تؤدي التوازنات الجديدة في تحالفات السعودية داخل مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة ضبط العلاقات في اليمن أيضا، حيث تم تعيين المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة، الدبلوماسي السويدي “هانز جروندبرج”.
وفي الواقع، هناك 3 عوامل خارجية تؤثر الآن على آفاق السلام في اليمن وديناميكيات الحرب هناك، والتي يمكن أن تغير الجمود الدبلوماسي الذي شل المفاوضات في العامين الماضيين، بالرغم من أن توقعات الوساطة لا تزال معقدة.
أولا؛ يمكن للمبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة، سفير الاتحاد الأوروبي السابق في اليمن في الفترة 2019-2021، الاستفادة من خبرته الدبلوماسية السابقة لتحقيق الإجماع الأوروبي بشأن اليمن. وعند القيام بذلك، يمكنه أيضا الاعتماد على الموقف الاستباقي للمبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، “تيموثي ليندركينج”، المعين في فبراير/شباط 2021.
ثانيا؛ يمكن أن يساعد نهج الولايات المتحدة المتغير تدريجيا تجاه حركة الحوثيين، ودور عُمان المرئي بشكل غير عادي في عملية الوساطة، في سد الانقسام مع الجماعة الشيعية الزيدية فيما يتعلق بالعلاقات السعودية الحوثية أيضا.
وفي الوقت الحالي، يعكس الدور المحوري للسلطنة في اليمن، العلاقة العُمانية السعودية ويفيدها، ويرمز إلى تعزيزها أن أول زيارة دولة يقوم بها السلطان “هيثم بن طارق آل سعيد” إلى الخارج كانت إلى المملكة.
ثالثا؛ تؤدي الخلافات الاقتصادية والسياسية المتزايدة بين الإمارات والسعودية إلى دق ناقوس الخطر. وهناك أيضا عودة اشتعال التنافس الكبير والاشتباكات بشكل غير مباشر في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية.
وفي الواقع، لا يزال يتعين على الحكومة المدعومة من السعودية، المعترف بها دوليا، والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، تنفيذ الملحق الأمني لـ “اتفاق الرياض”، الموقع في نوفمبر/تشرين الثاني 2019. وفي غضون ذلك، تحولت الاحتجاجات على نقص الخدمات وانتشار العسكرة والعنف المتقطع إلى أمر ثابت في عدن.
ولا يزال حل النزاع في اليمن عملية مفتوحة، وفي هذا الإطار، تعمل السعودية على استعادة المركزية السياسية التي فقدتها في البلاد، مستندة إلى الدبلوماسية العُمانية للوصول إلى الحوثيين، وفي الوقت نفسه، مواجهة النفوذ الإماراتي الواسع في الجنوب. ومن ناحية أخرى، يريد كل من الحوثيين وإيران قضاء المزيد من الوقت قبل خوض المحادثات الدبلوماسية.
نهج جديد للأمم المتحدة وواشنطن في حل النزاعات
وفي الدبلوماسية الدولية، لا يعد المبعوث الخاص للأمم المتحدة الجديد الوحيد فيما يتعلق باليمن؛ ففي نهاية يونيو/حزيران 2021، بدا أن “تيموثي ليندركينج”، المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، قد أعاد النظر في النهج الدبلوماسي الذي اتبعته واشنطن حتى الآن؛ حيث لأول مرة اعترف علنا، خلال ندوة عبر الإنترنت، بأن “الولايات المتحدة تعترف بالحوثيين كفاعل شرعي”.
وبعد ردود الفعل الغاضبة من الحكومة اليمنية والسعودية، أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن الرئيس “عبد ربه منصور هادي” لا يزال “الحكومة الشرعية الوحيدة المعترف بها دوليا في اليمن”. ومع ذلك، أخفت كلمات “ليندركينج” الرغبة في اختبار نهج مختلف لحل النزاع في ضوء مسار دبلوماسي متجدد.
وأشادت بعض وسائل الإعلام السعودية بتعيين “جروندبرج”، ودعت إلى أن يكون للأمم المتحدة دور أقوى في اليمن. وذهب مساعد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي للشؤون السياسية والمفاوضات إلى أبعد من ذلك، فكتب في صحيفة “عرب نيوز” أن “الأمم المتحدة يجب أن تنظر بجدية في إنشاء بعثة سلام في اليمن”، والتي تبدأ “بمراقبين لوقف إطلاق النار”، وأنه “يجب أن تمتد إلى حفظ السلام وبناء السلام”.
ويؤكد هذا الاقتراح إلى أي مدى أصبح الصراع اليمني لغزا لا يمكن حله للسعودية، بالرغم من تدخلها العسكري منذ أكثر من 6 أعوام.
الدبلوماسية الإقليمية والوساطة العمانية
وكثفت عُمان جهودها الدبلوماسية العامة تجاه اليمن في إطار تحالف محكم مع السعودية. وتحسنت علاقات السلطنة مع الرياض مقارنة بالأعوام الأخيرة التي كانت في عهد السلطان “قابوس”، مع مراعاة أمر الميزانية.
وخلال زيارة المملكة، التقى السلطان “هيثم” بكل من الملك “سلمان” وولي العهد “محمد بن سلمان” في نيوم، وكان اليمن على رأس المناقشات الإقليمية. كما اتفق القادة على إنشاء مجلس تنسيق سعودي عماني لتعميق التعاون متعدد المواضيع بين البلدين.
ويبدو أن المزاج قد تغير بالنسبة لمحور الرياض-مسقط، ومن شأن هذا أن يساعد في الحد من التوترات الثنائية حول “المهرة”. وفي الواقع، أيدت السعودية جهود الوساطة المتزايدة من قبل السلطنة. ولا يقتصر الأمر على أن العمانيين لديهم علاقات جيدة مع الحوثيين، بل تدعم وساطتهم أيضا بشكل غير مباشر الحكومة اليمنية المعترف بها، الأمر الذي يتماشى مع المصالح السعودية.
وفي يونيو/حزيران 2021، قام وفد يمني برئاسة وزير الخارجية “أحمد عوض بن مبارك” بزيارة مسقط لإجراء محادثات دبلوماسية. وباختيار “دبلوماسية علنية” غير عادية، زار وفد عماني أيضا صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، للقاء كبار قادة الحوثيين؛ حيث رافق الوفد المتحدث باسم الحركة الحوثية، “محمد عبدالسلام”، المقيم في مسقط.
من أوبك إلى عدن.. ما تأثير التنافس السعودي الإماراتي؟
ويمكن للخلافات المتزايدة حول النفط والاقتصاد السياسي بين السعودية والإمارات أن تزيد من إشعال عدن ومناطق جنوب اليمن. ولأول مرة، ينتقد المعلقون السعوديون المؤثرون الدور الإماراتي في اليمن، مؤكدين أن أبوظبي تعيق تنفيذ “اتفاقية الرياض”.
وفي الواقع، لا يزال يتعين على الحكومة المعترف بها والمدعومة من السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات تنفيذ الملحق الأمني للاتفاق.
وفي غضون ذلك، في يونيو/حزيران، استضافت المملكة محادثات بين الأطراف اليمنية مرة أخرى؛ في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة. لكن الجماعات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي لا تزال تقوم بدوريات في عدن، وتسيطر على العديد من المباني الحكومية مع اندلاع اشتباكات متقطعة.
ومنذ أواخر مايو/أيار 2021، أرسل الطرفان قوات ومدرعات بالقرب من بلدة شقرة الساحلية في محافظة أبين. وفي يونيو/حزيران، أدت الخلافات السياسية والعسكرية التي لا تنتهي إلى تفاقم أوضاع الحكم المحلي؛ حيث اندلعت احتجاجات جديدة في عدن بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي عطل توزيع المياه وإمدادات المساعدات والخدمات الطبية.
ومع مرور الوقت، تحولت الانقسامات الإقليمية، وحتى في المناطق والمدن الجنوبية، إلى واقع، ما ضيَّق احتمالات المصالحة الدائمة بين القوات اليمنية الموالية للسعودية والموالية للإمارات.
الحوثيون وإيران يريدان التفرغ
وفي هذا الإطار المتطور، يريد كل من الحوثيين وإيران أخذ كامل الوقت قبل خوض مفاوضات ملموسة؛ لأسباب مختلفة. وفي الأسابيع الأخيرة، حقق الجيش اليمني ورجال القبائل المحلية والجماعات المسلحة المساعدة بعض التقدم الإقليمي في مواجهة الحوثيين في ساحة معركة وسط البيضاء باتجاه الجنوب. كما استعاد الجيش، بدعم من القبائل المحلية، منطقة استراتيجية في مأرب تربط المحافظة بصنعاء.
لكن الحوثيين ما زالوا يقاتلون للاستيلاء على مأرب؛ فالنصر سيغير قواعد اللعبة وتوازناتها العسكرية. ولهذا السبب ليس من المرجح أن يوقع الحوثيون على وقف إطلاق نار وطني طالما لا تزال معركة مأرب مطروحة على الطاولة.
وطالب الرئيس الإيراني الجديد “إبراهيم رئيسي”، في أحد تصريحاته الأولى، السعودية بوقف التدخل العسكري في اليمن. وبغض النظر عن الإعلانات التقليدية، تحتاج إيران إلى وقت للتحضير للانتقال الرئاسي من “حسن روحاني” إلى “رئيسي”؛ حيث لا تعد إيران ملزمة باستئناف المحادثات الدبلوماسية لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة في فيينا قبل منتصف أغسطس/آب.
علاوة على ذلك، لا يمكن المبالغة في تصور نفوذ طهران على قرارات الحوثيين السياسية، حيث أظهر الحوثيون في كثير من الأحيان أنهم لاعب مستقل تماما.
وربما تساعد بداية منعطف دبلوماسي دولي جديد، إلى جانب العلاقات المعدلة داخل مجلس التعاون الخليجي، السعودية على القيام بدور أقوى فيما يتعلق باليمن. ومع ذلك، هناك نقطة واحدة لا يمكن للرياض تفويتها؛ وهي أنه في هذه المرحلة، لا يمكن لاتفاقية سلام أن تنكر وجود دولة يحكمها الحوثيون بحكم الأمر الواقع، وهو أمر يجب على السعوديين أن يتعلموا كيفية التعامل معه بدلا من إنكاره.