جاء إعلان النيابة العامة التركية بإسطنبول، في 25 مارس الماضي، عن لائحة اتهام، طالبت فيها بالسجن المؤبد المشدد بحق 20 شخصًا بتهمة ضلوعهم بجريمة مقتل الصحفي السعودي المقتول غدرًا، جمال خاشقجي، كحج كبير ألقي في مياة القضية الراكدة.
ولم تكتف النيابة التركية بذلك بل قامت بإرسال اللائحة إلى محكمة العقوبات المشددة الـ11 في إسطنبول، والتي وافقت عليها، وبدأت في محاكمة المتهمين غيابيًا، في الجمعة الموافق 3 يوليه، وذلك لتعذر القبض عليهم وإحضارهم للمحكمة لمحاكمتهم حضوريًا.
– لائحة الاتهام:
جاء في لائحة الاتهام التي أرسلتها النيابة التركية بإسطنبول للمحكمة، والمكونة من 117 صفحة، المطالبة بالحكم المؤبد بحق “أحمد بن محمد العسيري” و”سعود القحطاني”، بتهمة “التحریض على القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي”، والمؤبد بحق الـ 18 الآخرين بتهمة :”القتل مع سبق الإصرار والترصد والتعذيب بشكل وحشي”.
وأشارت اللائحة إلى أن “العسيري”، و”القحطاني” خططا لعملية القتل، وأمرا فريق الجريمة بتنفيذ المهمة.
وأضافت النيابة أنه تم خلال التحقيقات، مراجعة المكالمات الهاتفية للضالعين في مقتل “خاشقجي”، وكافة تحركاتهم داخل الأراضي التركية.
وأكدت أنها أعدت لائحة الاتهام، بعد الاستماع لكافة الأطراف، والاطلاع على المكالمات الهاتفية وكاميرات المراقبة، وسير التحقيقات في المحاكم السعودية وجمع كافة الأدلة حول الجريمة.
كما لفتت النيابة التركية إلى إصدار مذكرة بحث حمراء بحق الأشخاص الـ20، وأنه تم إبلاغ الشرطة الدولية (الإنتربول) والسلطات السعودية بطلب تسليمهم إلى تركيا، وهو ما لم يتم حتى الآن.
وألغت تركيا عقوبة الإعدام كليًا عام 2004، وحل محلها السجن المؤبد ليكون أشد عقوبة في قانون العقوبات التركي.
– توقعات سير المحكمة:
في أول جلسة من المحكمة والتي تمت الجمعة، فقد أجّلت محكمة العقوبات المشددة في مدينة إسطنبول التركية، أولى الجلسات الغيابية لـ20 متهمًا سعوديًا بقتل مواطنهم الصحفي “جمال خاشقجي”، داخل قنصلية بلاده عام 2018، إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وأمرت المحكمة، بالإبقاء على مذكرات الجلب الدولية، وإحضار المتهمين الغائبين للمحاكمة بـ”القوة”.
حضر الجلسة خطيبة “خاشقجي” التركية “خديجة جنكيز” بصفة “المشتكي”، ومحاميها، فيما تغيب المتهمون الصادرة بحقهم مذكرة إلقاء القبض.
كما حضرت الجلسة “أنييس كالامار”، المحققة الأممية، وقالت “كالامار” في تصريحات لقناة “الجزيرة” القطرية، “نرى أن هذه المحاكمة جزء من السياق الذي يقربنا للحقيقة ويمكن أن تساعد لمحاكمات خارج تركيا”.
وشددت “كالامار” على أن الجلسة لم تشهد الإشارة إلى ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان”، إلا أن ذلك سيتم في المراحل المقبلة.
وتابعت “سنواصل العمل من أجل إيصال رسالة للسعودية وللجميع بأنه لا يمكنكم قتل الصحفيين ومن ثم المضي قدمًا، ودعونا لا ننسى أن هذه هي عملية إعدام نفذتها دولة”.
وأشارت إلى أن “الجهة الوحيدة التي قالت إنها تملك أدلة على مسؤولية محمد بن سلمان بمقتل خاشقجي هي CIA”، مؤكدة “أتوقع أن يكون هناك ذكر لأسماء إضافية في قضية خاشقجي وربما يكون بينها اسم محمد بن سلمان”.·
وأوضحت أن “المحاكمة في السعودية ركزت على منفذي عملية القتل ولم تتطرق لأدوار القيادة على مستوى أعلى”.
وأضافت “هناك فرق كبير بين المحاكمة التي جرت في إسطنبول وتلك التي جرت في السعودية”.
وقالت “كانت هناك معلومات جديدة كشف عنها اليوم في جلسة محاكمة المتهمين في قتل خاشقجي”.
من جانبها، وجهت خطيبة “خاشقجي”، خديجة جنكيز، الشكر إلى “كالامار” على دعمها. وأكدت “جنكيز” في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية أنها ستحضر محاكمة قتلة خاشقجي المقرر أن تبدأ في تركيا الجمعة 3 يوليو/ تموز، لمعاقبة القتلة.
ومن خلال تصريحات المحققة الأممية، نجد أنفسنا أمام محكمة لا سقف لها، في ظل الاستقلال الذي يتمتع به القضاء التركي، فمن الممكن أن تكون تلك المحكمة بداية جديدة نحو الوصول إلى العدالة في تلك القضية التي افتقرت منذ بداية أحداثها إلى النزاهة والشفافية.
كما أنها قد تكون وسيلة نحو تدويل القضية، وفرض إرادة دولية على المملكة العربية السعودية للتعاطي مع الوضع القائم، وتقديم المسئوليين الحقيقيين عن تلك الجريمة البشعة، وسط مخاوف حقوقية من عدم تحقق ذلك نتيجة للضغوط السياسية والموائمات، وهذا ما ستحدده الأيام والخطوات القادمة في تلك المحكمة.