
وسجلت “بلومبرج” الفرق بين الجو الخانق بالسعودية أمس والمنفتح اليوم، من دور السينما إلى النشاطات في متنزه الملك عبد الله في الرياض، إلى قاعات الشيشة في جدة، حيث بدأ رجال الأعمال يستثمرون الجو المنفتح أو التسامح.
وأشارت الوكالة الأمريكية إلى أحاديث يتداولها السعوديون عن رفع الحظر عن بيع الخمور والذي قد يتزامن مع استضافة المملكة لقمة العشرين العام المقبل، وعلقت على ذلك بأن “البدعة في السعودية اليوم هي أن تنتقد الدولة لا المسجد”.
وفي السياق، قال مدير الأبحاث في مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية، الأمير “عبدالله بن خالد آل سعود”: “هذه ثورة، والسعودية تقف على منعطف حرج في تاريخها (..) السماح للمتشددين الدينيين نشر آرائهم القديمة سيكون مثارا للاقتتال وعدم الاستقرار ولا أحد يريد رؤية هذا. ولهذا السبب هناك نقاش مشروع لضبط المجتمع في هذه المرحلة الانتقالية حتى نصل إلى شواطئ الأمان”.
ويشير التقرير إلى أن الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 دفعت الدولة السعودية إلى تبني الوهابية بشكل متشدد، خاصة أن هذه المرحلة جاءت بعد فترة من الطفرة النفطية في السبعينات من القرن الماضي، غير أن المسؤولين السعوديين باتوا مقتنعين بأن هذا التبني كان عاملا في تنشئة “أسامة بن لادن” والخمسة عشر انتحاريا الذين شاركوا في هجمات 9/11 بعد عقدين تقريبا.
وبحسب المسؤول الاقتصادي لبلومبرج في الشرق الأوسط، “زياد داود”، فإن “بن سلمان” لا يمنح المحافظين فرصة الرد على التغيير الاجتماعي الذي يقوده، فمنذ إعلانه عن رؤية 2030 الطامحة لإبعاد السعودية عن النفط وفتح سوق العمل أمام المرأة، والسماح بقطاعات كانت ممنوعة مثل الترفيه والسياحة، بالإضافة لتحضير السعوديين أكاديميا في بلد تأثر فيه التعليم بالدين، هناك ملامح للنمو في المجال غير النفطي في الربع الأخير من العام، وهو الأعلى منذ 4 أعوام.
وأشار التقرير إلى أن السعودية اليوم باتت تسمع صوت الروك والجاز وأغاني البوب التركية، لا الصمت الذي فرضه المطاوعة، وسط مشاهد لنساء بالعباءات على دراجاتهن الهوائية يظهر من تحتها الجينز، ومعجبون ومعجبات سعوديات يصرخن في حفلات ماريا كيري وفرقة “بي تي أس” الكورية والنجوم العرب في منتزه الملك عبدالله.