بقلم/ مضاوي الرشيد
وصل رئيس الوزراء بوريس جونسون في خضم مذبحة ارتكبتها الدولة. فيوم السبت حطمت المملكة العربية السعودية رقمها القياسي في الإعدامات الجماعية عندما أعلنت وسائل الإعلام الرسمية أن واحداً وثمانين شخصاً تم إعدامهم، ثم ما لبث ثلاثة أخرون أن أعدموا في اليوم السابق لوصول رئيس الوزراء.
ومع انشغال العالم بأسره بالأزمة الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة، يبدو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شعر بأن اللحظة مواتية لمثل هذا الحجم الضخم من الإعدامات. فهو يعلم أن مستقبل العديد من الزعماء الغربيين، وبشكل خاص جونسون والرئيس الأمريكي جو بايدن، وكذلك التعافي الاقتصادي العالمي بعد عامين من التضخم الذي تسببت به جائحة كوفيد-19، يتوقف على ضمان الحصول على النفط والغاز بأسعار زهيدة.
تلك كانت اللحظة التاريخية التي طالما انتظرها ولي العهد حتى يستعرض عضلاته ويطلب من الغرب أن يعامله باحترام بعد أن نبذه لثلاث سنين، وهو الذي لم يزل ينتظر على أحر من الجمر لحظة إعادة تأهيله في واشنطن، الأمر الذي يمكن أن ينجزه بايدن من خلال مصافحة علنية.
هل قام جونسون بتوصيل رسالة بايدن – ومفادها أن كل ذلك يتوقف على استعداد ولي العهد رفع إنتاج النفط في سبيل خفض الأسعار وإنقاذ العالم من فوضى اقتصادية إضافية؟
في مقابلة أجرتها معه مؤخراً مجلة ذي أتلانتيك، وحين سؤاله عما إذا كانت الولايات المتحدة تسيء فهم شيء ما عنه، أجاب محمد بن سلمان: “ببساطة لا يعنيني ذلك.” وأصر على أنه لا يحق لأي بلد آخر التدخل في طريقة تعامله مع رعاياه. وبذلك تبدو الإعدامات والاعتقالات وإساءات معاملة السجناء ومختلف انتهاكات حقوق الإنسان كلها من شؤون السيادة الوطنية.
باختصار، إذا أراد الغرب الحصول على نفط رخيص فإن عليهم أن يغضوا الطرف عن فظاعاته وإعداماته بدلاً من أن يضعوا مثل هذه الأمور على طاولة المفاوضات، فذلك بالضبط ما تفعله القوى الأخرى، وبالذات روسيا والصين.
استعراض العضلات
يستميت ولي العهد في سبيل الحصول على اعتراف من واشنطن بوصفه الملك القادم وبأن يتعامل بايدن معه بشكل مباشر بدلاً من مخاطبة والده، الملك سلمان، الذي بلغ من العمر عتياً (والذي خرج من المستشفى مؤخراً بعد إجراء “سلسلة من الفحوصات الطبية الناجحة”).
وبالفعل، يعلم محمد بن سلمان جيداً أن مستقبله يعتمد على تعامل واشنطن معه بشكل مباشر. بإمكانه أن يستعرض عضلاته داخل بلده وتنفيذ العدد الذي يطيب له من الإعدامات، ولكن من أجل أن يضمن العرش فهو في نهاية المطاف بحاجة لأن تقوم واشنطن ومعها بريطانيا بتزويده بما يحتاج إليه من خدمات وتكنولوجيا عسكرية، وذلك أن الولايات المتحدة مازالت أكبر مزود للسعودية بالسلاح وتأتي بعدها مباشرة بريطانيا.
كما يحتاج ولي العهد من الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من البلدان الغربية التوقف عن إعطائه الدروس حول التغير المناخي والطاقة النظيفة. لا يمكن أن تكون لوحات الطاقة الشمسية بديلاً عن حقول النفط التي تدر المليارات من الدولارات ولا عن الثروة السيادية ولا عن الوضع السياسي العالمي ولا عن خضوع الرعية للحاكم سمعاً وطاعة.
والعامل الآخر هو الحرب التي تقودها السعودية في اليمن وليست أمورها على ما يرام. ما كان لهذه الحرب أن تندلع لولا قيام الولايات المتحدة وبريطانيا بتزويد البلد بالسلاح وتوفير الحصانة لها ضد النقد الدولي سواء في أروقة الأمم المتحدة أو في غيرها من المنتديات. بينما لم تضمن هذه المساعدة لمحمد بن سلمان إنجاز النصر الذي كان يرجوه، إلا أنها كشفت النفاق الغربي حين يتعلق الأمر بالطغاة الذين هم بحاجة إليهم. فاليمنيون الذين لا يملكون شعراً أشقر ولا عيوناً زرقاء ليسوا ضمن أولويات الغرب ولا محل آهتمامه في الوقت الراهن.
الاعتزاز بالتحدي
مثله مثل غيره من المستبدين لا يبالي محمد بن سلمان بسمعته. أما فيما يسمى البلدان الديمقراطية فإن المرء يتوقع حداً معيناً من الاستقامة والنزاهة، وخاصة عندما تقوم البلدان الغربية من حين لآخر بإلقاء المواعظ على العالم حول حقوق الإنسان والسياسة الخارجية الأخلاقية.
من المؤكد أن محمد بن سلمان مازال لديه قائمة طويلة ممن يرغب في إعدامهم في القادم من الأيام، ولسوف يستمر في ذلك النهج. ولربما أعرب مواطنوه المكبوتون عن اعتزازهم بما أبداه ولي العهد من تحد لحظي خلال الأسابيع الأخيرة حين امتنع عن تأييد الولايات المتحدة وأوروبا في التنديد بروسيا ومن خلال المضي قدماً بتنفيذ الإعدامات التي يعتبرها من أمور السيادة الوطنية.
إضافة إلى ذلك لم يبالغ في الاحتفاء بزيارة جونسون إلى المملكة، فقد استقبل الزعيم البريطاني عند وصوله في المطار من قبل نائب أمير الرياض بدلاً من أن يخرج لاستقباله مسؤول رفيع المستوى، وذلك على الرغم من دور بريطانيا في إسناد المنظومة السياسية المتهالكة في المملكة.
يجني محمد بن سلمان الآن ثمار أزمة غربية تستعصي على الحل، ألا وهو الاعتماد على النفط الرخيص الذي تنتجه البلدان المحكومة من قبل أنظمة دكتاتورية.
قد يتم على المدى القصير إعادة تأهيل منتجين آخرين للنفط، مثل إيران وفنزويلا. أما على المدى البعيد فمن المحتمل أن تصبح المصادر البديلة للطاقة النظيفة واقعاً في متناول اليد. فقط حينذاك يمكننا أن نتوقع سيناريوهات مختلفة، يفكر فيها محمد بن سلمان مرتين قبل أن يتبجح بتنفيذ وجبة إعدامات جماعية سعياً منه لتحدي الغرب وإرضاء الموالين له من مواطنيه.