رغم ما تردد حول وضع نهاية لقصة الناشطين المعتقلين قبل استضافة السعودية لقمة دول مجموعة العشرين الأخيرة إلا أن سلطات المملكة لم تصدق على هكذا أنباء، بل واصلت تقديم عديد المعتقلين لمحاكمات تصفها منظمات حقوق الإنسان الدولية بأنها “صورية وخالية من معايير العدالة”.
تعود بداية القصة إلى سبتمبر/أيلول 2017، عندما أوقفت السلطات السعودية دعاة بارزين في البلاد، أبرزهم “سلمان العودة” و”عوض القرني” و”علي العمري”، بتهم “الإرهاب والتآمر على الدولة”، وسط مطالب من شخصيات ومنظمات دولية وإسلامية بإطلاق سراحهم.
وتلا ذلك، في 15 مايو/أيار 2018، شن السلطات السعودية حملة اعتقالات أخرى استهدفت عددًا من أبرز الناشطات الحقوقيات، إلى جانب بعض الرجال المناصرين لحقوق المرأة، وتبعتها موجات اعتقال أخرى في شهريّ يونيو/حزيران ويوليو/تموز، قبيل وبعيد السماح للمرأة بقيادة السيارة في السعودية (24 يونيو/حزيران).
أغلب الدعاة والناشطين لايزالون رهن الاعتقال، فيما تم الإفراج عن بعض النشاطات دون إسقاط التهم الموجهة إليهن، ليظل مصيرهن رهن ما يصدر من محاكم أنشئت خصيصا لقضايا “الإرهاب”.
سلمان العودة
ومن أبرز المعتقلين في المملكة الشيخ “سلمان العودة”، الذي يعد أحد أبرز وجوه تيار الصحوة الإسلامية، والذي اعتقل في 10 سبتمبر/أيلول 2017، ضمن حملة قالت السلطات السعودية إنها موجّهة ضد أشخاص يعملون لصالح جهات خارجية ضد أمن المملكة.
وتطالب المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض بإعدام “العودة” (64 عاما)، بينما جرت محاكمته هذا العام في جلسات سرية، لا تحضرها وسائل الإعلام، أو المنظمات الدولية.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشف نجله “عبدالله العودة”، عن تعرض والده للتعذيب، وحرمانه من العلاج وحتى حقه في النوم.
وأضاف “عبدالله” عبر مقطع فيديو: “يتم تقييد يدي الشيخ وقدميه ويُلقى داخل زنزانة العزل الانفرادي مغمض العينين، ثم يُرمى له الطعام في أكياس صغيرة وهو ما زال مقيدا، فيضطر لفتحها بفمه حتى تجرحت أسنانه في فترة من الفترات”.
كما كشف “عبدالله” أن طبيب السجن أخبر والده أنه فقد نصف سمعه ونصف بصره تقريبا، خلال فترة وجودة في السجن الانفرادي، منذ اعتقاله قبل 3 سنوات.
عوض القرني
يعاني الداعية “عوض القرني” تدهورا شديدا في حالته الصحية، لا سيما عقب مطالبة النيابة العامة بإعدامه.
وتوجه السلطات السعودية لـ”القرني”، (64 عاما)، اتهامات بـ”التعاطف مع قطر ومناصرة جماعة الإخوان المسلمين، والانتماء لمنظمة محظورة (رابطة العلماء المسلمين)، إضافة إلى عدم الدعاء لولي الأمر، والسعي للإفساد في الأرض.
ووفق إفادات حقوقية، فقد شوهد “القرني” يحضر جلسات محاكمته هذا العام على كرسي متحرك، في إشارة إلى استمرار تدهور وضعه الصحي داخل السجن، بعد إعطائه عمدا جرعات خاطئة من الدواء، وفق حساب “معتقلي الرأي”، المعني بأخبار المعتقلين في المملكة.
رائف بدوي
في 8 أبريل/نيسان الماضي، أحالت السلطات السعودية، المدون المعتقل منذ 8 سنوات “رائف بدوي”، إلى المحاكمة. ولم تعلن السلطات منذ ذلك الحين عن نتائج الجلسات أو مصير الناشط المدني.
ونقل “معتقلي الرأي”، عن “إنصاف حيدر”، زوجة “بدوي”، قولها إن “السلطات أحالت بدوي إلى المحاكمة؛ بسبب إضرابه عن الطعام”.
وأوضحت أن إضراب “بدوي” عن الطعام؛ جاء “احتجاجا على التعامل السيء المستمر من قبل إدارة السجن، وعدم السماح له بالالتقاء مع أسرته.
واعتقل “بدوي”، في يونيو/حزيران 2012، ووجهت له تهما بينها “عقوق والده”، وهو أمر يجرمه القانون في السعودية، وطالب الادعاء بمحاكمته بتهمة الردة التي يعاقب عليها القانون السعودي بالإعدام، لكن القاضي رفض تلك التهمة.
وفي 2014، صدر حكم بحق “بدوي” بالسجن 10 سنوات، ودفع غرامة قدرها مليون ريـال (267 ألف دولار) وألف جلدة، بعد أن طعن الادعاء على حكم أخف بالسجن 7 سنوات و600 جلدة؛ إذ اعتبره حكما مخففا. وتسبب تنفيذ حكم الجلد عليه علنا عام 2015 في إثارة انتقادات دولية.
وليد فتيحي
في 8 ديسمبر/كانون الأول، قضت محكمة سعودية، على الطبيب الذي يحمل الجنسيتين السعودية والأمريكية “وليد فتيحي”، بالحبس لمدة 6 سنوات، بتهمة الحصول على الجنسية الأمريكية دون تصريح رسمي، ومشاركة منشورات على “تويتر” دعما لانتفاضات الربيع العربي عام 2011.
ووفق منظمة “هيومن رايتس ووتش”، فإن “فتيحي” يواجه تهما أخرى، مثل “نقض البيعة لولي الأمر” من خلال “التعاطف” مع “منظمة إرهابية”، و”الإساءة إلى دول أخرى وقادتها”.
وصدر الحكم بحضور دبلوماسيين أمريكيين اثنين، حضرا جلسة النطق به في الرياض، وفقا لما أوردته صحيفة “واشنطن بوست”.
وإضافة إلى حكم السجن، حكمت المحكمة بمنع “فتيحي” وزوجته وأبنائهما الستة من السفر لمدة 6 سنوات أخرى، رغم مناشدات إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” المتكررة، للحكومة السعودية من أجل الإفراج عنه.
وقال نائب مدير الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” الدولية “آدم كوجل”: “تُظهر إدانة فتيحي بتهم ظالمة أن السلطات السعودية لا تنوي كبح قمعها بحق المنتقدين السلميين”.
وأضاف: “الرسالة الواضحة التي توجهها إلى مواطنيها، هي أنَّ السَّجنَ عقابُ أي رأي يعارض السياسة الداخلية أو الخارجية للمملكة”.
و”فتيحي” سبق احتجازه ضمن حملة “الريتز كارلتون” الشهيرة، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، التي طالت أمراء ورجال أعمال ومسؤولين سابقين في المملكة، قبل أن يطلق سراحه في أغسطس/آب 2019. وخلال احتجازه، تعرض للتعذيب، وفقا لما أخبر عائلته به.
الناشطات المعتقلات
ومع عودة سجل حقوق الإنسان في السعودية إلى دائرة الضوء مع استضافتها مجموعة العشرين هذا العام، كان بإمكان السلطات السعودية أن تقرر وضع حدٍ لسجل الناشطات المعتقلات الذي دام لأكثر من عامَين وعرض الرياض لضغوط دولية كبيرة، لكنها بدلا من ذلك أحالت قضيتهن إلى المحكمة الجزائية (تختص بقضايا الإرهاب).
بدأت محاكمة الناشطات المعتقلات بالرياض في مارس/آذار 2019، وناقضت لائحة تهم الادعاء العام بحقهن مزاعم السلطات السعودية وحملتها الإعلامية التي وصفتهن بالخائنات واتهمتهن بالتواصل مع استخبارات أجنبية، فاقتصرت على تهم متعلقة بالعمل الحقوقي والتوعوي مثل: المطالبة بإلغاء نظام الولاية، ومشاركة المعلومات مع الصحافة والدبلوماسيين ومنظمات حقوق الإنسان الدولية.
وحسب منظمة العفو الدولية، فإن 13 ناشطة في مجال حقوق المرأة لا يزلن يواجهن الملاحقة القضائية بسبب نشاطهن في مجال حقوق الإنسان، وأن 5 منهن لا يزلن قيد الاحتجاز، وهنّ: “لجين الهذلول”، و”سمر بدوي”، و”نسيمة السادة”، و”نوف عبدالعزيز”، و”مياء الزهراني”.
فمع تزايد الضغط الدولي على السلطات السعودية، أفرجت في 2019 “مؤقتا” عن “هتون الفاسي” و”أمل الحربي” و”ميساء المانع” و”رقية المحارب” و”عبير نمنكاني” و”شدن العنزي” و”عزيزة اليوسف” و”إيمان النفجان”.
إلا أنهن لا يزلن يواجهن احتمال التعرض للحكم عليهنّ بالسجن بموجب قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية؛ بسبب عملهنّ في مجال حقوق الانسان.
وبدا أن السعودية تبدي بعض الاهتمام بالضغوط الدولية بشأن ملف الناشطات المعتقلات، خاصة قبل قمة مجموعة العشرين، التي كان تمكين المرأة أحد مواضيعها.
وفي هذا الإطار، قال سفير السعودية في المملكة المتحدة “خالد بن بندر” إن البلاد تدرس “الرأفة” للناشطات السجينات، على الرغم من أن معظمهن لم يتم إدانتهن بأي جريمة، ولا حتى صدر حكم قضائي بحقهن.
واعتبر السفير أن “الجدل يدور في وزارة الخارجية حول ما إذا كان استمرار احتجازهم يسبب الكثير من الضرر السياسي للسعودية”.
وتعد “لجين الهذلول” أبرز الناشطات المعتقلات، وعقدت جلسة لمحاكمتها في 25 نوفمبر/تشرين الثاني، بعد شهور من التأخير والاحتجاز المطول.
وجاءت جلسة المحاكمة بعدما دخلت “لجين” إضرابا عن الطعام في يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول؛ احتجاجا على ظروف الاحتجاز وحرمانها من التواصل مع العالم الخارجي، بما في ذلك أسرتها.
وبعد أسبوعين تعرضت “لجين” للمضايقات من سلطات السجن التي تعمدت إيقاظها من النوم كل الساعتين في الليل والنهار؛ ما دفعها لإيقاف إضرابها عن الطعام بسبب الإنهاك النفسي، حسبما أكدت منظمة “القسط” لحقوق الإنسان عبر موقعها الرسمي.
وفي 14 ديسمبر/كانون الأول، نُقلت قضية “لجين” من المحكمة الجزائية إلى المحكمة الجزائية المتخصصة (تنظر قضايا الإرهاب) بعد أن خلصت الأولى إلى أن القضية “خارج اختصاصها”.
وفي الـ28 من الشهر ذاته، قضت المحكمة ضد “لجين” بالسجن 5 سنوات و8 أشهر، بتهمة تنفيذ أجندة خارجية، والتحريض على قلب نظام الحكم، وقررت المحكمة أيضا “وقف تنفيذ عامين و10 أشهر من العقوبة المقررة”؛ ما يعني أن “لجين” قد يطلق سراحها خلال أسابيع قليلة، بعد حساب الفترة التي قضتها في الحبس الاحتياطي.
وكشفت أسرة “الهذلول” أن الحكم تضمن أيضا منع “لجين” من السفر لمدة 5 سنوات.