تقرير خاص
استعرضنا في الجزء الأول من التقرير طبيعة العلاقة بين السعودية ودول الخليج، ومستقبل تلك العلاقات في ظل وجود “ابن سلمان” في الحكم في المملكة، وعدم وضوح الرؤية التي تكتنف سياسة “ابن سلمان”، وفيما يلي سنحاول استعراض أهم أوجه العلاقة بين السعودية وأهم دول في المنطقة العربية – الإفريقية.
العلاقات السعودية – المصرية:
لا شك أن العلاقات بين البلدين شهدت تطورا رهيبا منذ اشتراك المملكة في تمويل انقلاب 2013، والذي أدى لخلع أول رئيس إسلامي مدني في مصر؛ الدكتور “محمد مرسي”، ولكن الوضع الرسمي شيء والشعور الشعبي شيء آخر.
ففي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الرسمية ازدهارا ونموا، يجد المصري نفسه أمام مشهد الرئيس المصري الحالي؛ الجنرال “عبد الفتاح السيسي”، وهو يصعد بنفسه إلى طائرة الملك الراحل “عبدالله”، لاستقباله!
كذلك يجد المواطن المصري نفسه أمام تعنت رسمي سعودي معه في ظروف الإقامة في المملكة، ومعاملة مهينة من النظام السعودي للمصريين، سواء مقيمين أو حتى زائرين حجاج أو عمار لبيت الله الحرام.
وحتى العلاقات الرسمية شهدت مؤخرًا حالة من التوتر بسبب التباين الواضح في وجهات النظر بين الدولتين اتجاه بعض القضايا المهمة في المنطقة؛ فرغن اشتراك مصر في مقاطعة قطر إلا أن موقف النظام المصري من العلاقة مع إيران تقلق السعودية، فمصر ترى أن إيران عامل مهم في المنطقة لابد من إيجاد سبل للتعاون معه، وهو ما ترفضه السعودية.
وقد أثر ذلك على المشاركة المصرية في التحالف العربي في اليمن؛ والذي اقتصر على مشاركة بعض القطع البحرية الحربية المصرية لتأمين مضيق باب المندب والبحر الأحمر، بعد أن كان متوقعًا من “السيسي” أن يقدم الدعم العسكري اللازم ضد الحوثيين، وهو ما لم يتم؛ مما أزعج الجانب السعودي وقلل من حجم المعونات المالية المقدمة للسيسي، وهو ما أثر تاثيرًا كبيرًا على مسار العلاقات بين البلدين.
ورغم ذلك نستطيع القول أن مستقبل العلاقات مع مصر سيستمر لتلاقي كثير من خطوط التماس بين سياسات البلدين، ومن ضمنها وأهمها الآن المسار الليبي الذي يتفق في الطرفان على دعم “حفتر”، ومنع التواجد العسكري التركي في ليبيا.
العلاقات السعودية – الليبية:
من قبل الإطاحة بالقذافي شهدت العلاقة بين البلدين حالة من التوتر؛ خصوصًا عقب تورط “القذافي” في محاولة اغتيال ولي العهد السعودي في 2005، الأمير “عبدالله بن عبد العزيز”، وحتى بعد قيام الثورة الليبية انضمت السعودية لمعسكر الرفض للربيع العربي، مما أثر على العلاقة بين البلدين، وذلك لعدم احترام المملكة للرغبة الشعبية الليبية ووقوفها في صف الصورة المضادة.
ثم يأتي ظهور “حفتر” على الساحة الليبية كنقطة تحول في العلاقات بين البلدين، حيث أغدقت عليه كل من السعودية والإمارات الأموال والأسلحة في محاولة منهما لإيجاد موطئ قدم له في ليبيا.
وقد أدى ذلك لنشوب خلافات معلنة وصريحة ين النظام السعودي، وحكومة الوفاق الليبية في طرابلس المعترف بها دوليًا، وزاد الخلاف وضوحًا الاتفاقية التي أبرمتها حكومة الوفاق مع تركيا للتعاون العسكري، والذي أقلق السعودية وجعلها تتدخل بشكل صريح.
ففي بيان شديد اللهجة أوردته وكالة الأنباء السعودية “واس” أوائل هذا الشهر، أعربت المملكة العربية السعودية عن رفضها وإدانتها للتصعيد التركي الأخير في الشأن الليبي، كما نددت المملكة بموافقة البرلمان التركي على إرسال قوات عسكرية إلى ليبيا.
وأضافت الخارجية السعودية أن المملكة تعتبر ذلك انتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الصادرة بشأن ليبيا وتقويضاً للجهود الأممية الرامية لحل الأزمة الليبية ومخالفة للموقف العربي الذي تبناه مجلس جامعة الدول العربية بتاريخ 31 ديسمبر الماضي.
وأكدت المملكة أن “هذا التصعيد التركي يشكل تهديداً للأمن والاستقرار في ليبيا وتهديداً للأمن العربي والأمن الإقليمي، كونه تدخلاً في الشأن الداخلي لدولة عربية في مخالفة سافرة للمبادئ والمواثيق الدولية”.
لذا فمن المرجح أن تزداد العلاقات بين البلدين توترًا في الفترة القادمة، تحديدًا مع الإصرار التركي على حماية حكومة الوفاق، ومنع تأثير المال السعودي – الإماراتي في السياسة الداخلية الليبية.
العلاقات السعودية – التونسية:
بالطبع نتيجة لاختيار السعودية الاصطفاف ضمن الفريق الرافض للربيع العربي، فتشهد العلاقات بين البلدين نوع من الصراع المكتوم، وسط رغبة تونسية في وقف أي تدخل للمال الخليجي عمومًا؛ والمال السعودي – الإمارتي تحديدًا في شئونها الداخلية.
وقد ظهر ذلك في تصريحات لرموز تونسيين من أطياف سياسية متعددة رفضهم التدخل الخليجي في الشأن الداخلي التونسي، وإن كانت العلاقات على المستوى الرسمي تسير بشكل هادئ وفي مشارها الطبيعي.
لذا فمن المرجح أن يظل هناك تخوف تونسي من أي تدخل سعودي في سياستها، مع الإبقاء على الشكل الحالي للعلاقات بين البلدين كما هو دون تعميق، خصوصًا ان الاختلاف واضح في طريقة تعامل كلا البلدين مع القضايا الكبرى بالمنطقة.
العلاقات السعودية – المغربية:
في فبراير 2019؛ نشرت وكالة “رويترز” تقرير حول سحب المملكة المغربية لسفيرها من السعودية، وعلى الرغم من أنّ وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة نكر رسمياً التقارير، عزّز الارتباكُ المحيط بهذه المسألة النظرةَ بأنّ العلاقات المغربية السعودية بلغت الحضيض.
وسبب أنتشار خبر سحب السفير المغربي من الرياض هو بث قناة العربية الإخبارية المؤيّدة للسعودية فيلماً وثائقياً يشكّك في سيادة المغرب على الصحراء الغربية. إذ تهدّد خطوةٌ من هذا النوع أولى أولويّات سياسة الرباط الخارجية، ألا وهي الاعتراف بسيطرة المغرب على تلك الأرض المُتنازَع عليها.
كما يعكس هذا الخلافُ هاجسَ الرباط إزاء سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان العدائية في أنحاء المنطقة. ويُظهر أيضاً رغبتها في التأكيد على الاستقلال وعلى الحفاظ على علاقات قوية مع أكبر قدر ممكن من الجهات الفاعلة في سعيها إلى تعزيز الدعم لموقفها في الخلاف على الصحراء الغربية وإلى النأي بنفسها عن الانقسامات الخليجية، بحسب تقرير نشره معهد “بروكينجز”.
ويبدو للمراقب أن سر الفتور في العلاقات بين البلدين بدأ منذ أن اتخذت المغرب قرار بأن تكون حيادية في الأزمة الخليجية، ولا تجنح لطرف على حساب الآخر حفاظًا على مصالحها مع دول الخليج كافة، والتي تربطها وإياهم علاقات اقتصادية قوية، خصوصًا بعد زيادة الدول الخليجية لاستثماراتها في المغرب في محاولة منها لتدعيم الوضع الاقتصادي للمملكة أمام موجات الربيع العربي التي ضربت المغرب؛ وهو ما نجحت المغرب في تفاديه.
وقد دفع ذلك إلى توتر العلاقات بين البلدين، فالمغرب تريد استقلالية في اتخاذ القرار، والسعودية لا تريد سوى اتباع سياسيتها مقابل الدعم المالي وهو ما رفضته المغرب، ووقد ظهر ذلك في إعلان وزير الخارجية المغربي “بوريطة” في بداية 2019، أنّ المغرب يعيد تقييم مشاركته في حرب اليمن، مسلّطاً الضوء على الوضع الإنساني، وليس ذلك فقط ولكن أن يخرج هذا الإعلان من قلب قناة “الجزيرة” التي تعادي السعودية معاداة شديدة.
ثمّ برزت تقارير بعد أسبوعَين بأنّ المغرب أنهى مشاركته في التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية. ولعلّ هذا الإعلان أحبط السعوديين (وليس لأنّه نوقش على قناة الجزيرة في قطر فحسب)، لكن لم يكن من المفترض به أن يفاجئهم. ففيما كان المغرب من أولى الدول التي دعمت التحالف بقيادة سعودية في العام 2015، خفّف تدريجياً من دعمه العسكري مع استمرار الحرب.
وحول مستقبل العلاقة بين البلدين؛ فصحيح أنّ التوتّرات السعودية المغربية الحالية غير اعتيادية، غير أنّه من المستبعد أن تعني تحوّلاً كبيراً في السياسة الخارجية المغربية.
ففيما كانت بين الأنظمة الملكية العربية اختلافاتٌ على مدى السنين، ولا تزال الاختلافات قائمة، هَبَّ كلٌّ منها لنجدة الآخر في نهاية المطاف عندما دعت الحاجة، مع إدراكها أنّ سقوط نظام مَلكي عربي واحد سيشكّل سابقة إقليمية خطيرة في العصر الحديث (كانت آخر الأنظمة الملكية العربية التي سقطت مصرَ في العام 1953 والعراق في العام 1958 وليبيا في العام 1969).
ويأتي كلّ من دعوة مجلس التعاون الخليجي المزاجية للمغرب والأردن إلى الانضمام إلى المجموعة في خضمّ الربيع العربي، والدعم العسكري السعودي للبحرين في خلال ثورته في العام 2011، والدعم الاقتصادي السعودي والإماراتي والكويتي لتحدّيات الأردن الاقتصادية ليؤكّد على أنّ الأنظمة الملكية العربية تتكاتف مع بعضها في نهاية المطاف. لكن في غضون ذلك، علينا أن نتوقّع استمراراً في الفتور في العلاقات المغربية السعودية.
العلاقات السعودية – السودانية:
شهدت العلاقات بين البلدين في عهد المخلوع “البشير” نوعًا من التوتر المكتوم، فرغم مشاركة الجيش السوداني في التحالف العربي بقيادة المملكة باليمن بأعداد كبيرة – تعد هي النسبة الأكبر من حيث عدد الجنود -، إلا أن ميل “البشير” لجانب الإسلام السياسي، ودعمه لحركة “الإخوان المسلمين”، كان عامل قلق بالنسبة للسعودية.
وقد حسم هذا الميل اختيار المملكة لجانب الإطاحة بالبشير عقب الاحتجاجات التي اندلعت هناك، وظهر ذلك من خلال الإغداق المالي السعودي على المجلس العسكري السوداني وكذلك على الحكومة الحالية، في محاولة لاستمالتهم للجانب الرافض للإسلام السياسي، وهو ما جاء على هوى الطرف السوداني سواء المجلس العسكري، أو الحكومة الحالية والتي تنتهج منهج مغاير للطبيعة السياسية التي كانت قائمة أيام “البشير”، وكانت تعتمد على حركات الإسلام السياسي.
لذا فمن المتوقع أن يشهد مستقبل العلاقات بين البلدين نوعًا من التطور، وطس تخوف سوداني من ازدياد النفوذ السعودي والتدخل في الشأن الداخلي مقابل الدعم المالي الذي تحتاجه الحكومة السودانية الحالية للمرور من الضوائق المالية التي تعيشها الآن.
العلاقات السعودية – الصومالية:
رغم الحرب الإعلامية التي شنها مغردون وكُتاب وصحفيون سعوديون ضد حكومة الصومال، وذلك بعد أن رفضت الأخيرة إدانة عملية “نبع السلام” العسكرية التركية في الشمال السوري، إلا أن العلاقات بين البلدين لا يمكن أن تتغير بشكل جذري، وذلك لاعتماد الحكومة الصومالية على المال السعودي والمعونات في تسيير أمور الحياة بالبلاد.
كما أن السعودية تعمل على مسك العصا من المنتصف، خوفًا من أن تنحاز الصومال للجانب القطري، والذي سيعوضها بالتأكيد عن المال السعودي.
لذا فمن المتوقع أن يشهد مستقبل العلاقة بين البلدين نوعًا من الاستقرار النسبي، خصوصًا مع رغبة “ابن سلمان” في وقف المد القطري – التركي في القارة الإفريقية، وهو ما يستلزم الإبقاء على العلاقات الودية بين البلدين.