أبرز “المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط” حالة الإجماع في مواقف دول الاتحاد الأوروبي بشأن انتقاد سجل حقوق الإنسان في السعودية والمطالبة بوقف الانتهاكات الحاصلة في المملكة.
وقال المجهر الأوروبي ـوهو مؤسسة أوروبية تعنى برصد تفاعلات قضايا الشرق الأوسط في أوروباـ إن الموقف الأوروبي قطع الطريق على السعي السعودية إلى أن تشغل عضوية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
وأشار المجهر الأوروبي إلى تنامي الانتقادات الاوروبية الشديدة إلى السعودية خصوصاً لناحية غياب استقلال نظام القضاء السعودي واستمرار الاعتقالات على خلفية الرأي.
وذكر المجهر الأوروبي أن الدنمارك قادت مؤخرا مبادرة حظيت بتجاوب واسع من دول الاتحاد الأوروبي ضد انتهاكات السعودية لحقوق الإنسان والضغط على الرياض لتحسين سجلها.
وتدفع الدنمارك الاتحاد الأوروبي بمبادرة تقوم على أنّ “العلاقات الخارجية مع الدول يجب أن تكون مشروطة بقيم ومعايير تلتزم بحقوق الإنسان”، وتُسمّى المبادرة بـ”القيمية في العلاقات الخارجية”.
وبهذا الصدد نشرت كشفت صحيفة “بوليتيكن” الدنماركية تقريرا عن توتر في علاقة الرياض بكوبنهاغن، على خلفية تأمين وزير الخارجية الدنماركي ييبا كوفود، أغلبية 29 دولة في مجلس حقوق الإنسان في جنيف قبل أيام لانتقاد السجل الحقوقي السعودي، وقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، ما يقطع الطريق على عضوية الرياض في المجلس.
وأوردت صحيفة “بوليتيكن” واسعة الانتشار، أن الرياض “اعتبرت التصرف الدنماركي رسالة غير ودية، ورفضت الانتقادات الموجهة لها، ما يدفع الخارجية الدنماركية للتمسك بموقفها”.
وأوضحت “بوليتيكن” أن مساعي الدنمارك نجحت في “تأمين تصويت 28 دولة معها في انتقادها للسجل الحقوقي للسعودية، بما فيه قضايا التعذيب والإعدامات واضطهاد النشطاء السعوديين”. وذكرت الصحيفة أنّ قناعة دنماركية وأوروبية تتشكل حول “مسؤولية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن قرار اغتيال جمال خاشقجي”.
وشكلت كلمة رئيس الوفد الدنماركي السفير مورتن يسبرسن، في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، أمس الثلاثاء، نيابة عن الدول الـ29، وهي أغلبية من بين 47 دولة عضواً في المجلس، أرضية للتوتر بين الطرفين.
وجاء في الكلمة أنّ الدول الـ29 تطالب بالتزام أعلى معايير حقوق الإنسان وحمايتها “من خلال رقابة عامة لشروط الالتزام بتلك المعايير، والسعودية مطالبة بالتزام تلك المعايير والتعاون التام مع المجلس وآلياته في الخصوص”.
إضافة إلى ذلك، شدد المندوب الدنماركي، بالنيابة عن تلك الدول، على انتقاد سجل الرياض الحقوقي، “واستمرار شعورنا بالقلق إزاء الحالة العامة لحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، إذ لا يزال المجتمع المدني والمدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيون، والمعارضة السياسية، يعانون من الاضطهاد والسجن والترهيب”.
وتطرقت كلمة الدنمارك إلى قضايا المعتقلين في السعودية، إذ قال يسبرسن: “نكرر دعوتنا إلى إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، ونعرب عن قلقنا بصفة خاصة من أن قانون مكافحة الإرهاب وغيره من الأحكام الأمنية تطبَّق على الأفراد الذين يمارسون حقوقهم سلمياً. وما زلنا نشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تفيد بالتعذيب، والسجن التعسفي، وحالات الاختفاء القسري، وحرمان السجناء من الحصول على الرعاية الطبية الأساسية والاتصال بأسرهم… نحن نعارض بشدة عقوبة الإعدام، بما في ذلك عندما تُستخدم ضد القاصرين وجرائم غير عنيفة”.
وأشارت “بوليتيكن” إلى أنّ انتقاد الرياض جاء بمبادرة من وزير الخارجية الدنماركي ييبا كوفود، الذي ردّ على أساس انتقاد الرياض لمبادرته بجمع أغلبية مندّدة، بقوله للصحيفة إنّ “عمليات التعذيب لا تزال مستمرة ومن دون خجل، مع انحسار مساحة عمل المجتمع المدني، وتزايد اضطهاد المدافعين عن حقوق الإنسان، واستخدام التعذيب وعقوبة الإعدام”.
وتابع: “وبناء على ذلك يجب أن يكون لنا موقف رافض لتلك الممارسات، وعليه جمعت الدنمارك تحالفاً واسعاً من البلدان من خلال نشاط دبلوماسي صعب أيّد مبادرتنا بشكل قوي”.
ووفقاً لـ”بوليتيكن” فإنّ المبادرة الدنماركية في مجلس حقوق الإنسان، حصلت على تأييد من دول في الاتحاد الأوروبي، أبرزها ألمانيا وبلجيكا وهولندا والسويد وفنلندا وإستونيا وأيرلندا وإسبانيا والبرتغال وجمهورية التشيك. ومن خارج الاتحاد الأوروبي أيّدتها دول أبرزها كندا وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا والنرويج وبيرو والجبل الأسود وكوستاريكا وأيسلندا وسويسرا.
وعقب الانتقادات السعودية، أكدت الخارجية الدنماركية التمسك برافض الشديد لحالة حقوق الإنسان في المملكة السعودية، وأنها مع بقية الدول الأوروبية تعبّر عن قلقها العميق من وضع حقوق الإنسان بشكل عام في السعودية، وهو ما اعتبرته الصحيفة أنه يقطع الطريق على عضويتها في المجلس.
وطالبت الدول الـ29 في المجلس، الرياض بـ”إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، منتقدة استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لتقييد حقوق الإنسان في البلاد.
وفي الوقت نفسه، تؤيد الدنمارك والدول الأخرى الانتقادات الموجهة للرياض بسبب قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول”. وتحدثت الصحيفة عن مساعي الرياض لـ”وضع حدّ لهذه القضية، في محاكمة وصفتها الأمم المتحدة بأنها غير كافية على الإطلاق”.
وأضافت في السياق أن كوبنهاغن والدول الأخرى تدعم مطالب الأمم المتحدة بـ”محاكمات مفتوحة أمام الجميع لقتلة خاشقجي، والتي اعترفت السعودية بأنها جريمة ارتُكبت من دائرة عملاء تابعين لها، لكنها للآن لم تفصح عما جرى للجثة، التي تعتقد الأمم المتحدة أنه جرى تقطيعها في قنصلية السعودية في إسطنبول”.
وفي ذات السياق، أشارت “بوليتيكن” إلى أنّ “الاستخبارات الأميركية (سي آي أيه)، والمحققين في الأمم المتحدة، يؤمنون بأنّ عملية القتل جرى التخطيط لها بشكل تفصيلي، ونُفذت من قبل أشخاص أُرسلوا من قصر العائلة المالكة في الرياض، وكان بين القتلة طبيب شرعي قام بتقطيع الجثة”.