لا تُخفي وسائل الإعلام السعودية انحيازها التام إلى الشرعية في اليمن، على الرغم من الخلافات الكبيرة التي تطورت بين الحكومة اليمنية والإمارات، في ضوء تنفيذ الأخيرة انقلاباً في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب)، ودعم قوات انفصالية موالية لها للسيطرة على المدن الجنوبية.
وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام السعودية تبنت دعم الشرعية اليمنية ونشر بياناتها التي تهاجم الإمارات، عكس الموقف الرسمي للرياض غير الواضح مما تفعله أبوظبي في اليمن، فإنها كانت عكس نظيرتها الإماراتية، التي تبنَّت الموقف الرسمي لبلادها، وانتهجت موقفاً مهاجماً ضد الحكومة اليمنية، ووصمها بـ”الإرهاب”.
وكان لافتاً وجود وسائل إعلام تمولها السعودية، في الإمارات عملت خلال الأيام الماضية، على تبني وجهة نظر الحكومة اليمنية التي تتهم أبوظبي بالعمل على تقويض وجودها بالبلاد، وقصف الجيش اليمني وانتهاك سيادة ووحدة اليمن.
إعلام مموَّل سعودياً بالإمارات
تمتلك السعودية عدداً من وسائل الإعلام في الإمارات، تموّلها لتتبنى سياستها، كان أبرزها قناتَي “العربية” و”الحدث”، إضافة إلى صحيفة “إيلاف” الإلكترونية.
وفي السنوات الأخيرة، عززت الأسرة الحاكمة السعودية من نفقات أموال الشعب السعودي على وسائل الإعلام المملوكة علناً أو سراً للقصر الحاكم، وتحولت وسائل الإعلام لشركات دعاية خاصة خاضعة لسلطة الأمراء أو رجال الأعمال المقربين.
وتعد قناتا “العربية” و”الحدث” من أبرز وسائل الإعلام التي تعمل على إظهار سياسة السعودية، وتمضي وفق سياسات تتخذها الأسرة الحاكمة في الرياض، وهو ما يعتبر انعكاساً مباشراً للتوجهات السعودية.
وأظهرت القناتان ما ترغب فيه القيادة السعودية، في مختلف الأزمات والخلافات التي تتعرض لها المملكة، كان أبرزها حرب اليمن، وحصار قطر، ومقتل خاشقجي، والحرب في ليبيا، وغيرها من الملفات والأزمات الشائكة التي تعصف بالمنطقة.
تناقُض في أزمة اليمن الأخيرة
خلال السنوات الأربع الماضية، كانت وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية تمضي بالطريق نفسه المرسوم لسياسة البلدين في اليمن، والداعم للشرعية اليمنية، ومحاربة الحوثيين، إضافة إلى شيطنة حزب الإصلاح، ثاني أكبر الأحزاب اليمنية.
لكن التطورات باليمن، والتي بدأت بانقلاب موَّلته الإمارات في عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، في 10 أغسطس 2019، بعد دعمها مليشيا المجلس الانتقالي الجنوبي، وصولاً إلى مطالبة الرئيس اليمني السعوديةَ بطرد الإمارات من التحالف، عكَست تناقضاً بين وسائل الإعلام السعودية ونظيرتها الإماراتية.
ولعل تصدُّر قناتي “العربية” و”الحدث” ووسائل إعلام أخرى سعودية موجودة في دبي للأحداث باليمن، ونشرها بيانات الحكومة اليمنية التي تتهم الإمارات صراحةً بتمويل الانقلاب على الحكومة، وضعا تساؤلات حول مدى استمراريتها في تلك السياسات، وكيف ستتعامل معها الحكومة الإماراتية.
ويقول عبد الرحمن السلامي، أستاذ الإعلام المتخصص بالشأن اليمني: إنه “من غير المنطقي أن تتبنى وسائل الإعلام السعودية الموجودة بالإمارات تلك الحملة الموجهة ضد الإمارات بتبنّي فكرة الحياد المزعوم”.
ويضيف السلامي في تصريح لـ”الخليج أونلاين”: الحقيقة أن “السياسة في تلك القنوات والصحف والمواقع ظلت خطاً أحمر، والاقتراب منها لا يكون إلا بالحرص الشديد على التوافق مع ما تمليه سياسات القصر الحاكم، داخلياً وخارجياً”.
بن سلمان ينفرد بالإعلام
وأوضح أن ذلك النمط مستمر منذ تأسيس وسائل الإعلام السعودية أو التي تمولها، مشيراً إلى أن الأمر “استتبَّ على هذا النظام، حتى جاء بن سلمان بسياسات لا تختلف تماماً عن ذلك، غير أنها اتسمت بالتهور”.
وأضاف: “في حين كانت وسائل الإعلام السعودية موزعة على اتجاهات وتيارات مختلفة داخل الأسرة الحاكمة، تحت مظلة سياسات القصر، جاء بن سلمان ليغير قواعد اللعبة الراسخة، بأن جعل زمام كل شيء في يده منفرداً، وتحوّلت -وضمن ذلك وسائل الإعلام- إلى أبواق دعائية أحادية التوجه، ويديرها رجالاته المقربون، وذلك بعد أن أخضعها بالقوة”.
ويؤكد أن ما تفعله قناتا “العربية” و”الحدث” وبقية وسائل الإعلام يندرج في إطار سياسات ولي العهد السعودي، وأنه من غير الممكن أن تقوم وسيلة إعلام تتبعه بأي توجُّه دون موافقته.
ورغم أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، رفض اتهامات الحكومة اليمنية للإمارات، في منتصف أغسطس 2019، بالوقوف وراء انقلاب عدن، عكس ما كانت تبثُّه قناتا “العربية” و”الحدث”، يقول السلامي: إن “الرياض لا تريد أن يظهر الخلاف مع أبوظبي إلى السطح، واتخذت من وسائل إعلامها منبراً لتوجهها سواءً استمر الخلاف أو توقف”.
ضوء أخضر لمهاجمة “العربية”
في المقابل رغم الموقف الرسمي الإماراتي الذي يمجد العلاقات الوطيدة مع السعودية، فإن أبوظبي -على ما يبدو- قد أعطت ضوءاً أخضر لسياسيين وناشطين مقربين منها أو وسائل إعلامية تمولها، لمهاجمة وسائل الإعلام السعودية، وعلى رأسها قناة “العربية”.
رجل الإمارات في عدن هاني بن بريك، قائد مليشيا الانفصاليين، شن هجوماً على قناة “العربية” واتهمها بالأخونة، وهو ما أثار جدلاً واسعاً وريبة بشأن هذا الهجوم المفاجئ على قناة تعد واجهة الإعلام السعودي والمملكة حليفة الإمارات.
وكشفت تغريدة لنائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي الفريق ضاحي خلفان، المقرب من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، سبب انقلاب الإمارات المفاجئ على السعودية وشن حملة ممنهجة على قناة “العربية”، لسبِّها وشيطنتها واتهامها بـ”الأخونة”.
وقال خلفان -الذي لا يغرد من رأسه- في تغريدة بـ”تويتر”، مرفقاً صورة تُظهر القوات الشرعية اليمنية وهي تدوس عَلم الإمارات بالأقدام، بعد سيطرتهم على معسكر تابع للمجلس الانفصالي، معلقاً عليها: “شكراً لقناة الحدث وهي تعزز هذه الصورة وتنشر صور من يتفاخرون بها.. التوثيق زين”.
ليس ذلك فقط، بل استخدمت الإمارات سياستها مع وسائل الإعلام الموجودة في أراضيها، بتزوير تصريحات، كان آخرها نقلاً عن مصدر في “البنتاغون”، نقلها موقع “قناة الحرة” الأمريكية، قال فيها إن بلاده تقف إلى جوار الإمارات في حربها بأي مكان في العالم بما يخدم مصالحها.
لكن المسؤول الإعلامي بسفارة اليمن في الرياض عارف أبو حاتم، قال في تغريدة نشرها على “تويتر”، إن دبلوماسياً رفيعاً في الخارجية الأمريكية نفى صحة ذلك التصريح، وقال: إن “البيان منتحل ومزوَّر، وإن البنتاغون سيطالب قناة الحرة بالاعتذار”.
هل تطرد الإمارات وسائل إعلام سعودية؟
يقول الصحفي عبد المجيد المحجري: إن “الأزمة بين الإمارات والسعودية ربما لم تصل إلى مرحلة الخصام في الوقت الحالي، وهو ما قد يجعل طرد وسائل الإعلام تلك مستبعَداً في الوقت الحالي”.
ويشير في حديثه إلى أن سياسات السعودية التي آلت إلى أبناء زايد في إمارة أبوظبي خلال الفترة الحالية، تجعل وسائل الإعلام السعودية تتبنى إلى حد كبير، سياسات الإمارات، رغم ما حدث مؤخراً.
ويؤكد في حديثه مع “الخليج أونلاين”، أن الإمارات تتعامل بذكاء مع السعودية، لأنها لا ترغب في خسارة أكبر حليف بالخليج، في سبيل تحقيق كثير من الأهداف لمصلحتها سواء في اليمن، أو بعدة دول عربية.
ويضيف: “الإمارات لا تريد أن تصعّد الأزمة غير الظاهرة مع السعودية، ولن تتخذ هذه الخطوة حالياً، لأنها لو خسرت الرياض، فقد تخسر تحكُّمها في المشهد بالوطن العربي والذي جعل السعودية في الواجهة”.
سيطرة على الإعلام
ويطمح محمد بن سلمان إلى سحب بساط الإعلام من تحت أقدام الإمارات، من خلال تفكيره في إنشاء مدينة إعلام بالمملكة.
ونقلت وسائل إعلام فرنسية، في أبريل الماضي، أن النظام السعودي طلب من مؤسسات استشارية بمجال الإعلام في باريس رسم خطوط عريضة للمشروع، والبدء فيه لتكون مدينة إعلامية كبرى تنافس “مدينة دبي للإعلام” التي تضم كثيراً من وسائل الإعلام السعودية الخاصة.
وأوضحت أن السعودية تسعى للسيطرة على الإعلام الإقليمي، ونزع السلطة الإعلامية من يد نظام أبوظبي، الذي يسيطر الآن إلى جانب القاهرة على أغلب وسائل الإعلام في المنطقة، حتى إن أغلب الصحف الخاصة والقنوات التلفزيونية السعودية تصدر من مدينة دبي للإعلام، وهو ما يقلق النظام السعودي، الذي يبدو أنه يتطلع إلى السيطرة على إعلام المملكة وإعلام المنطقة العربية.
وأشارت إلى أن خبراء فرنسيين في مجال الإعلام يعكفون على رسم تفاصيل المشروع بما يحقق للنظام السعودي تطلعاته.