بقلم/ حسين إبراهيم (صحفي لبناني)
لا تنتهي محاولات وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، لإعادة أحد أبرز مستشاريه وأكثرهم تمتُّعاً بثقته، سعود القحطاني، الذي يُعتبر الوجه الأشدّ قساوة للنظام، إلى عمله في الديوان الملكي.
ذلك أن الرجل تمكّن من فرض حالة رعب أسكتت الكثير من المعارضين، وهو المسؤول عن قتل الصحافي جمال خاشقجي وتعذيب الكثير من السجناء، ولا سيما الناشطات الذين تحرّش جنسياً ببعضهنّ، وفق أدلّة كثيرة أوردتها الصحافة العالمية.
على أن العودة هذه، دونها صعوبات كثيرة، أبرزها العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على كامل «كتيبة الإعدام» المتورّطة في قتل خاشقجي، والتي ربّما تُمثّل سبباً إضافياً بالنسبة لوليّ العهد للتمسّك بإعادة القحطاني.
وذلك من باب التحدي الذي دأب عليه بمواجهة الأميركيين، أو من باب الحاجة إلى شخص مثله مع مضي الأيام وعجز الملك، بما قد يشير إلى اقتراب استحقاق انتقال السلطة
على وقع الشَيْلات السعودية (حداء سريع الإيقاع)، تُخاض منذ أشهر، بأمر من وليّ العهد محمد بن سلمان، حملة لإعادة بيْع وجه المستشار البارز سعود القحطاني شعبياً داخل المملكة، بعد سنوات قليلة من اضطرار ابن سلمان لإحراقه، مع كامل “كتيبة الإعدام” التي قادها ولي العهد، عبر القحطاني، لاغتيال الصحافي جمال خاشقجي، افتداءً لنفسه بهم.
ومع أنه قد يَظهر أن من الصعب إعادة الرجل إلى الدوام علناً في الديوان الملكي، الذي قد يكون بقي فيه أصلاً بشكل سرّي، إلّا أن إصرار ابن سلمان على إشهار وجوده ضمن دائرة المستشارين، يحمل في ذاته دلالات عدة، أبرزها محاولة اختبار ردّ فعل إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، التي فرضت عقوبات على القحطاني وكامل فريقه، وافتدت بهم وليّ العهد، الذي اكتفت بمقاطعته من قِبَل الرئيس وأبرز أركان الإدارة.
ما أثار مشكلة للحاكم الفعلي للمملكة، بخاصة أن استحقاق انتقال السلطة رسمياً يقترب كلّما مضت الأيام، بالنظر إلى حال العجز والمرض التي يعيشها الملك سلمان، الذي يكاد الآن لا يمارس شيئاً من صلاحياته.
وربّما من هنا تنشأ حاجة ابن سلمان إلى شخص مثل القحطاني، بخاصة إذا ما برزت، بمناسبة الانتقال، ضرورة لتصعيد حملة القمع التي أثبت الأخير كفاءة عالية فيها.
من المعروف أن إدارة ابن سلمان للحُكم في المملكة، بعيداً من الأداء اليومي للحكومة، لها جناحان:
أحدهما “ناعم” يقوده تركي آل الشيخ عبر عملية تغيير قسرية للمجتمع السعودي نحو الليبرالية، من خلال حملة الترفيه التي تَوّجها “موسم الرياض” هذا العام الذي استخدم مجموعة كبيرة من الفنانين العرب، بكلّ ما رافقه من رقص في الشوارع جديد كلّياً على المملكة المتزمّتة عادة، ومظاهر انحراف مثل تعاطي الماريجوانا والتحرّش الجنسي.
أمّا الجناح الثاني فيقوده الوجه القاسي للسلطة، أي القحطاني، الذي يسمّيه الكثير من السعوديين بالمجرم المتحرّش، ومهمّته سحْق المعارضة الداخلية من خلال السجن والتعذيب، أحياناً حتى الموت، والتآمر على المعارضة الخارجية، وإدارة الحملات الإلكترونية في كلّ ما يواجه حُكم وليّ العهد من مخاطر، على اتّساع العالم.
يقوم الترويج لعودة القحطاني، على استثارة الحَميّة “الوطنية”، من خلال تصويره على أنه شخص متفانٍ في خدمة بلاده بكفاءة عالية، وأبرز مظاهر هذه الخدمة هو الحرص على تقديم الكفاءات السعودية على حساب الأجنبية، العربية تحديداً.
الأمر الذي ظهر جلياً في ما نُقل عنه أخيراً من استيائه من عاملين في المؤسسات الإعلامية السعودية، صحافيين وتقنيين، مِمّن لا يخدمون المملكة لقاء ما يحصلون عليه من أموال، أو حتى يسيئون إليها، قائلاً “أكرشوهم” (أي اطردوهم).
والقحطاني، بحسب المهام الملقاة على عاتقه، يُعتبر أبرز مَن في دائرة ابن سلمان، ولا غنى عنه ولا بديل منه، وربّما يعود إلى قسوته الفضلُ في فرض حالة الرعب التي أسكتت الكثير من المعارضين.
وخاصة أنه، فضلاً عن قتل خاشقجي وتقطيع جثته، تولّى شخصياً تعذيب ناشطات جرى اعتقالهنّ لأسباب بسيطة مِن مِثل المطالبة بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، ومن بين هؤلاء لجين الهذلول التي أفادت أسرتها بأن القحطاني وبعض عناصر الأمن قاموا خلال إخفائها القسري في سجن سرّي عام 2018، بصعقها بالكهرباء وجَلدها والاعتداء عليها جنسياً وحرمانها من النوم، حيث قال لها القحطاني: “سأقتلك وأقطعك إرباً إرباً وأرميك في المجاري. لكن قبل ذلك، سأغتصبك”.
كما أنه من المتّهمين في قضية محاولة اغتيال المسؤول السعودي السابق، سعد الجبري، في كندا.
وتقوم حملة تعويم القحطاني، كذلك، على محاولة تبرئة الرجل من دم خاشقجي، باعتبار أن “سلطة الشرع” في المملكة، والتي هي “أعلى سلطة في العالم”، على حدّ وصف الذباب الإلكتروني، قضت ببراءته من هذه التهمة.
لكن تلك الحملة، فتحت، في المقابل، الباب أمام الكثير من السعوديين الذين اغتنموا الفرصة للهجوم على القحطاني، وتعداد خصاله الحقيقية بوصفه مجرماً متحرّشاً ومعذِّباً للمعارضين في السجون، حيث تَعتقل السعودية مئات الناشطين والدعاة والمفكرين وأبناء الأسرة المالكة، وتُصدر أحكاماً بالإعدام في قضايا رأي.
وفي هذا المجال، لم يتوقّف القحطاني عن القيام بدوره يوماً واحداً، بحسب ما يُجمع عليه الكثير من المعارضين السعوديين، وهو ما زال يقود الحملات الإلكترونية، ويدير شخصياً حسابات معروفة بالأسماء، كما يشرف على برامج تجسّسية على الهواتف مثل “بيغاسوس” الإسرائيلي.
وقد تورّط أحد المقربّين منه مع الأمير سطام بن خالد آل سعود وموظفين من شركة “دارك ماتر” الإماراتية للأمن السيبراني، في التجسّس على الصحافية في قناة “الجزيرة” غادة عويس، بهدف سرقة صور خاصة لها من هاتفها وعرضها علناً، انتقاماً منها لانتقادها النظام السعودي، وفق تسجيلات هاتفية نشرت مضمونَها صحيفة “دي تسايت” الألمانية.
وقبل أيام قليلة، كشف حساب “العهد الجديد” على “تويتر”، الشهير بالتسريبات السياسية والذي يتابعه نحو نصف مليون شخص، أنه “بعد انتشار أخبار تَردّده إلى الديوان، غيّر القحطاني مكان عمله”، مضيفاً أنه “أصبح يعمل الآن من مكتب في جامعة الأميرة نورة (مباني الجامعة معروفة بضخامتها، وقد خصّص أحد مبانيها لتكون مكتباً له)”.
وأشار حساب “رجل دولة” الشهير في السعودية، بدوره، إلى المهام المُكلَّف بها القحطاني حالياً، قائلاً إنه “يترأّس الكثير من اللجان التي يشكّلها ابن سلمان بشكلٍ سرّي، خصوصاً تلك المكلَّفة بالمراقبة والتجسّس”.
وكانت صحيفة “الغارديان” البريطانية قد نقلت، الشهر الماضي، عن مسؤول سعودي شاهد القحطاني، أن الأخير يبدو متوتّراً جدّاً ومذعوراً، مضيفاً أنه “لا يزال يحاول الابتعاد عن الأضواء”، في ما قد يفسّر جزئياً تعثُّر عودته إلى عمله السابق.
وخاصة أن هذه ليست المرّة الأولى التي يحاول فيها العودة؛ إذ كان موقع “إنتلجنس أونلاين” الفرنسي المتخصّص في شؤون الاستخبارات، قد كشف عن محاولة من هذا القبيل في أواخر كانون الثاني 2020، قائلاً إن مجموعة من المسؤولين السعوديين أحبطت مساعيه تلك، عبْر “تحريك قضية قرصنة هاتف جيف بيزوس لتشويه سمعة الرجل المُلوَّثة أصلاً”.