“التغير الحاد في لهجة ابن سلمان تجاه إيران والحوثيين، يتمثل في فشل سياسته الخارجية”
“لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لتكون عندهم في إيران”.. هذا الوعيد أطلقه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مايو/أيار 2017، تجاه طهران.
وكانت تلك التصريحات تعبر عن “سياسة مواجهة حاسمة” أقرها الأمير السعودي تجاه “خصمه الألد” إيران، ومن ورائها جماعة “الحوثي” في اليمن، الحديقة الخلفية للمملكة، وأكبر تهديد يضرب عمقها الإستراتيجي.
لكن، وبعد 4 سنوات تبدلت لهجة القوة والغضب التي أظهرها ابن سلمان، عندما أعلن خلال لقائه مع الإعلامي عبدالله المديفر، عن تبنيه رؤية لتدشين علاقة مع إيران التي وصفها بـ”الجارة”.
رسائل الأمير
من خلال اللقاء الذي عقده عبر قناة “السعودية” (حكومية)، يوم 28 أبريل/نيسان 2021، أرسل ولي العهد السعودي، وأقوى رجل في البلاد، مجموعة رسائل تتبنى منهجية جديدة للإدارة الحاكمة في الرياض، نحو خصومها في المنطقة العربية، وتحديدا إيران، التي هي أشد أعداء المملكة.
وقال ابن سلمان: إن “إيران دولة جارة، ونطمح لإقامة علاقة طيبة ومميزة مع طهران، ولا نريد أن يكون وضعها صعبا”.
وأضاف: “لدينا معها مصالح، وإشكالاتنا في التصرفات السلبية التي تقوم بها، مثل البرنامج النووي، أو دعمها لمليشيات خارجة عن القانون ببعض دول المنطقة، أو برنامجها للصواريخ الباليستية، ونعمل مع شركائنا في المنطقة والعالم، لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات، ونتمنى أن نتجاوزها، وأن تكون علاقة طيبة وإيجابية فيها منفعة للجميع”.
وذهب ولي العهد إلى أبعد من ذلك، عندما خاطب جماعة “الحوثي”، التي تخوض مع الرياض حربا ضروسا منذ سنوات، وما زالت مسيراتها (الدرونز) تضرب أرجاء المملكة، وقطاعات النفط الإستراتيجية.
وقال ابن سلمان: إن “السعودية مستعدة لدعم الحوثيين في اليمن، مقابل توقفها عن مهاجمة المملكة”، مضيفا أنه “عرض بتقديم دعم اقتصادي، وكل ما يريدون، مقابل وقف إطلاق النار، والجلوس على طاولة المفاوضات”.
وفي تعليقه على خضوع الحوثيين للإرادة الإيرانية السياسية، صرح: “لا يوجد شك، لهم علاقة قوية بالنظام الإيراني، لكن الحوثي يمني، ونتمنى أن تحيا فيه النزعة اليمنية والعروبية ومصالح بلده قبل أي شيء آخر”.
وتشن طائرات التحالف (بقيادة السعودية) غارات على “الحوثيين”، فيما توجه الجماعة طائراتها المسيرة إلى قلب المملكة، في سجال متصاعد من القتال لم يتوقف.
تلك التحولات بعثت بتساؤلات عن سبب تبدل موقف ابن سلمان، وهل الأمر له علاقة بسياسة الإدارة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط؟ أم أن طول أمد الحرب بالوكالة أرهق قادة المملكة وجعلهم ينظرون إلى بدائل؟.
خسائر فادحة
ومنذ بداية حرب اليمن وانطلاق عملية “عاصفة الحزم” في مارس/ آذار 2015، أطلقت جماعة “الحوثي” مئات الصواريخ باتجاه السعودية، بالإضافة إلى هجمات المسيرات المرعبة.
ووصل عدد ضحايا تلك المسيرات والضربات داخل أراضي المملكة، ما يقرب من 100 مواطن، إما بسبب الهجمات المباشرة، أو شظايا صواريخ الاعتراض الأميركية عند محاولة إصابتها الهدف.
ولكن الحادثة الأفدح جاءت مع هجمات الحوثي، على منشآت عملاق النفط السعودي “أرامكو” في بقيق وخريص بالمنطقة الشرقية، في 14 سبتمبر/أيلول 2019، بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ كروز، قالت الرياض حينها إنها “إيرانية الصنع” وصبت جام غضبها على طهران.
تلك الخسائر المستمرة أكدت على مدى الأزمة التي يعيشها نظام الرياض جراء الحرب على اليمن، وتصعيد العداء مع إيران، التي تحارب بالوكالة عن طريق الحوثيين.
ولعلها تلك التي دفعت ابن سلمان، لأخذ منحى آخر، يرمي إلى تهدئة الأجواء، وتخفيف حدة الصراع، بحسب العديد من التقارير المتعلقة بهذا الشأن.
وفي 4 مايو/أيار 2021، علق المحلل السياسي الأميركي ومقدم البرامج في شبكة “CNN” الأميركية، فريد زكريا، على التغير الحاد في لهجة ولي العهد السعودي، تجاه إيران وجماعة الحوثي، بأن “سر ذلك يتمثل في فشل سياسته الخارجية إلى حد كبير”.
وقال زكريا: “في اليمن مثلا، كان من المفترض أن ينجح التدخل بقيادة السعودية في غضون أسابيع، حسبما قالوا، لكن بعد 6 سنوات أحرزوا تقدما طفيفا، وتتعرض الأهداف داخل السعودية بانتظام لهجمات صاروخية من اليمن، كما أن الحوثيين شنوا ضربة الأسبوع الماضي”.
وأضاف زكريا أن “ابن سلمان يحتاج الخروج من المستنقع (اليمن)”، لافتا إلى أنه مع “دعم إيران للحوثيين، فسيحتاج طهران للمساعدة في إبرام اتفاق”.
سيء السمعة
وقد وصفت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، في 29 أبريل/نيسان 2021، سلوك ابن سلمان، قائلة “غنى الأمير سيء السمعة نغمة مختلفة، قبل 4 سنوات، وقال إن الحوار مع إيران مستحيل، وكيف نتحاور مع نظام مبني على أيديولوجية متطرفة؟”.
وأرجعت المجلة الأميركية التحول الجذري في رؤية ابن سلمان، إلى جدية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بتحويل تركيزها بعيدا عن الشرق الأوسط.
وأضافت: “الولايات المتحدة توقفت عن طمأنة شركائها الأمنيين في المنطقة بأنها ستواصل دعمهم دون قيد أو شرط، بغض النظر عن السلوك المتهور الذي ينخرطون فيه”، وتابعت أن “واشنطن تريد الابتعاد عن توريط نفسها في مشاجرات وحيل شركائها في الشرق الأوسط”.
المتغيرات التي طرأت على العلاقة بين الرياض وطهران، عقب إظهار ولي العهد السعودي رغبته في التقارب بين الدولتين، تناولتها أيضا صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، في تقرير نشرته يوم 28 أبريل/نيسان 2021.
وقالت: “أدرك ابن سلمان أن الوضع تغير في المنطقة، وها هو يمد يده لإيران راغبا في أن تكون له علاقة جيدة مع ألد خصوم السعودية في الشرق الأوسط”.
وأضافت: “منذ انتخاب بايدن، لم يعد الاهتمام مركزا على المواجهة مع طهران، وإنما على مفاوضات فيينا بشأن العودة إلى الاتفاقية النووية الدولية لعام 2015، وعلى نطاق أوسع، على التفاهم مع الجمهورية الإسلامية”.
وذكرت لوفيغارو: “في الواقع، يرغب الرئيس الأميركي الجديد، الذي ينوي عدم التواصل مع ابن سلمان شخصيا، بعد أن اعتبرته وكالة المخابرات المركزية مسؤولا عن اغتيال الصحفي جمال خاشقجي (عام 2018)، في حدوث مثل هذا التفاهم (السعودي الإيراني)”.
ورحبت وزارة الخارجية الإيرانية، بنبرة السعودية الجديدة، التي أظهرها ابن سلمان تجاه طهران، ورغبته في الحوار، وإقامة علاقات جيدة بين البلدين.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في 30 أبريل/نيسان 2021: “نأمل في العمل معا لضمان السلام، ومن خلال الآراء البناءة والنهج المبني على الحوار، يمكن لإيران والسعودية، كدولتين مهمتين في المنطقة والعالم الإسلامي، الدخول في فصل جديد من التفاعل والتعاون”.
لكن على أرض الواقع لم يتغير شيء في سلوك طهران أو حلفائها في المنطقة، وهو ما ظهر عند استهداف طائرات دون طيار قاعدة عسكرية، في 27 أبريل/نيسان 2021، جنوب المملكة من قبل الحوثيين حلفاء إيران في المنطقة.
ومع ذلك، هناك توافقات بين إدارة الدولتين تسعى إلى تغيير المشهد القائم، ولو بشكل سري، كما حدث في “اجتماع بغداد” خلال أبريل/نيسان 2021.
لقاء بغداد
لم تكن تصريحات ولي العهد السعودي، هي المؤشر الأوحد عن بداية إزالة جبل الجليد بين السعودية وإيران خلال الفترة الحالية، حيث تحدثت صحيفة “فايننشال تايمز”، البريطانية عن اجتماع، سعودي إيراني في العاصمة العراقية بغداد.
وبحسب الصحيفة البريطانية، “تم الاجتماع في 9 أبريل/نيسان 2021، وكان على رأس الوفد السعودي رئيس الاستخبارات، خالد بن علي الحميدان، ووفد إيراني برئاسة مسؤولين مفوضين من قبل الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني”.
كما أضافت أن “الاجتماع تركز على موضوع الحرب في اليمن، وكان (إيجابيا)”، دون أن تنشر مزيدا من التفاصيل.
بعد ذلك الاجتماع بـ48 ساعة نشرت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا)، تصريحات للسفير الإيراني في العراق، إيرج مسجدي، قال فيها إن بلاده “تدعم وساطة بغداد للتقريب بين طهران والدول التي حدثت معها بعض الخلافات (السعودية) ما أدى إلى فتور في العلاقات، وتم إبلاغ السلطات العراقية بهذا الموضوع”.
وفي 25 أبريل/نيسان 2021، نشر أستاذ الإعلام والدعاية في جامعة بغداد، لقاء مكي، ورقة تحليلية عبر “مركز الجزيرة للدراسات”، جاءت بعنوان “الحوار السعودي-الإيراني في بغداد وتداعياته المحتملة”، وعلل أسباب المخاوف السعودية التي دفعت الرياض للمبادرة نحو طهران.
وقال مكي: “تدرك السعودية أن مهاجمتها من داخل الأراضي العراقية، هو احتمال قائم بشدة، بسبب ما هو معروف من وجود مليشيات مسلحة تعتبر نفسها جزءا من (محور المقاومة) الذي تقوده إيران ويضم أذرعها المسلحة في المنطقة”.
وأضاف: “تسيطر هذه المليشيات التي تشكل عماد تنظيم (الحشد الشعبي) على مناطق صحراوية على الحدود مع السعودية، وتمثل هذه مواقع مثالية لتخزين السلاح وتجهيز وإطلاق الصواريخ، وقد أعلنت مجموعة أطلقت على نفسها اسم (ألوية الوعد الحق-أبناء الجزيرة العربية) مسؤوليتها عن قصف قصر اليمامة في 24 يناير/كانون الثاني 2021”.
وذكر الباحث العراقي أنه “لا يمكن ربط إرادة الحوار سواء من السعودية أو إيران بتغير الإدارة في واشنطن، فالوساطة العراقية بدأت فعليا خلال ولاية (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترامب، ويبدو أنها لم تحقق تقدما يذكر”.
لكنها قد تتحول اليوم إلى حاجة لكل أطرافها، وليس لبغداد فقط، وقبول السعودية بالعراق كوسيط، هو من ناحية للبناء على نتائج وخبرات الجهود السابقة غير المكتملة، ومن ناحية أخرى، فإن أرض العراق ذاته أصبحت مصدرا للتهديد من خلال الفصائل القريبة من إيران، وفق تقديره.
