في الوقت الذي يطالب فيه العراقيون حكومتهم من خلال مظاهرات واسعة بدعم الإنتاج المحلي وجلب شركات الاستثمار إلى الداخل، وإعادة النشاط الزراعي لإنعاش الاقتصاد وتوفير فرص العمل، وجه ائتلاف سياسي عراقي كبير دعوة لوقف مشروع استثمار سعودي كبير اعتبرها مختصون تهديداً صريحاً بدعم من طهران.
واعتبر ائتلاف “دولة القانون” الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، في بيان له، السبت (31 أكتوبر 2020)، مشروع منح السعودية أراضي للاستثمار في “بادية العراق” خطوة نحو “استعمار جديد تحت عنوان الاستثمار”.
وقال إن هذا المشروع له “تداعيات خطيرة على أمن وسيادة البلاد، فضلاً عن أنه يسهم في الإضرار بمخزون العراق الاستراتيجي من المياه الجوفية”.
وأضاف البيان أن ائتلاف دولة القانون يرى في هذا المشروع “إثارة الكثير من الشكوك والتساؤلات عن أهداف إصداره في هذا الوقت، لا سيما أن هذا المشروع طرح أكثر من مرة في زمن الحكومات السابقة، ورفض لاعتبارات استراتيجية مائية وأمنية، ولأنه يحمل في طياته الكثير من التجاوز على حقوق العراقيين”.
وشدد الائتلاف على ضرورة “إيقاف رخصة المشروع الذي يمنح السعودية 150 ألف دونم في بادية العراق”، داعياً “العشائر العراقية الأصيلة وكل القوى الوطنية إلى رفض المشروع وإيقافه”.
أهمية المشروع
تتجه السعودية إلى استثمار مليون هكتار (الهكتار 10 آلاف متر مربع) من الأراضي العراقية بهدف تحويلها إلى حقول ومزارع لتربية الأبقار والماشية والدواجن؛ ليكون بذلك أكبر مشروع استثماري زراعي في العراق على الإطلاق، مستفيدة من تجارب شركاتها مثل “المراعي” وغيرها.
ومن المتوقع أن يُقام المشروع في باديتي محافظتي الأنبار (غرب) والنجف والمثنى (جنوب).
تشير التقديرات إلى أن المشروع سيوفر فرص عمل لما لا يقل عن 60 ألف شخص، ويغطي الحاجة المحلية للعراق من المنتجات الزراعية والحيوانية؛ فضلاً عن تصدير الفائض.
ونظراً لتمتعها بوفرة في المياه الجوفية فإن البادية العراقية بإمكانها أن تتحول إلى واحة منتجة في حال جرى استغلالها بالشكل الصحيح، بحسب مختصين في الشأن الاقتصادي.
وتبلغ نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في العراق 27% من إجمالي مساحة البلاد، أي ما يعادل 48 مليون دونم (الدونم يعادل 2500 متر مربع)، غير أن المستغل منها فعلياً لا يتجاوز 12 مليوناً فقط.
ويستورد العراق ما يزيد عن 75% من احتياجاته الغذائية، و91% من السلع الأخرى من خارج البلاد، وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً على ميزانيته التي تغطيها إيرادات بيع النفط.
ويجري تداول المشروع في المجلس التنسيقي المشترك بين البلدين، الذي تأسس في أكتوبر 2017، وهو ثمرة جهود حكومة رئيس الوزراء الأسبق، حيدر العبادي.
ثمرة عودة العلاقات
وكانت العلاقات انقطعت تماماً بين العراق والسعودية في أعقاب غزو نظام الرئيس الراحل صدام حسين للكويت، مطلع تسعينيات القرن الماضي.
واستؤنفت العلاقات بين البلدين في أعقاب إسقاط نظام صدام عام 2003، لكنها كانت خجولة جراء تحفظ السعودية على دور إيران المتصاعد في العراق، وذلك قبل أن تتحسن تدريجياً في عهد العبادي.
وأبرم المجلس التنسيقي المشترك بين البلدين 16 مذكرة تفاهم حتى الآن، أفضت 4 منها إلى اتفاقات على أرض الواقع، بينها تسيير رحلات جوية وخط نقل بحري.
صراع إقليمي
وتعتبر إيران اللاعب الإقليمي الأبرز في العراق بحكم صلاتها الوثيقة مع حكام العراق “الشيعة”، الذين كانوا يحظون بدعم طهران إبان معارضة نظام صدام حسين.
وفق مراقبين فإن الدور المتعاظم لإيران في العراق أثار مخاوف سعودية كبيرة، لشعور الرياض بتمدد النفوذ الإيراني على حدودها الشمالية؛ ما يجعل من المشروع فرصة لكسر هذا النفوذ.
وبحسب المحلل السياسي العراقي إياد الدليمي، الذي تحدث لـ”الخليج أونلاين” فإن بيان “ائتلاف دولة القانون” جزء من “حرب النفوذ التي تقف وراءها إيران”، مؤكداً أن الأخيرة “لا ترى أن هناك أي إمكانية لوجود عربي في العراق”.
وليس بجديد القول إن الكثير من القوى السياسية والمسلحة في العراق هي مرتبطة بشكل أو آخر بإيران -بحسب الدليمي- وعليه يرى أنه “لا يمكن قراءة مثل هذه التصريحات إلا في إطار صراع النفوذ المحتدم على الأرض العراقية منذ عقد ونصف”.
لإيران في العراق قوة ونفوذ وسيطرة جاءت على أثر “التحركات العربية الخجولة منذ احتلال العراق عام 2003″، يقول الدليمي، الذي يعتبر أن بعض الدول العربية تحاول الآن أن تجد لها مكاناً في صراع النفوذ، لكن تلك الجهود “لم تفلح حتى الآن”، مضيفاً: “كلنا نتذكر المحاولات السعودية السابقة لايجاد موطئ قدم لها في العراق، وكيف أنها باءت بالفشل”.
الدليمي يعتقد أن خطاب الائتلاف السياسي الذي يقوده نوري المالكي “رسالة إيرانية للسعودية مفادها أن العراق ملعبنا ونحن من يحدد من ينزل إلى هذا الملعب وبشروطنا”.
ولأجل أن تكسب السعودية “يجب عليها أن تقدم شيئاً لإيران إن كانت فعلاً تريد أن تدخل الساحة العراقية، وهو ما تفهمه السعودية جيداً، غير أنها هذه المرة ذهبت مندفعة اعتقاداً منها بأن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي يمكن أن يضمن لها هذا الوجود”، مشدداً القول بأن “الكاظمي أضعف من أن يفعل ذلك”.
السياسة الناعمة
بدوره يرى الخبير العسكري العراقي حاتم الفلاحي أن السعودية تنفذ “رغبة أمريكية بالدخول إلى العراق، فضلاً عن مصالحها الأمنية التي تتمثل بمواجهة المشروع الإيراني في العراق كما يجري في اليمن من خلال استخدام السياسة الناعمة”.
في حديثه أعرب الفلاحي عن اعتقاده بحاجة العراق لمشاريع استثمارية مثل التي أعلنت عنها السعودية، لكن هذه الاستثمارات وفق قوله “تسببت بانقسام داخلي في العراق؛ فالمليشيات الولائية التابعة لإيران تسمي هذا الاستثمار بأنه استعمار جديد للعراق واستيلاء على هذه المحافظات وثروات العراق”.
وأشار إلى أن “سيطرة المليشيات على هذه المحافظات والمشهد العراقي بشكل كامل جعلها تتغول في كثير من الملفات وخاصة الملفات السياسية، وهي الآن من تحدد وهي التي تفرض وجودها بقوة السلاح”.
وذهب الفلاحي بالرأي إلى ما ذهب إليه ائتلاف دولة القانون حول أن الصحراء غير آمنة، موضحاً: “تنظيم الدولة الذي أخرج منها (نهاية 2017) لم يتم القضاء عليه، وهو ينشط بشكل كبير جداً، خاصة في مناطق بعيدة عن هذه المنطقة”.
ولكون هذه المنطقة صحراوية فهي “يسهل فيها الاختباء والتنقل وغيرها، وبذلك فهي تحتاج إلى إجراءات أمنية كبيرة لغرض تأمينها”، وفق الفلاحي.
وتابع: “من يسيطر على هذه المناطق الآن هي مليشيات الحشد الشعبي، وهي لا تفرق عن تنظيم الدولة، حيث تقوم بجميع الأفعال التي يقوم بها من خطف وقتل وغير ذلك، إضافة إلى أنها تعمل خارج القانون ولا تستطيع الحكومة مواجهتها”.
وعلى أثر هذا فإن أي استثمار في هذه المناطق -يقول الفلاحي- قد يؤدي إلى مشاكل تواجه الاستثمار.
ولكن الاستثمار بحاجة إلى بيئة آمنة، يقول الفلاحي، مشيراً إلى أن “العراق غير آمن حالياً لأي استثمارات خارجية”، مفيداً بأن مستثمرين محليين غادروا البلاد لعدم توفر البيئة الآمنة.
من جانب آخر يتطرق الفلاحي إلى ما أسماه “انقسام سياسي حاد في العراق”، يقول إن سببه “تيار تابع لإيران يملك تياراً سياسياً وعسكرياً وقوة ونواباً في البرلمان وغطاء سياسياً. ومن ثم فهؤلاء يرفضون أي تقرب للدور العربي على حساب النفوذ الإيراني”.