ثلاثة تطورات متعاقبة شهدتها العلاقات الأميركية السعودية خلال أبريل/نيسان 2022 يرجح أن تقرب المواجهة المرتقبة بين ولي العهد السعودي الحاكم الفعلي للمملكة محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي جو بايدن.
أولها سخرية قناة سعودية في صورة غير مسبوقة من خرف ونسيان بايدن عبر مقطع ساخر حقق ملايين المشاهدات حول العالم.
وثانيها مطالبة 30 عضوا من نواب الكونغرس الأميركي إدارة بايدن بمزيد من التشدد مع ابن سلمان، وثالثها، تقرير استخباري أميركي يرصد تضرر واشنطن من سلوكيات ولي العهد السعودي.
خطوة غير مسبوقة
في 11 أبريل 2022، نشرت قناة “إم بي سي” الخاصة، التي تملك الحكومة السعودية حصة أغلبية فيها، مقطعا مصورا ضمن مسلسل يحمل اسم “ستوديو 22” يسخر من بايدن، ويظهره وهو ينسى الكلام وينام على نفسه في المؤتمرات الصحفية.
المقطع، الذي أدى الممثل السعودي خالد الفراج فيه دور بايدن، أظهر نائبته كاميلا هاريس عبر ممثلة ظلت تذكر بايدن كلما نسي ونام، ثم تسحبه في النهاية وهو نائم، وتطلب من الجمهور التصفيق له.
وتعد هذه أول مرة يسخر فيها تلفزيون سعودي من الرئيس الأميركي ونائبته، لكن هذه الخطوة تأتي بالتزامن مع بلوغ التوتر بين الجانبين قمته، ما يؤشر على تدهور حاد بالعلاقات، ودخولها في طريق مقلق.
وخلال ثلاثة أيام من نشر المقطع، الذي طالبت صحف أميركية بمحاسبة السعودية عنه لأنه سياسي لا كوميدي، حصد قرابة 7 ملايين من المشاهدات، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية في 13 أبريل 2022.
وعقب الفيديو السعودي الساخر، تجدد الحديث حول ما تنوي إدارة بايدن فعله مع السعودية عموما، وابن سلمان خصوصا بسبب تعارض مواقفه وسياساته مع مصالح أميركا.
واعتبرت صحيفة “نيويورك بوست” في 12 أبريل، أن “المسرحية الهزلية التي بثها تلفزيون الحكومة السعودية تعكس حالة البرود في موقف الرياض تجاه إدارة بايدن، وتدني مستوى العلاقات”.
كما أن أكثر ثلاثة برامج متابعة بقناة فوكس نيوز الأميركية “تاكر كارلسون الليلة”، و”هانيتي”، و”جيسي واترز وقت الذروة”، استعرضت بغضب في 13 أبريل، مقطع السخرية من بايدن وهاريس، وسط دعوات للرد.
وكانت العلاقات بين البلدين قد تراجعت في عهد بايدن بعد تعهده بجعل ولي العهد السعودي منبوذا، ورفضه الحديث معه أو استقباله أو زيارته كما جرت العادة من قبل غالبية رؤساء أميركا.
وتدهورت العلاقات أكثر بسبب غضب الرياض وأبو ظبي مما تعتبرانه “رد فعل أميركا السلبي” تجاه هجمات جماعة الحوثي اليمنية ضدهما.
كما ادعت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، في مارس/ آذار 2022، أن ابن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد رفضا تلقي مكالمة هاتفية من بايدن لمطالبتهما بزيادة إنتاج النفط، في ظل أزمة الطاقة الحالية التي تفاقمت مع الغزو الروسي لأوكرانيا.
من جانبه، غرد الإعلامي المقيم بواشنطن حافظ الميرازي، في 13 أبريل، أن “سخرية القناة السعودية من بايدن بهذا الشكل، جرأة لا تعود إلى حرية واستقلال الإعلام السعودي، بقدر ما هي صرخة يأس هستيرية من فشل الرياض في الضغط على إدارة بايدن التي ترفض الاعتراف بشرعية ولي العهد السعودي، بورقة البترول”.
شريك سيء
وعقب نشر الفيديو الساخر بيومين، طالب 30 من نواب الكونغرس، الرئيس بايدن بـ “إعادة تقييم العلاقات الأميركية السعودية”، وفق شبكة “سي إن إن” الأميريكية.
وكتب المشروعون في رسالتهم إلى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: “في الآونة الأخيرة تشير التقارير إلى أن ولي العهد (السعودي محمد بن سلمان) رفض مكالمة هاتفية من الحكومة الأميركية لمناقشة الغزو الروسي لأوكرانيا وأزمة النفط اللاحقة”.
وقالوا إن “دعم أميركا المستمر للنظام السعودي، الذي يقمع مواطنيه بشكل منهجي بلا رحمة، ويستهدف معارضيه حول العالم، ويشن حربا وحشية في اليمن، ويعزز الأنظمة الاستبدادية العربية، يتعارض مع مصالح واشنطن ويضر بمصداقية قيمها”.
وأضافوا أن هذا الرفض جاء “بدلا من قبول النداءات من حكومتنا لإنتاج المزيد من النفط، وهي خطوة أولية من شأنها أن تخفض الأسعار على الفور للأميركيين في جميع أنحاء البلاد”.
وأشاروا إلى أن السعودية اختارت الدخول في محادثات مع بكين لمناقشة تسعير جزء من مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان؛ “وهو ما من شأنه أن يضعف وصول الدولار”، وفق قولهم.
وتابعوا: “لسوء الحظ، لم تسفر علاقتنا الطويلة الأمد مع السعودية عن استجابة (لنداءات واشنطن برفع إنتاج النفط)”، لافتين إلى أن “عدم قدرة المملكة على الدفاع عن القانون الدولي يجسد المخاطر قصيرة وطويلة المدى المرتبطة بالحفاظ على الدعم الأميركي غير النقدي للنظام السعودي”.
وقال المشرعون إن هناك حاجة لـ”إعادة التقييم الجادة للعلاقة الأميركية السعودية (..) لضمان أنها تعزز المصالح الأميركية”.
من جانبه، أكدت مجلة “إنترسبت” الأميركية في 13 أبريل، أن قيادات الحزب الديمقراطي “طالبوا بلينكن بموقف أميركي واضح بين أن تواصل بلادهم دعم حليف مستبد، أو الوقوف ضده بالدفاع عن حقوق الإنسان وإعادة التوازن في العلاقات، لتعكس قيمنا ومصالحنا”.
كما نقلت وكالة “أسوشيتيد برس” الأميركية في نفس اليوم عن النائب بلجنة الشؤون الخارجية للكونغرس جيري كونولي، قوله إن النواب طالبوا الإدارة الأميركية أن تصبح أكثر صرامة مع السعودية، ووصفوا المملكة بأنها “شريك إستراتيجي سيء”.
مراجعة العلاقات
ولم يكن الفيديو الساخر ورسالة نواب الكونغرس فقط هما من حرك العواصف الأميركية باتجاه السعودية.
فسبق ذلك صدور تقرير للاستخبارات الوطنية يقيم العلاقات مع السعودية، وتم تسليمه لمكتب الرئيس بايدن ليحدد كيفية مراجعة العلاقات، بحسب وسائل إعلام أميركية.
وتعد “وكالة الاستخبارات الوطنية”، هي الجهة الرئيسة، التي تتولى التنسيق بين 16 جهازا استخباراتيا أميركيا، يعمل كل منها بطريقة منفصلة، ويطلق عليها جميعا “مجمع الاستخبارات الأميركية”.
وتعتبر التقديرات التي تصدرها هذه الاستخبارات، والتي تركز على “التهديدات السنوية” التي تواجه أميركا، من التقارير الأكثر موثوقية، لأنها تعتمد على معلومات سرية للغاية يتم الحصول عليها من جميع وكالات الاستخبارات الأميركية.
وغالبا ما يستغرق جمعها شهورا أو حتى سنوات، وخطورة التقرير الأخير أنه ركز على سياسات ابن سلمان العدائية تجاه أميركا وكيفية مواجهتها.
وهذا التقدير بشأن العلاقات مع السعودية، هو الأول منذ إدارة جورج دبليو بوش ما يعد إشارة على مدى تدهور العلاقات بين واشنطن والرياض، بحسب مسؤول أمني تحدث لـ”إنترسبت” في 13 أبريل.
ونقلت المجلة في هذا الصدد عن مسؤول أمني أميركي على معرفة مباشرة بالتقدير الاستخباراتي الوطني قوله إن التقرير اكتمل مع بداية عام 2022، وتم تضمينه في الإيجازات اليومية للرئيس بايدن والجهات المختصة في إدارته.
وتشير هذه التطورات الثلاثة إلى أن إدارة بايدن تتجه لمزيد من الحزم مع ولي العهد السعودي، وأن تقرير الاستخبارات الشامل، رغم عدم نشر تفاصيله، قد يكون وضع خططا، غير معلنة، للتعامل مع ابن سلمان.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 13 أبريل عن قادة لجنتي الشؤون الخارجية والاستخبارات في مجلس النواب، أنهم يخططون للضغط على إدارة بايدن لاتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه السعودية.
وسبق أن قال بلينكن في جلسة المصادقة على ترشيحه لمنصب وزير الخارجية أواخر 2020، إن الإدارة ستقوم بمراجعة واسعة للعلاقات الأميركية السعودية، لكن لم تتم مناقشة أي مراجعة منذ ذلك الوقت، بحسب رسالة النواب لبايدن.
كما وصف بايدن، خلال حملته الانتخابية 2020، السعودية بأنها دولة منبوذة ووعد بمحاسبة حكومتها على انتهاكات حقوق الإنسان، لكنه لم يتخذ سوى خطوات ملموسة قليلة لتنفيذ ذلك.
عزل ابن سلمان؟
حين رفعت أميركا السرية عن تقرير الاستخبارات بشأن اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في 11 فبراير/ شباط 2021، الذي رجح دورا لابن سلمان في قتله، عد مراقبون أن هذا مؤشر لقرب عزل ابن سلمان.
وعقب الصحفي في “نيويورك تايمز”، نيكولاس كريستوف، على التقرير حينئذ قائلا: “المملكة في وضع أفضل مع ولي عهد جديد”.
وقال بروس ريدل، الخبير السياسي في معهد “بروكينغز” لصحيفة “الغارديان” البريطانية، في 5 مارس/ آذار 2021، “إذا كان هدف الولايات المتحدة هو جعل السعودية مستقرة ومعتدلة في المنطقة، فلا مكان لمحمد بن سلمان فيها”.
فيما كتب الخبير السياسي جريجوري جوس بصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية في 24 فبراير 2021، مطالبا بأنه يجب على واشنطن السيطرة على الأمير السعودي وليس عزله.
وأشار إلى أن “واشنطن ربما لا تعتزم عزل بن سلمان، وإنما تريد فقط أن تنهي حالة الدلال التي تسبب له بها الرئيس السابق دونالد ترامب، وجعله بذلك ينجو من المحاسبة والعقاب”.
لهذا أغضب تبرع السعودية لجاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره السابق، بقيمة ملياري دولار، الرأي العام الأميركي وزاد التساؤلات بشأن شراء ابن سلمان لمزيد من النفوذ في واشنطن.
وكشفت وثائق حصلت عليها صحيفة “نيويورك تايمز” في 10 أبريل 2022، أن كوشنر حصل على استثمار بقيمة ملياري دولار من صندوق الثروة السيادي السعودي، بعد ستة أشهر من مغادرته البيت الأبيض.
وعدت وسائل إعلام أميركية أن تداعيات ذلك ستكون مؤثرة على المشهد السياسي الأميركي والعلاقة مع المملكة، ما يمكن ابن سلمان من الهروب من التضييق الأميركي الحالي عليه كي يرضخ لسياسات واشنطن.
وكتبت افتتاحية صحيفة “واشنطن بوست” في 14 أبريل، أن “استخدام الديكتاتور ابن سلمان لجيوبه العميقة لممارسة نفوذه على أعلى مستويات النظام السياسي الأميركي مدعاة للقلق العميق والعمل المستهدف”.
وأكدت أنه “يجب على إدارة بايدن والكونغرس النظر بعناية في هذه المعاملات المشبوهة، وأن تكون هناك مراجعة قانونية وأمنية لحماية المشهد السياسي الأميركي من الجهات الأجنبية، وخاصة الديكتاتوريين الملطخة أيديهم بالدماء”.
وشددت على أن “الهجمات على الديمقراطية الأميركية ليست فقط من خلال العمليات الإرهابية، ولكن الصفقة الفاسدة بين السعودية وكوشنر تعتبر هجوما على الديمقراطية أيضا”.
وقالت إن “ابن سلمان لا يعد الحكومة السعودية حليفا لأميركا، ويرى أنها حليف لطرف واحد في السياسة الحزبية المحلية، وهذا هو سبب دعمه لكوشنر، حيث يأمل عودته المحتملة للبيت الأبيض في حال ترشح ترامب وفاز مرة أخرى”.
ودعت الصحيفة الجمهوريين لرفض هذه العلاقة بين السعودية وكوشنر، وألا يكون هناك تحيز حزبي بشأن تخليص السياسة الخارجية الأميركية من النفوذ الأجنبي (السعودي)”.
لا مبالاة
لكن هذا لا يعني أيضا سعي إدارة بايدن لعزل ابن سلمان، ليس لعدم رغبته في ذلك بل لأن ولي العهد أصبح ركيزة راسخة في هيكل صنع القرار السعودي، وذلك بدعم من والده الملك سلمان.
“محاولة عزل ولي العهد لن تؤدي إلى الإطاحة به من السلطة، بل ستقضي على قدرة واشنطن على كبح سلوكه في الخارج، وبدرجة أقل، في الداخل”، يقول البروفيسور “جريجوري جوز” في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” في 30 مارس 2021.
ويؤكد الخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، أن “الولايات المتحدة تحتاج إلى تعاون مع السعودية في الأمور الأمنية الملحة في كل من اليمن والمنطقة، ولهذا، سيتعين عليها التعامل مع محمد بن سلمان”.
ويشدد على أن “أي جهد لإخراج محمد بن سلمان من موقعه الحالي سيكون بمثابة تغيير للنظام، وهو تفكير خطير، وإدارة بايدن اختارت الطريق الأكثر حكمة، الذي يتمثل في إيصال ما تريد وما لن تسمح به لولي العهد السعودي”.
لكن يبدو أن ابن سلمان لا يكترث بهذا، إذ قال حين سألته مجلة “ذي اتلانتيك” في 3 مارس 2022 عما إذا كان بايدن يسيء فهم أمور عنه: “ببساطة لا أهتم”.
ودعا ابن سلمان، بايدن للتفكير في مصالح أميركا، وألا يتدخل البلدان في الشؤون الداخلية لبعضهما.
لذا يطفو سؤال مهم إلى السطح مفاده “هل تقرير الاستخبارات الوطنية، غير المعلن، عن السعودية قد يغير هذه المعادلة؟”، و”هل تقفز إدارة بايدن، مدفوعة بدعم الكونغرس والمخابرات، للتفكير الفعلي في عزل ابن سلمان؟
وأغلب الظن أن إدارة بايدن سوف تصعد ضد ابن سلمان في قادم الأيام وفق مراقبين، لكنها في الوقت ذاته تحاول معالجة أخطاء التعامل مع السعودية في ملف الحوثيين، لأن العلاقات ليست بينها وبين ولي العهد الحالي ولكن مع الدولة السعودية.
وربما يكون إعلان أميركا تشكيل قوة بحرية جديدة بالشرق الأوسط متعددة الجنسيات في 13 أبريل 2022، للتصدي لتهريب الأسلحة في المياه المحيطة محاولة لتصحيح الأخطء وتحسين العلاقات مع السعودية والإمارات.
وذكر مايكل هرتسوغ، سفير إسرائيل في الولايات المتحدة، واشنطن خلال حوار مع موقع “أكسويس” في 14 أبريل، أنه “من المهم إصلاح العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية”.
وأكد أن “الحكومة الإسرائيلية تشعر بالقلق من أن التوترات بين إدارة بايدن والمملكة ستدفع السعوديين نحو روسيا والصين وتؤدي إلى انخراط الولايات المتحدة بشكل أقل في الخليج، ما قد يشجع إيران”.
وشدد على أن “السعودية لاعب مهم للغاية في الجزء الخاص بنا من العالم والعالم الإسلامي، ونود أن نراها تنضم إلى الآخرين في تطبيع العلاقات مع إسرائيل”.