خاص: شهدت الساحة الشرق أوسطية السياسية تفاعلات مثيرة ومريبة في الوقت ذاته في الآونة الأخيرة، كانت بطلتها المملكة العربية السعودية، التي أعلنت عن خطوات رأى العديد من المراقبين أنها خطوات مفاجئة وسريعة، بل إن البعض وصفها بالمتخبطة، فبعد الإعلان عن عودة العلاقات السعودية – الإيرانية، أعلنت الخارجية السعودية عن عودة العلاقات الدبلوماسية على المستوى القنصلي مع نظام الأسد في سوريا عقب عيد الفطر المبارك القادم.

كذلك الوضع على الجانب اليمني ذهب إلى التهدئة وتبادل الأسرى، وكذلك تداول الاجتماعات من أجل الوصول لحل سلمي للمشكلة اليمنية، بعد سنوات من التأزم على يد الحوثيين بعد أن تأكد لهم الدعم الإيراني وفشل السعودية في الحصول على دعم عسكري يوقف التمدد الحوثي داخل المملكة.

 

– سياسة تصفير المشكلات:

“بناء علاقات إقليمية تقوم على الاحترام المتبادل، والحوار، والتعاون الاقتصادي، وحلّ الخلافات بالطرق السلمية، واستيعاب التنوع العرقي والديني..” هذا هو ملخص النظرية الإستراتيجية التي طرحها أحمد داود أوغلو، في كتابه “العمق الإستراتيجي”، الصادر العام 2001، والتي عرفت باسم “تصفير المشكلات”. وذلك قبل أن يضعها في التطبيق، مع تولّيه منصب مستشار رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان العام 2003.

تلك السياسة التي اتبعها “أردوغان” من بعد “أوغلو” وينفذها الآن مع مصر والسعودية والإمارات، هي السياسة التي يرى مراقبون للشأن السعودي أن ولي العهد السعودي “ابن سلمان” يحاول تنفيذها من أجل الخروج من العديد من المأزق التي وضع المملكة فيها بسبب أرائه وسياسته التي ثبت فشلها على أرض الواقع، سواء في اليمن أو في طريقة التعامل مع إيران، وحتى في التعامل مع الحلفاء مثل الولايات المتحدة والإمارات، وحتى مصر التي بدأ رئيسها “السيسي” التمرد على القيد السعودي الذي فرض عليه بسبب اعتماد ميزانية مصر على مليارات الخليج، وفي مقدمتها السعودية.

 

– حرب اليمن:

رأى مختصون في شؤون الشرق الأوسط، أن حدوث تقارب فعلي بين السعودية وإيران في الأسابيع المقبلة، ستكون له لا محالة تداعيات على الوضع في اليمن، حيث للقوتين الإقليميتين ثقل خاص في الحرب الجارية في هذا البلد منذ ثماني سنوات. وقد يكون تبادل الأسرى والبعض من الاعتدال في سياسة الطرفين باليمن على جدول الأعمال. تحليل:

وعلى الفور، رحب المعسكران اليمنيان بسرعة بإعلان ذوبان الجليد في العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الشيعية والمملكة البترولية الوهابية، وعبرت السلطات في اليمن عن أملها في أن استئناف العلاقات بين البلدين، سيسمح “بفتح عهد جديد في العلاقات الإقليمية، وسيضع حدا لتدخل إيران في الشؤون اليمنية”. من جهته، أكد محمد عبد السلام المتحدث باسم الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء في مطلع 2015، أن “المنطقة كانت بحاجة للعودة إلى تطبيع للعلاقات”.

كذلك انطلقت في جنيف السبت، المحادثات بين الحكومة اليمنية والحوثيين حول تبادل الأسرى. فهل كانت مجرد صدفة أم جاءت نتيجة الآثار الأولية لتحسن العلاقات بين السعودية وإيران؟ لاسيما وأنها نظمت عقب اتفاق بكين بين الرياض وطهران.

والمحادثات المنعقدة تحت إشراف الأمم المتحدة، هي السابعة من نوعها بين الجانبين والتي ستدوم 11 يوما، وترمي إلى تنفيذ اتفاق حول تبادل الأسرى، كان طرفا النزاع باليمن قد توصلا إليه في استوكهولم قبل خمس سنوات.

وإن كانت التوافقات التي تمت بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي تبقى مجهولة، إلا أن التوصل لاتفاق بين طهران والرياض قد أعاد الدفء للعلاقات بين البلدين، ويظل الأمل في تحريك الملف اليمني قائما بفضل الحوار الإيراني السعودي، إلا أن تجسيد النوايا الحسنة للطرفين على أرض الواقع يبقى في الانتظار.

بينما اعتبر أحمد ناجي، كبير المحللين لشؤون اليمن في مركز أبحاث مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، أن التقارب قد يغير الحسابات الإقليمية حول اليمن، ولكن من غير المرجح أن يحل الصراع الداخلي بسرعة.

قال ناجي في تصريحات لموقع شبكة “سي.ان.ان” الأمريكية: “قد نشهد تغييرًا في العنصر الإقليمي للصراع، لكن قد تكون الأمور أكثر صعوبة على المستوى المحلي، لأن الصراع في الأساس محلي وليس إقليميا”.

كما أن بعض المحللين قالوا إن الانسحاب السريع للسعودية من البلاد يمكن أن يمكّن الحوثيين المدججين بالسلاح ويمنحهم حرية نشر نفوذهم دون عوائق.

وهو ما أكده طالب الحسني، محرر في قناة “المسيرة” الإخبارية التي يديرها الحوثيون والمقرب من الجماعة، أنه “إذا استمرت السعودية في انتظار اتفاق يمني يمني قبل مغادرتها، فإنها ستنتظر سنوات عديدة”. وأضاف لـCNN  أن الحوثيين “يركزون الآن على كيفية خروج المملكة العربية السعودية والإمارات من الصراع” وإعادة اليمن إلى الوضع الراهن قبل الحرب، عندما سيطروا على العاصمة.

وقال “الحسني” إنه بمجرد انسحاب التحالف، سيشهد اليمن إما “وساطة سريعة” بمساعدة طرف محايد، أو العودة إلى الحرب الأهلية. وأضاف أنه في كلتا الحالتين من المرجح أن يخرج الحوثيون منتصرين.

أي أن المحصلة باليمن في النهاية “غامضة”، وإذا كان “ابن سلمان” يسعى لمجرد إيجاد مخرج له من مستنقع اليمن، وأنه يرى في انسحاب القوات السعودية حل، فهو واهم، فترك بلد على مقربة من حدودك على شفا حرب أهلية وإغفال النظر على أثر ذلك على المملكة، هو دفن للرأس في الرمال كما تفعل النعام.

 

– عودة العلاقات مع “الأسد”

تثير تقارير مرتبطة بشأن اتفاق سعودي مع نظام بشار الأسد، على إعادة فتح السفارات بعد انقطاع للعلاقات الدبلوماسية دام أكثر من عقد، أسئلة كثيرة حول الأسباب التي تدعو الرياض إلى مثل هذا التطبيع الذي من شأنه أن يعيد سوريا إلى الحضن العربي، في غياب أي تقدم حقيقي نحو حل سياسي.

وقالت الخارجية السعودية، الخميس، لقناة الإخبارية إن هناك مباحثات بين الرياض ودمشق لاستئناف تقديم الخدمات القنصلية.

ونقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر مطلعة أن سوريا والسعودية اتفقتا على معاودة فتح سفارتيهما، بعيد عيد الفطر المقبل.

وجاء القرار نتيجة محادثات في السعودية مع مسؤول مخابرات سوري رفيع، بحسب أحد المصادر الإقليمية ودبلوماسي في الخليج.

ولكن رأى مراقبون أن ذلك الاتفاق مع نظام “الأسد” قد يعمل على زيادة توتر العلاقات بين السعودية وأهم حلفاءها التاريخيين، وهي الولايات المتحدة!

فقد ردت الخارجية الأمريكية على الخطوات السعودية تلك بتجديدها رفضها تطبيع العلاقات مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد، حيث نقلت قناة “الحرة” عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية قوله: “لن نطبع مع نظام الأسد، ولن نشجع الآخرين على التطبيع في غياب تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254”.

وأضاف المتحدث: “لقد كنا واضحين بشأن هذا الأمر مع شركائنا.. نواصل حث أي شخص يتعامل مع دمشق على التفكير بإخلاص وبشمولية في كيفية أن يساعد تواصله مع النظام على توفير احتياجات السوريين المحتاجين بغض النظر عن المكان الذي يعيشون فيه وفي تقريبنا من حل سياسي لهذا الصراع”.

واستطرد قائلا: “كانت تلك رسالتنا الثابتة لشركائنا في المنطقة”، مشددا أنه “في أي تعامل مع النظام السوري يجب أن وضع اتخاذ خطوات حقيقية لتحسين وضع الشعب في سوريا في المقدمة”.

وحث المتحدث شركاء الولايات المتحدة “على المطالبة بوصول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام ومستقل ويمكن التنبؤ به، بما في ذلك من خلال توسيع استخدام المعابر الحدودية”.

 

أي أنه في النهاية السياسة التي يتبعها “ابن سلمان” ليست سياسة “تصفير المشكلات”، ولكنها سياسة حل مشكلات بمزيد من المشكلات، وهي سياسة تنم عن حداثة “ابن سلمان” بعالم السياسة وضحالته في التعامل مع الأزمات!