أثار الهجوم الإعلامي والرسمي الأمريكي على قرار تحالف “أوبك+” بقيادة السعودية، خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميا، اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، علامات استفهام واستغرابا من جانب المنتجين والمستهلكين معا.
مردّ علامات الاستفهام يعود إلى أن هذا الخفض ليس الأول الذي ينفذه التحالف، والذي تأسس نهاية 2016، ولن يكون الأخير، خاصة بعد إعلان تمديد الاتفاق حتى نهاية 2023.
وبعد قرابة أسبوعين على قرار التحالف (5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري)، ما يزال البيت الأبيض ووسائل إعلام أمريكية تنتقده، وتتهم السعودية بالانحياز إلى روسيا.
في المقابل، تصر السعودية ومن خلفها أعضاء التحالف الـ22 الآخرون، إلى جانب مستهلكين آخرين مثل مصر، على أن القرار فني بحت، ولا علاقة له بأية خلفيات سياسية.
واليوم، تواجه سوق الطاقة العالمية مؤشرات على تراجع الطلب القادم من الصين، بسبب ظهور إصابات جديدة بفيروس كورونا، وأسباب عالمية مرتبطة بمخاوف الركود في الولايات المتحدة وأوروبا.
سر الانتقادات الحادة
لكن، ما السر وراء هذا الانتقاد الأمريكي إلى جانب الديمقراطيين، ووسائل إعلام مؤيدة للحزب الديمقراطي؟
تظهر تصريحات لوزارة الخارجية السعودية، نشرت تفاصيلها قناة “العربية” التابعة للمملكة، الخميس الماضي، أن كتابا وجه إليها من الولايات المتحدة، قبل اتفاق تحالف “أوبك+” يطلب تأجيل خفض الإنتاج شهرا واحدا، أي بعد نهاية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
والسبب في ذلك أن الشهر المقبل هو موعد انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، حيث يبحث الديمقراطيون عن أرضية مناسبة للفوز بالانتخابات.
وشهد التضخم في الولايات المتحدة هذا العام أعلى مستوياته منذ 4 عقود، وبالتحديد منذ نوفمبر/تشرين الثاني 1981، بحسب بيانات مكتب إحصاءات العمل الأمريكي.
وحتى اليوم، تسجل الأسعار ارتفاعات كبيرة أرهقت جيوب المستهلكين الأمريكيين، وهو ما قد يلقي بظلاله السلبية على صناديق الاقتراع، حيث يحاول الديمقراطيون الحفاظ على سيطرتهم.
بمعنى آخر، تريد واشنطن شراء شهر هام بالنسبة لها من تحالف “أوبك+” لتحقيق هدف خاص يتمثل بعدم رفع أسعار الوقود في السوق الأمريكية في شهر الانتخابات.
وفي حال فوز الديمقراطيين بالانتخابات النصفية، فلا يتوقع أن يشهد تحالف “أوبك+” كل هذا الانتقاد الذي تعرض له، بحسب خبراء في أسواق النفط بالشرق الأوسط.
مسؤولية أمريكية
عادت أسعار الوقود للارتفاع في السوق الأمريكية في أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بعد تراجع خلال الشهور الثلاثة الماضية، وهو ارتفاع يأتي على الرغم من استمرار مواصلة واشنطن ضخ كميات من الاحتياطي الاستراتيجي للخام داخل الأسواق.
وتواجه السوق الأمريكية تراجعا في عمليات إنتاج النفط، بسبب هبوط حجم الاستثمارات في الطاقة الأحفورية، بسبب إيمان المستثمرين أن مستقبل هذا النوع من الاستثمار لن يكون طويل المدى مع نمو الطاقة المتجددة.
المسألة الثانية، أن السوق الأمريكية تواجه ضعفا في الاستثمارات الجديدة في طاقة التكرير وتوفير كميات كافية من المشتقات، ما يعني أن أزمة ارتفاع أسعار الطاقة في الولايات المتحدة، هي داخلية بالمقام الأول.
والولايات المتحدة، هي أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمتوسط يومي 11.8 مليون برميل، وهي كذلك أكبر مستهلك له، بمتوسط يومي 17 مليون برميل.
الأسواق العالمية لم تنسَ بعد، إنقاذ تحالف “أوبك+” للنفط الخام الأمريكي في أبريل/نيسان 2020، عندما بلغ سعر برميل النفط (سالب 40 دولارا)، قبل أن يسارع التحالف ويعلن اتفاقا جديدا لخفض الإنتاج بدأ تنفيذه في مايو/أيار 2020.
حينها، قدم الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” شكره للسعودية وروسيا اللتين قادتا الاتفاق لخفض إنتاج أعضاء التحالف بمقدار 9.7 ملايين برميل يوميا، صعدت على أثره أسعار الخام مجددا.