تكشف الوثائق الأخيرة التي طلبتها السلطات السعودية في قضايا مقامة بكندا والولايات المتحدة ضد ضابط الاستخبارات السابق، “سعد الجبري” كيف عهدت الدولة السعودية بتحقيقها الكامل في مكافحة الفساد إلى تدقيق مجموعة “ديلويت” العملاقة في مجال التدقيق المالي. وتم ذلك عبر أحد أكبر العقود في مجتمع ذكاء الأعمال العالمي الضيق.
إن إجراء الاكتشاف، الصادر عن محكمة المنطقة الجنوبية لنيويورك في 11 فبراير/شباط الماضي؛ للمطالبة بتقديم التفاصيل المصرفية للشركات المرتبطة بـ”الجبري”، ليس سوى غيض من فيض في قضية بدأت خيوطها من كندا، لكنها امتدت إلى سلطات قضائية أخرى، وفقا لموقع “إنتلجنس أونلاين” الاستخباراتي الفرنسي.
فالرجل، الذي ظل لسنوات الساعد الأيمن لوزير الداخلية السعودي الأسبق “محمد بن نايف” لسنوات، حيث كان يعمل على ملفات مكافحة الإرهاب في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والأمن السيبراني في العقد الثاني من القرن ذاته، يواجه الآن اتهامات باختلاس المليارات من مختلف الشركات السعودية المرتبطة بالوزارة، التي كان الكثير منها تحت سيطرته.
والآن، تخضع الشركات المعنية، بما في ذلك شركة “سكاب” (SKAB) السعودية القابضة، و”ألفا ستار” لخدمات الطيران، وشركة “تحكم” التقنية المحدودة (TCC)، وشركة “الفجر الجديد” للمقاولات، وشركة “سكاي برايم” للطيران، لسيطرة صندوق الاستثمارات العامة (الصندوق السيادي للمملكة).
ويقود هذا الصندوق ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، الذي يريد التأكد من عدم وجود كنز خفي يمكن استخدامه في مساعدة أي من خصومه.
واليوم، تتمثل هذه المعارضة (لبن سلمان) إلى حد كبير في “محمد بن نايف”، الذي ربما فقد بعض نفوذه، لكنه لا يزال يتمتع بدعم من جهات عدة، خاصة من “وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية” (سي آي إيه). فقد عملت “سي آي إيه” مع “بن نايف” عن كثب لسنوات. ولا يزال “الجبري” يُلاحق ولي العهد السعودي في الولايات المتحدة بتهمة الشروع في قتله.
ولتعقب أصول “الجابري”، الساعد الأيمن السابق لـ”بن نايف”، استعانت جماعة “بن سلمان” الحاكمة أولا بخدمات فريق التحقيقات والطب الشرعي في مجموعة “ديلويت” في يناير/كانون الثاني 2018. ويمكن بسهولة فهم أن “ديلويت” تنتعش باستمرار بفضل تعاملاتها مع “بن سلمان”.
وانطلاقا من التدقيق الأولي لشركة “EY”، وهي شركة عالمية متخصصة في التدقيق المالي، صاغت فرق “ديلويت” تقارير تحقيق متعددة تستخدم في القضايا المرفوعة ضد “الجبري” على مدار السنوات الثلاث الماضية. والعقد السعودي معها يعد أكبر العقود في القطاع (مجتمع ذكاء الأعمال).
وفي أحدث تقرير قدمته إلى السلطات السعودية في 18 يناير/كانون الثاني الماضي، قدرت “ديلويت” أن “الجبري” اختلس 3.5 مليار دولار من الدولة.
ووفقا لمعلوماتنا، فإنه منذ عام 2017، قام “خالد بن عبد الرحمن العيسى”، رئيس الديوان الملكي، الذي يُعرف عنه الاحتياط الشديد، بتنسيق جهود لتعقب أصول عشرات الأمراء ورجال الأعمال المستهدفين من قبل جماعة “بن سلمان”.
تأتي معظم الأصول التي تتبعتها الرياض من عقود بين وزارة الداخلية السعودية وشركات دفاع غربية. ففي عهد “بن نايف”، الذي وعد “الجبري” وفقا للسلطات السعودية بنسبة 5% من الأرباح التي حققتها الشركات التابعة للوزارة، تعاقدت الوزارة كثيرًا مع شركات مثل “رايثيون” و”سيكورسكي”، ومجموعة “إيرباص” وغيرها. ومن هنا جاء السؤال البالغ 3.5 مليار دولار وفقا لـ”ديلويت”: هل سيذهب “محمد بن سلمان” إلى حد التشكيك في علاقته مع هذه الشركات من أجل تعقب هذه الأموال؟