تزايد اعتماد العائلة المالكة بالسعودية، خلال السنوات الأخيرة، على خدمات جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة في الولايات المتحدة وأوروبا.

وشهد هذا التوجه نموا متناميا منذ مقتل الكاتب الصحفي السعودي “جمال خاشقجي” في قنصلية بلاده بإسطنبول، أكتوبر/تشرين الأول 2018.

ويعد ولي العهد “محمد بن سلمان” من أكثر الساسة الخليجيين اعتمادا على جماعات الضغط تلك؛ حيث يستغلها لتوثيق علاقته بإدارة “دونالد ترامب”.

 

إنفاق متزايد

تعد المملكة من أعلى الدول إنفاقا على جماعات الضغط وشركات العلاقات العامة؛ لاستقطاب تأييد الساسة الأمريكيين ودوائر البنتاجون والخارجية والكونجرس.

واحتلت السعودية المرتبة الخامسة في سلم تدفق الأموال لشركات الضغط والعلاقات العامة في أمريكا عام 2017، حسب مركز السياسة المستجيبة “سي آر بي”، المتخصص في إحصاء الموارد المالية للحملات الانتخابية.

وبلغ حجم الإنفاق السعودي في 2017 فقط، قرابة 27 مليون دولار جرى تخصيصها لشركات الضغط وشركات العلاقات العامة، وهو تقريبا 3 أضعاف ما أنفقته الرياض عام 2016، حسب مدير مبادرة الشفافية في التأثيرات الأجنبية بمركز السياسة الدولية “بن فريدمان”.

وأنفقت السعودية في العام 2018 أكثر من 34 مليون دولار على الضغط السياسي في الولايات المتحدة وحدها، حسب مركز “ريسبونسيف بوليتيكس”.

ومنذ مقتل “خاشقجي”، ارتفع عدد شركات الضغط المدافعة عن المصالح السعودية من 20 إلى 25 شركة، وفق صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.

ويُظهر تحليل لسجلات قانون تسجيل العملاء الأجانب لعام 2017، أن تلك الشركات قدمت نحو 400 ألف دولار في المساهمات لحملات أعضاء بمجلسي النواب والشيوخ.

 

أدوار ومهام

وتتعدد المهام التي تقوم بها شركات الضغط العاملة لصالح السعودية، وتتفاوت بين تبييض صورة “بن سلمان”، إلى تشويه خصومه، ومن دعم صفقات الأسلحة، إلى إطالة المساعدات الأمريكية لحرب المملكة في اليمن المستمرة منذ العام 2015.

وتركز شركات الضغط على الترويج لولي العهد وإصلاحاته، وصناعة حالة من الود بينه وبين زعماء ونجوم العالم في مجالات مختلفة، من الفن إلى الرياضة، ومن السياسة إلى الاقتصاد.

ومن الأهداف السعودية، كذلك، الدفاع عن سلبيات الحكومة وسجلها المتردي في مجال حقوق الإنسان بهدف التقليل من الضغط السياسي الدولي، وجذب الاستثمارات لتحقيق النمو الاقتصادي، وفتح المجال أمام السياحة الأجنبية.

ويتم توظيف هذه الشركات أيضا للحصول على الحماية السياسية للمصالح التجارية الهائلة التي تتمتع بها الدول الخليجية في الولايات المتحدة.

وتضم لوبيات الضغط، شبكة كبيرة من أعضاء الكونجرس السابقين، وخبراء في مراكز بحثية، وصحفيين، ومراسلين يعملون مع كل وسائل الإعلام الرئيسية، وتمتد في حالة السعودية إلى عدد من مستشاري “ترامب” والدوائر المقربة منه، خاصة صهره “جاريد كوشنر”.

 

شركات مؤثرة

من أبرز شركات الضغط العاملة لصالح السعودية، “كارف” للاتصالات، وهي شركة علاقات عامة في نيويورك، جرى التعاقد معها العام 2018.

ويقول مدير الشركة “أندرو فرانك” إن شركته لا تضغط على أعضاء الكونجرس، ودورها هو مجرد “بناء الجسور”.

وتتركز مهمة “كارف” على إنشاء تمييز بين صندوق الثروة السيادية، الذي يرأسه “بن سلمان”، والقيادة السياسية بالسعودية.

وهناك شركة “آكين جامب ستروس” للمحاماة، التي وقع معها الصندوق السيادي السعودي عقدا مقابل 535 ألف دولار، حسب شبكة “بلومبرج” الأمريكية.

وتقدم الشركة للرياض خدمات التواصل مع مسؤولين حكوميين؛ للموافقة على الاستثمارات الحالية والمتوقعة في الولايات المتحدة، والضغط للحصول على مصادقات مستقبلية على  عمليات الاستحواذ التي ينوي الصندوق تنفيذها.

وتركز “آكين جامب” على اللجنة المختصة التي تراجع عمليات الاستحواذ الأجنبية على شركات أمريكية.

في السياق ذاته، لجأت المملكة إلى رئيس قسم الطاقة في شركة “كنجز أند سبلادينج” للمحاماة “جيف ماريفيلد”؛ بهدف دعم مساعي الرياض لامتلاك التكنولوجيا النووية.

ويعود الاستعانة بـ”ماريفيلد” إلى عمله في لجنة التنظيم النووي (وكالة أمريكية مستقلة معنية بمراقبة مسائل الطاقة النووية).

بينما تقوم شركة “بيرسون مارستيلار” بالترويج للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن؛ رغم تسببه في أسوأ كارثة إنسانية حول العالم، حسب وصف الأمم المتحدة.

 

غزو إعلامي

وفي محاولة للاحتفاء بسياسات “بن سلمان” ومظاهر الانفتاح الاجتماعي التي أقرها داخل المجتمع السعودي، تفاوضت الحكومة السعودية مع شركة “Vice Media” لإنتاج أفلام وثائقية معنية بإبراز ذلك.

وتركز الشركة على دغدغة مشاعر الأمريكيين عبر دعاوى الانفتاح السعودي على صناعة السينما والمسرح، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، والسماح لها بالسفر دون محرم، وتحجيم سلطة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ومن بين شركات الضغط التي حظيت بتعاقدات سابقة مع النظام السعودي، شركة “ماثيو فرويد” للعلاقات العامة، وشركة “ميل تاون بارتنرز”.

وفي أوروبا، تعد العاصمة البريطانية لندن أهم ساحات النشاط السعودي؛ كونها تضم العديد من شركات العلاقات العامة البريطانية والعالمية التي تلقبها الصحافة البريطانية بـ”مغاسل لندن”؛ حيث تربح الملايين بتقديم الاستشارات لأنظمة وحكومات ذات سجل أسود في قضايا حقوق الإنسان.

وتعد السعودية هدفا لشركات الضغط؛ كونها زبونا سخيا، لكن هذا الاتجاه تعرض لانتكاسة بعد مقتل “خاشقجي”، حيث تهربت الكثير من الشركات من العمل مع الرياض، حسب “ميدل إيست أي”.

ورغم الجهد الكبير الذي تلعبه شركات الضغط المدعومة من قبل دفتر الشيكات السعودي القوي، تبقى الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن أنشطة اللوبيات وحدها لا تكفي لإصلاح صورة بلد أو شخص، ما لم يتم بذل ما يكفي من الجهد، لتغيير السياسات على أرض الواقع.