تقرير خاص:
جاء إعتلاء “ابن سلمان” لمقعد ولاية العهد في المملكة العربية السعودية، في يونيه 2017، كنقطة محورية في تاريخ العلاقات السعودية مع الكيان الصهيوني، فقد جاء ولي العهد الشاب برؤية تحمل انفتاحًا إيجابيًا تجاه الكيان الذي كان دومًا يصنف في خانة الأعداء.
فمنذ تولي “ابن سلمان” والرحلات المكوكية السرية بين مسئولين عسكريين ومدنيين زادت بين البلدين، كما قلّت حدة التصريحات المتبادلة بين مسئولي البلدين، مع تأكيد ولي العهد في مقابلته مع مجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية، إبريل 2019، بأن للإسرائيليين كما للفلسطينيين “الحق” في أن تكون لهم أرضهم، كما أنه ليس هناك أي “اعتراض ديني” على وجود دولة إسرائيل!
وللإعلام دور مهم في التمهيد للتطبيع بين البلدين، وقد ركز النظام السعودي على استخدام الإعلام في خطته لإيجاد قبول شعبي بين السعوديين نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، مستخدمًا عدة وسائل لتنفيذ تلك الخطة ومنها:
زيارات إعلامية متبادلة (علنية):
بعد أن كانت تتم تلك الزيارات لإعلاميين سعوديين للكيان الصهيوني بشكل سري، أصبحت الآن معلنة سواء من الجانب الصهيوني، أو الإعلاميين السعوديين أنفسهم الذين يقومون بتلك الزيارات، وحتى من لم يزر منهم الكيان قاموا بالدعوة للتطبيع معه من خلال كتاباتهم ولقاءاتهم التليفزيونية في موافقة ضمنية من “ابن سلمان” على ما يقولون.
ومن أبرز أولئك الكتاب؛ الكاتب في صحيفة “الجزيرة” السعودية أحمد الفراج، الذي قال: “لك العتبى يا نتنياهو حتى ترضى”، فيما اعتبر الكاتب والروائي “تركي الحمد” قضية القدس أصبحت شرعية مزيفة قائلاً: “لم تعد القدس هي القضية.. أصبحت شرعية مزيفة لتحركات البعض”.
وكذلك الكاتب والمحلل الاقتصادي “حمزة محمد السالم”، الذي غرد قائلاً: “إذا عقد السلام مع إسرائيل فستصبح المحطة الأولى للسياحة السعودية”.
بينما صرح الكاتب “سعود الفوزان”: “لست محاميًا عن اليهود، لكن أعطوني يهوديا واحدا قتل سعودي وأعطيكم ألف سعودي قتل أبناء جلدته بالحزام الناسف”! في حين قال الإعلامي “أحمد العرفج”: “أنا لا أحمل لليهود أي كره، ولا أشعر بأي تعاطف مع الفلسطينيين”!
وكذلك الزيارة التي قام بها وفد إعلامي عربي للكيان الصهيوني، وأعلن عنها حساب “إسرائيل بالعربية” على تويتر، والزيارات المتبادلة التي تمت بين المدون المطبع “محمد سعود”، ومغردون وناشطون يهود خلال موسم الرياض الترفيهي الأخير.
إعلام التطبيع:
بدأت دعوات التطبيع عبر الإعلام السعودي رسميًا، بإجراء موقع “إيلاف” السعودي الإلكتروني حوارا مع رئيس الاركان الصهيوني الجنرال غادي إيزنكوت، في أول واقعة تطبيع علنية صريحة من وسيلة إعلام سعودية مع إسرائيل، عقب تولية “ابن سلمان” ولاية العهد بأشهر قليلة، في نوفمبر 2017.
وأعلن “إيزنكوت” في الحوار أن بلاده على استعداد لتبادل المعلومات مع السعودية لمواجهة إيران، مشيرًا إلى أن “هناك الكثير من المصالح المشتركة بيننا وبينهم”!
وأضاف رئيس الأركان الصهيوني أن “هناك توافقا تاما بين إسرائيل وبين المملكة العربية السعودية والتي لم تكن يومًا من الايام عدوة أو قاتلتنا أو قاتلناها، وأعتقد أن هناك توافقًا تامًا بيننا وبينهم بما يتعلق بالمحور الإيراني، فأنا كنت في لقاء رؤساء الأركان في واشنطن وعندما سمعت ما قاله المندوب السعودي وجدت أنه مطابق تمامًا لما أفكر به بما يتعلق بإيران وضرورة مواجهتها في المنطقة وضرورة إيقاف برامجها التوسعية.”
تلى ذلك، في منتصف نوفمبر الماضي؛ أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها ستعرض فيلمًا لمخرجة سعودية، في افتتاح مهرجان خاص بأفلام المرأة، والذي نظمته في شهر ديسمبر الماضي في مدينة القدس المحتلة، سبق ذلك كشفها عن عزف النشيد الوطني لدولة الاحتلال في العاصمة الإماراتية أبوظبي بعد فوز أحد لاعبيها بميدالية.
ونقلت شبكة “سي إن إن” عربية عن موقع إسرائيلي (لم تسمه) نسب إلى مخرجة الفيلم، هيفاء المنصور، تصريحات بأنها لا تمانع العمل مع مخرجين إسرائيليين، وهو الأمر الذي أثار ضجة في يوليو عام 2018، ولكن سرعان ما نفت المنصور تلك التصريحات، قائلة إنها “تعمل فقط مع الدول المسموح بها بشكل رسمي”.
التطبيع الدرامي وقناة MBC:
أعلنت قناة MBC السعودية؛ والتي عُرفت خلال السنوات القليلة الماضية بإذاعة مسلسلات مثيرة للجدل اجتماعيًا في دول الخليج عامة والسعودية خاصة، أنها سوف تقوم بإذاعة مسلسل باسم “أم هارون” في رمضان القادم، وهو قصة امرأة يهودية عاشت في الكويت أو البحرين (لم يعرف حتى الآن) أو منطقة خليجية أخرى خلال فترة زمنية محددة (يرجح أنها في الثلاثينيات)، ويحمل بُعداً فانتازياً في قالب من الأحداث المتشابكة والحبكة الدرامية التي تحمل رسائل مبطنة عن اليهود ومعاناتهم.
وبحسب المقطع الترويجي للمسلسل الذي بثته القناة، فتحكي أحداث المسلسل عن قصص حب بين مسلمين ويهود، وحاخامات يرتدون ثيابًا يهودية، وطرق التعبد في ديانتهم، بالإضافة إلى شرارة الصراع بين اليهود وفئات المجتمع التي يغلب عليها المسلمون.
ويعتمد المسلسل على تنويع أدوار البطولة بين فنانيين من عدة دول خليجية، أغلبهم من الكويت التي تتخذ حكومتها اتجاه متشدد ضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، وسط تأكيدات من مصادر كويتية مطلعة بأن الحكومة الكويتية رفضت عرض هذ المسلسل على محطاتها في البلاد.
ولا يزال قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني يمضي كل يوم من محطة إلى آخرى، معتمدًا على سحر الإعلام ستارًا ووسيلة للوصول لكل بيت في المملكة، وسط موافقة ضمنية من النظام السعودي؛ وعلى رأسه “ابن سلمان”، لتلك الخطوة الغير مقبولة مجتمعيًا حتى الآن من الشعب السعودي، فهل سينجح النظام السعودي و”ابن سلمان” وإعلامه في خطته لترويج قبول فكرة التطبيع مع الصهاينة أم سيفشل؟ سيجيب الشعب السعودي وحده عن ذلك السؤال!