خاص: تسببت نتائج انتخابات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في ردود فعل قوية عالميًا، خصوصًا بعد إخفاق المملكة العربية السعودية في الحصول على عضوية المجلس، رغم مليارات الدولارات التي أنفقها ولي عهدها، الأمير “محمد بن سلمان” من أجل تلميع صورته وصورة المملكة، بعدما لحقها من عار عقب جريمة قتل “خاشقجي”، والانتهاكات المتوالية لحقوق الإنسان في السعودية.
ويضم مجلس حقوق الإنسان خمس مجموعات إقليمية، وهي: الدول الإفريقية (13 دولة)، آسيا والمحيط الهادئ ( 13 دولة)، أوروبا الشرقية (6 دول)، أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (8 دول)، أوروبا الغربية (7 دول).
وتبدأ العضوية في المجلس في يناير/ كانون الثاني عام 2021، وتستمر فترة ولاية الأعضاء لمدة ثلاث سنوات، ولا يجوز إعادة انتخاب أي دولة في المجلس بعد ولايتين متتاليتين، ويتطلب الفوز بعضوية المجلس الحصول على ثلثي أصوات أعضاء الجمعية العامة (193 دولة).
وجاءت السعودية، الرئيس الحالي لمجموعة العشرين، في المركز الخامس بمجموع 90 صوت فقط، لتتقدم عليها نيبال (150 صوتاً) التي حصلت على المقعد الأخير المتبقي لدول آسيا والمحيط الهادئ.
ولتلك الخسارة التي منيت بها المملكة، دلالات مهمة دوليًا ومحليًا، من المهم التعرف عليها لتحديد الآليات التي سيتم التعامل وفقها في المرحلة القادمة للتعامل مع الملف الحقوقي في المملكة، ومن أهم تلك الدلالات:
اعتراف دولي بجسامة الانتهاكات الحقوقية بالمملكة:
فقد جاء ذلك التصويت العقابي ضد السعودية كنتيجة واقعية ومنطقية لحجم الانتهاكات الحقوقية المرصود في المملكة منذ تولي “ابن سلمان” الحكم، فبين حملات اعتقال، وتشوية، وقتل وتقطيع بالمناشير، وتهديد للمعارضين بالداخل والخارج، ذاع صيت “ابن سلمان” كالحاكم بأمره، يقول وعلى الجميع أن يطيع، لهذا جاء هذا التصويت العقابي.
ولا ننسى أن هذا التصويت جاء بعد اعتراضات متعددة من دول أوربية وعالمية للسجل الحقوقي السعودي، فقبل التصويت بعدة أيام، أعربت 29 دولة بالمجلس عن قلقها الشديد ازاء انتهاكات حقوق الانسان المتكررة في السعودية من تعذيب واعتقال تعسفي وإخفاء متعمد.
وتلا سفير الدنمارك في المجلس، كارستن ستور، بياناً وقعته البلدان الـ 29، ندد بـ”الاضطهاد، وعمليات الاعتقال والترهيب التي يتعرض لها أعضاء المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان، والصحفيون، والمعارضون السياسيون”، مشيرًا إلى أن هذا الأمر ينطبق أيضًا على حقوق النساء.
وجدد البيان الدعوة للإفراج عن جميع السجناء السياسيين في السعودية، معربًا عن القلق من استخدام النظام السعودي آليات أمنية بحق أفراد يمارسون حقوقهم بشكل سلمي، كما لفت البيان كذلك إلى اغتيال الصحفي “خاشقجي” الذي قتل وقطعت أعضاؤه في القنصلية السعودية في إسطنبول العام 2018، وطالب “بمعاقبة جميع المذنبين”.
دليل على فشل سياسة التلميع السعودي:
فالعالم كله يعرف حجم الإنفاق السعودي على تلميع صورة المملكة بالخارج، خصوصًا بعد قضية “خاشقجي”، وخسارة السعودية هذه تمثل نجاح كبير لمنظمات حقوق الإنسان الدولية والسعودية، فقد جاء هذا الرفض بعد حملة تزعمتها منظمة “هيومن رايتس ووتش”لمواجهة جهود السعودية لتلميع سجلها “الحقوقي المشين”.
وقالت المنظمة الدولية في بيانها، إن المملكة أنفقت مليارات الدولارات على استضافة الأحداث الترفيهية والثقافية والرياضية الكبرى “كاستراتيجية متعمدة لحرف الأنظار عن صورتها كدولة ترتكب انتهاكات متفشية”.
وتابعت “رايتس ووتش” بقولها: “لم يشهد العامان اللذان مضيا على قتل الصحفي جمال خاشقجي بشكل وحشي على يد عملاء سعوديين أي مساءلة لمسؤولين رفيعين متورطين في جريمة القتل”.
وأشارت المنظمة إلى أنه منذ ذلك الوقت بادرت حكومة ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” بقوّة إلى تنظيم وتمويل فعاليات رفيعة المستوى شارك فيها كبار الفنانين والمشاهير والرياضيين العالميين، ولديها خطط للمزيد.
دفعة قوية للحقوقيين السعوديين:
فلا شك أن هذه الخسارة هي رسالة من دول العالم لحكام المملكة، لقد زكمت رائحتكم الأنوف، وأنه لا بد من وقف كل تلك الانتهاكات، وهذه الخسارة ستعطي دفعة كبيرة لمنظمات حقوق الإنسان والحقوقيين السعوديين سواء بالخارج أو الداخل السعودي، من أجل أيجاد نقلة نوعية في العمل الحقوقي بالمملكة.
وأيضًا ربما تمثل تلك الخسارة عامل ضغط على حكام المملكة من أجل إيجاد حلول وسط في التعامل مع الملفات الحقوقية، وعلى رأسها ملف معتقلي ومعتقلات الرأي، مما قد يمثل انفراجة لتلك الملفات العالقة منذ قدوم “ابن سلمان” للحكم، وإن كان الكثيرون يرون أنه لا فائدة تذكر من وراء ذلك النظام الذي يترأسه “ابن سلمان” في المملكة، بينما يرى البعض أن هذا في حد ذاته قد يمثل نقطة ضغط على الطبقة الحاكمة في المملكة لسرعة التدخل والتعامل مع الأزمات التي تسبب فيها “ابن سلمان”.
المؤكد أن ما قبل خسارة النظام السعودي لتلك المعركة الحقوقية، لن يكون مثل ما بعدها، فالوضع الآن رهن التطورات في أي لحظة، والملفات العالقة كلها الآن صارت مفتوحة، فإما أن يعي النظام السعودي هذا الدرس الذي أخذه، أو فليستمر في غباءه متحملاً كافة التبعات التي ستلحق به جراء هذا التجاهل للملف الحقوقي بالمملكة، محليًا ودوليًا.