أبرزت مجلة الإيكونوميست الدولية حدة التغييرات الصادمة الحاصلة في السعودية في عهد ولي العهد محمد بن سلمان حتى أن السلطات في المملكة باتت “تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف”.
وحذرت المجلة في تقرير لها من أن ثلاث فئات من المجتمع السعودي على الأقل غاضبة من التحديثات العصرية التي أدخلها الحاكم الفعلي للبلاد، يمنعها “القمع والخوف فقط” من محاولة إطاحته وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه.
مع صعوده إلى ولاية عهد المملكة عام 2017، استحدث بن سلمان تعديلات اجتماعية واقتصادية وثقافية جريئة، أبرزها السماح بالاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة ومنح المرأة حق قيادة السيارة وحضور الفعاليات الفنية والرياضية، علاوة على تنويع موارد الاقتصاد الرسمي بتشجيع السياحة وتشييد المشروعات الضخمة.
وكانت الإشادة بـ”إصلاحات” بن سلمان، التي تهدف في ظاهرها إلى تحسين صورة بلاده الدولية وإنهاء التشدد، مشوبة بالقلق لاقترانها بقدر لا يستهان به من القمع لمعارضيه واعتقال ناشطي وناشطات حقوق الإنسان وإسكاتهم/ن.
وأوضحت الإيكونوميست أنه بينما تعلّق السلطات السعودية، منذ 30 كانون الأول/ ديسمبر، منشورات داخل المساجد في مكة والمدينة، اللتين تضمان أقدس المواقع الدينية الإسلامية، تحث المصلين على البقاء على بعد مترين، خشية انتشار فيروس كورونا، “يبدو بن سلمان أقل حرصاً على فرض قيود في أماكن أخرى”.
اعتبرت المجلة احتشاد نحو 700 ألف شاب سعودي، الشهر الماضي، على مدار أربعة أيام، في قاعات الحفلات الموسيقية، بينما يُمنع الزحام في المساجد دليلاً على حديثها، حتى أنها نقلت عن أحد المعلمين في المدينة المنورة قوله: “هذه المملكة (مملكة بن سلمان العصرية) باتت تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف”.
وفي حين أن استطلاعات الرأي العام نادرة في المملكة، ويصعب قياس مدى رضى المواطنين أو استيائهم من “الإصلاحات” الهادفة إلى الانفتاح والحداثة في واحدة من أكثر دول العالم انغلاقاً وتشدداً دينياً، تقول الإيكونوميست إن تسريبات تشير إلى ثلاث مجموعات على الأقل غير سعيدة بإجراءات بن سلمان.
وهذه الفئات هي: السلفيون الذين يعتنقون نسخة أصولية من الإسلام، وبعض أمراء العائلة الحاكمة – آل سعود، ومواطنون عاديون يفضلون بلدهم في صورته الأكثر تشدداً وانغلاقاً.
أما السلفيون، فتبيّن المجلة العالمية أنهم غاضبون بعدما نقض ولي العهد تحالفهم مع آل سعود الذي صمد قرابة ثلاثة قرون، عبر تقليصه صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي لم يعد بإمكانها إجبار المصالح التجارية والحكومية على الإغلاق خمس مرات يومياً لأداء للصلاة، أو معاقبة الرجال والنساء لدى اختلاطهم أو تبادل التحية وإن بالقبلات على الخد.
وباتت هناك خطبة موحدة لصلاة الجمعة يمليها المسؤولون في العاصمة الرياض، فيما مُنع مشاهير الدعاة من التعليق على وسائل التواصل الاجتماعي إلا بالثناء على إنجازات ولي العهد.
مع ذلك، لا يزال بعض المواطنين يتداولون فتاوى سلفية متشددة -غالباً شفهياً- لإدانة فعاليات موسم الرياض، الذي يقام برعاية الحكومة، ويضم حفلات ومسرحيات.
يرى المستاؤون من سياسات بن سلمان أنه أخضع المملكة تماماً لقبضته وصار متحكماً في حياة السعوديين، فيما يظل “منتقدوه مثل النمل لكن انتقاداتهم لا تخرج إلى العلن. الأمير استطاع أن يغلق أفواههم لكنه لم يخرسهم تماماً”، حسبما قال واعظ ديني سعودي في جدة.
“الكثير من أفراد العائلة المالكة مستاؤون أيضاً”، بحسب زعم الإيكونوميست إذ احتفظوا لفترة طويلة بقدرتهم على تقديم التماس إلى الملك، وبعض المخصصات المالية لإنفاقها على الجمهور وعلى أنفسهم.
عرقل محمد بن سلمان مسار الطبقة الأرستقراطية وحبس عدداً من الأمراء البارزين ورجال الأعمال عام 2017، وابتزهم مقابل الأموال والأصول.
أمراء آخرون يشكون معاملة مشابهة تشمل خفض الامتيازات، مثل الرحلات الجوية المجانية والمرافق والرعاية الطبية. كما لم يعد يسيراً حصولهم على عمولات من العقود الحكومية. ويعتبر الأمراء المتذمرون أن محمد بن سلمان “حوّل نظاماً سياسياً أكثر توافقية إلى نظام حكم الرجل الواحد”.
بموازاة ذلك ثمة مواطنين سعوديين كثر غير راضين عن التغييرات الحاصلة. إذ يزعجهم مشهد الفتيات وهن يدرسن إلى جانب الفتيان في المدارس الابتدائية.
قبيل تحديثات بن سلمان، “إذا أبلغت عن مغادرة ابنتي ليلاً دون إذني، كانت السلطات الأمنية تعيدها مكبلة بالأصفاد. الآن إذا حاولت إيقافها، فإنها هي تتقدم بشكوى للشرطة وربما سيحتجزونني”، كما قال جندي متقاعد.
ويظن بعض السعوديين أن الأمير محمد، بدلاً من استبدال التعصب الديني بالاعتدال، يتجه إلى طمس الدين تماماً.
تزيد سياسات الأمير الاقتصادية حالة السخط ضده، وفق قول المجلة التي أشارت إلى شكوى رجال أعمال من استخدام الأمير صندوق الثروة السيادية الضخم وكيانات حكومية أخرى لمزاحمة القطاع الخاص، وانخفاض الدعم، وارتفاع الضرائب والرسوم والغرامات.
كما أن نُدرة المساءلة في مراتب السلطة العليا بالمملكة يقلق البعض، علاوة على إنهاء الأمير ووالده الملك سلمان عادة استضافة المجالس أو الاجتماعات الأسبوعية التي كان السعوديون يقدمون فيها مناشداتهم لحاكمهم.
قد يسأل البعض هل ثمة عمل مضاد لمحمد بن سلمان قد ينتج عن هذا الاستياء من “إصلاحاته”؟ تجيب الإيكونوميست: “قلة فقط تعتقد بأن الدعاة سيبقون صامتين إلى الأبد. والبعض يتساءل هل كان ممكناً ظهور نسخة سعودية من روح الله الخميني، قائد الثورة ضد حكم الشاه في إيران”.
وقال مسؤول كبير سابق، مستحضراً ذكرى اغتيال الملك فيصل على يد ابن أخيه عام 1975، إن “الأمير محمد يعرف ما يمكن أن تفعله الأسرة (آل سعود). لن ترحمه”.
في موازاة ذلك، يأمل سعوديون كثر أن يقف الرئيس الأمريكي جو بايدن في طريق تولي محمد بن سلمان حكم المملكة إذ يعتقد محللون أنه إذا أطيح بولي العهد من الحكم فستختفي الإجراءات التي استحدثها لأن “التغيير مفروض من أعلى، وللأسف لم يؤسس على قاعدة شعبية”.
لكن فرص تحقق أي من هذه السيناريوهات تبدو ضئيلة لأن قمع محمد بن سلمان يؤتي ثماره كما يبدو. فأفراد العائلة المالكة الممتعضون من سياساته هم قيد الإقامة الجبرية، وهناك آلاف الدعاة يقبعون وراء القضبان، وعلى رأسهم سلمان العودة الذي يتابعه 14 مليون شخص على تويتر.
حتى منتقدو الأمير الموجودون خارج البلاد، يعيشون في خوف من استهدافهم وملاحقتهم عقب الاغتيال الوحشي للصحافي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول نهاية العام 2018.
ويرى توماس هيغهامر، الخبير في شؤون التطرف، أن “السعودية أصبحت دولة خاضعة للمراقبة بشكل كامل.مع توفر تكنولوجيا التجسس للسلطات السعودية، لا أعتقد أن ثورة قد تحدث أو انقلاباً قد يحصل”.