يمضي قطار التطبيع السعودي–الإسرائيلي مسرعاً، ويطوي محطاته بأسرع مما كان يتوقع الكثير، ماضياً نحو علاقات طبيعية رسمية دبلوماسية وأمنية واقتصادية مختلفة.
ويعمد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى الاستعانة بمجموعة من الكتاب والإعلاميين الذين يُعدون من نخب المملكة إلى تهيئة الرأي العام في الداخل السعودي لتطبيع علني مع “إسرائيل”.
وغالباً ما تبحث قيادة المملكة طرقاً مختلفة من أجل تهيئة الشعب السعودي للتطبيع مع الاحتلال، وهذه المرة أخذت منحى عقائدياً للتقارب الديني، من خلال المطالبة بالسماح لليهود بزيارة المملكة والقبور اليهودية الموجودة فيها، وترويج أحقية اليهود في مدن سعودية.
التوراة في السعودية!
في ندوة ثقافية في محافظة بلجرشي السعودية، تحدث الباحث اللغوي السعودي، الدكتور أحمد قشاش، عن أن التوراة نزلت في جبال السراة، بحكم ما ورد فيه من أسماء الأماكن والنباتات والجبال واتحاد اللهجات.
وأشار في الندوة التي عقدت في 13 فبراير 2020، إلى أن النبي إسحاق بن إبراهيم عليه السلام “تهامي الأصل”، داعياً إلى “فك الارتباط الذهني بين اليهودية باعتبارها ديانة وشعباً وبين دولة (إسرائيل)”.
واستطرد قائلاً: “بنو (إسرائيل) قبيلة عربية عريقة سكنت جنوب الجزيرة العربية، وتركت آثاراً وشواهد لا تزال قائمة وماثلة للعيان”، في حين ذهب بحديثه إلى أن تاريخ جزيرة العرب “مستلب كون أرض الحرمين مهداً للديانات والحضارات”.
ردود مستنكرة
لم تحظَ الدراسة التي طرحها الباحث السعودي بالترحيب، بل وجدت ردوداً مستنكرة من المحاولات المستمرة لكتاب وباحثين لترويج أحقية اليهود في السعودية.
وعلق الكاتب أحمد السيد عاطف في صفحته بـ”تويتر” قائلاً: إن “هذا الكلام تترتب عليه إعادة النظر في أشياء كثيرة: القدس، الأقصى، الأرض المباركة، إسحاق، أماكن موسى وبني إسرائيل”، مؤكداً أن “المعلومات السائدة منقولة عن اليهود والإسرائيليات”.
فيما رد عبد الرحمن بن شويل على ما تحدث به قشاش بقوله: “الأستاذ أحمد جيد، وخاصة فيما يتعلق ببحوثه عن النباتات، أما في التاريخ فيعتمد كثيراً على كمال الصليبي اللبناني، فكتاب أحمد قشاش (أبحاث في التاريخ الجغرافي للقرآن والتوراة ولهجات أهل السراة) نسخة من كتاب الصليبي (التوراة جاءت من جزيرة العرب)، ولو قال من أقصى شمالها لكان أهون”.
وهاجم الناشط أحمد بن راشد بن سعيد ما قاله قشاش، وقال: “تنقل عكاظ عمن أسمته باحثاً لغوياً أن التوراة نزلت في جنوب شبه الجزيرة العربية، وأن النبي إسحاق من تهامة، وأن ثمّة آثاراً تركها بنو إسرائيل هناك. وصاحب العربية يصفّق للاكتشاف! يبقى أن يُدعى اليهود إلى زيارة الجنوب وتفقّد ذكريات الأجداد”.
وعلقت ريم محمد على تعليق للصحفي السعودي عبد الرحمن الراشد مؤيد لفكرة مواطنه الباحث قائلة: “وبالرجوع إلى تاريخ هذا الرجل نبشركم بأن اليهود (عرب)، وهنا وجب التطبيع والمؤاخاة، ما أجمل تحريف التاريخ لأهداف خفية أصبح اليهود القدماء والذين هم من نسل يعقوب عرباً، وتم تحريف القرآن
دعوات للتطبيع مع اليهود
في 5 فبراير الجاري، دعا الكاتب السعودي البارز تركي الحمد، سلطات بلاده السماح للإسرائيليين اليهود بزيارة قبور أجدادهم المدفونين في أراضي المملكة.
جاء ذلك في تعليق “الحمد” على مقطع مصور نشره حساب “إسرائيل بالعربية” التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، والذي ظهر فيه أحد اليهود وهو يطلب السماح له بزيارة قبور أجداده في المملكة.
وقال الحمد المقرب من الديوان الملكي السعودي، في مشاركته المقطع المصور: “ليت الحكومة السعودية تسمح له بذلك.. سيكون لها بعد إعلامي وإنساني وإيجابي كبير جداً”.
وجاء طلب الرجل الإسرائيلي بعد أسبوع من توقيع وزير داخلية الاحتلال الإسرائيلي، أرييه درعي، على قرار يسمح للإسرائيليين بزيارة السعودية، وفق بيان للوزارة.
ويُعتبر محمد سعود، الناشط السعودي الذي زار “إسرائيل” أكثر من مرة، أبرز الأدلة التي تفصح عن العلاقة الوثيقة بين الرياض و”تل أبيب”.
وكان سعود التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وعدداً من كبار الشخصيات الإسرائيلية، واستقبل في منزله بالسعودية شخصيات إسرائيلية، فضلاً عن منح نتنياهو له لقب ممثل حزب الليكود في السعودية.
زيارات إلى المملكة
تشير الزيارات التي قام بها يهود إلى السعودية إلى تعزيز الدفء في العلاقات بين الاحتلال الإسرائيلي والرياض، التي تحاول جاهدة تعزيز فرضية أن “إسرائيل” دولة عربية كانت توجد داخل أراضي المملكة.
منتصف فبراير الجاري، أجرى وفد يهودي أمريكي زيارة إلى المملكة العربية السعودية هي الأولى من نوعها منذ أكثر من 25 عاماً، في مؤشر جديد حول تنامي العلاقات بين المملكة و”إسرائيل”.
وذكرت وكالة الأنباء اليهودية “JTA” أن الوفد الذي ضم مسؤولين من “مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى”، الذي يحظى بتأثير ملموس على سياسات الولايات المتحدة، زار السعودية؛ من الاثنين (10 فبراير) وحتى الخميس (13 فبراير).
وأشارت إلى أن الوفد عقد اجتماعات مع مسؤولين سعوديين بارزين، وكذلك مع الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وزير العدل السابق محمد العيسى، الذي ترأس مؤخراً وفداً لزيارة معسكر “أوشفيتز” النازي في بولندا، ويُنظَر إليه على أنه أحد المقربين من ولي العهد محمد بن سلمان.
وأوضحت أن المباحثات بين أعضاء مؤتمر الرؤساء والمسؤولين السعوديين ركزت على “مكافحة الإرهاب ومصادر زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط”.
وأواخر يناير الماضي، كشفت صفحة “إسرائيل بالعربية” الناطقة باسم دولة الاحتلال باللغة العربية عن زيارة قام بها صحفي يهودي إلى السعودية، تزامناً مع إعلان “صفقة القرن” المعنية بتصفية القضية الفلسطينية وانتهاك حقوق الفلسطينيين.
وقالت الصفحة في “تويتر” إن مجلة “عامي ماغازين” الناطقة باسم الجالية اليهودية في الولايات المتحدة أجرت مقابلة مع المدون السعودي المثير للجدل محمد سعود، في الرياض، دون أن تكشف عن تاريخ اللقاء.
ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي البارز حسن أبو هنية أن “هذا المسار من التطبيع السعودي بالتأكيد تنامى في فترة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومع طرحه لخطة صفقة القرن بات الأمرُ معروفاً، ولا يمارس بشكل سري إنما أصبح علنياً”.
وقال في حديث له، إن “ما يجري هو في سياق التصورات الجديدة التي بنيت عليها صفقة القرن على اعتبار إعادة تعريف المخاطر في المنطقة من خلال الحديث عن (إسرائيل) كصديق أو كحليف في مواجهة الخطر الوحيد أو الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل وكذلك السعودية؛ على اعتبار أن إيران ومليشياتها؛ كالحوثيين وحزب الله والموجودة في العراق بالإضافة للنظام السوري، ما يعني أن (إسرائيل) لم تعد تشكل خطراً بالنسبة للسعودية، وهي تنظر إليها كحليف وصديق”.
وأضاف أبو هنية: “في ظل التحولات الاستراتيجية الجيوسياسية في المنطقة تعمل السعودية على إنشاء تحالف مع إسرائيل برعاية أمريكية، خصوصاً أن واشنطن اقترحت بناء (تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي)، الذي يضم دول الخليج جميعاً بالإضافة لمصر والأردن وإسرائيل معهم في تنسيق استخباري أمني من أجل مواجهة جديدة تتلخص بالمنظمات الإسلامية السنية؛ كالإخوان المسلمين وتنظيم القاعدة، وصولاً إلى إيران، وهذا ما يجعل تنامي الزيارات الإسرائيلية إلى السعودية طبيعياً”.
أطماع إسرائيل بالسعودية
ويرى أحمد أبو حلبية، القيادي في حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، والنائب بالمجلس التشريعي الفلسطيني، في حديث سابق له أن “أطماع إسرائيل ستتخطى الحدود والمعقول”.
وذكر أبو حلبية أن “دولة الاحتلال تسعى الآن، من خلال علاقاتها مع السعودية، إلى إعادة بعض اليهود للسكن مجدداً في الأراضي الحجازية بعد أن خرجوا منها في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم”.
وأضاف: “علِمنا أن وفداً يهودياً قد دخل السعودية خلال الفترة الماضية، ويحاول الآن تجهيز الظروف المناسبة لإعادة العيش بالأماكن التي تركوها، وتحديداً في المدينة المنورة”.
وأوضح القيادي في حركة “حماس” أن بعض اليهود من نسل “خيبر وبني قينقاع” مقتنعون تماماً بأن العودة إلى الأماكن التي خرجوا منها في عهد الرسول ضرورية، ويسعون من خلال جهودهم وتحركاتهم السرية إلى تحقيق هذا الحلم، في ظل التقارب الكبير الحاصل بين السعودية ودولة الاحتلال.
وزاد: “اليهود يحاولون إعادة العيش والاستقرار من جديد داخل أراضي المملكة السعودية، مستغلين ما يدور من تطور جوهري وكبير في علاقات دولتهم مع الرياض”، معتبراً ذلك “مؤشراً خطيراً وتجاوزاً لجميع القيم وضوابط التعامل مع الكيان الإسرائيلي”.
ولفت أبو حلبية النظر إلى أن اليهود “لم ولن يتوقفوا عند هذا الحد؛ بل سيطالبون الأنظمة العربية، وعلى رأسها النظام السعودي، بتعويضات مالية كبيرة عما جرى لهم في العصور الماضية”.