رأت مجلة الإيكونوميست البريطانية الشهيرة، أن الجانب المظلم في حكم محمد بن سلمان للسعودية هو أن ولي العهد جعل المواطنين يقومون بالإبلاغ عن بعضهم البعض، عند رؤية تعليقات انتقادية على وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبح شائعاً إطلاق الاتهامات بالخيانة.
وأبرزت المجلة في تقرير موسع لها ترجمه سعودي ليكس، أن الحكومة السعودية تقوم بإحداث ثغرات في العقد الاجتماعي داخل المملكة، حيث يدفع بن سلمان أشكالاً جديدة من القومية، حتى مع استيراد حشود من العاملين الأجانب إلى المنطقة.
وقالت المجلة إن هناك حالة من التناقض تحدث داخل السعودية؛ حيث يقوم نظام بن سلمان بإنفاق مليارات الدولارات على رياضة الغولف، وعقد ضخم مع رونالدو، دون تقديم أي فوائد كبيرة تخدم المواطنين.
ونبهت إلى أنه لعقود من الزمن، كانت الهوية الإسلامية متجذرة في السعودية؛ لكن بن سلمان يريد تغيير ذلك، وينفق المليارات لتطوير آثار العلا، وبشكل مفاجئ أصبح التاريخ الوثني ليس منبوذاً في المملكة، ويتم الاحتفال به بدعم من الحكومة.
ورأت المجلة أن الإصلاحات في دول الخليج أصبحت حقيقة أخيرا لكنها تبقى محفوفة بالمخاطر كون أن التغييرات الاجتماعية والاقتصادية جعلت الحياة أصعب.
وأشارت إلى أن الدفع نحو المزيد من التنوع والقدرة التنافسية في دول الخليج في مقدمتها المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة يهدد بعزل المواطنين.
ورصدت المجلة لحظة التغيير الاجتماعي والاقتصادي التي دخلت دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، قائلة إن الصورة النمطية السائدة عن مواطني دول الخليج بأن حياتهم مكرسة لركوب السيارات الفارهة وقضاء الإجازات في أوروبا ومنتجعات آسيا لم تعد معبرة عن الواقع بشكل كبير، فالتغيرات التي شهدتها تلك الدول بدأت تجعل الحياة مرهقة لكثير من الخليجيين.
وقالت إنه على مدى عقود من الزمان، حافظ الأعضاء الستة في مجلس التعاون الخليجي، وهو نادٍ للممالك البترولية، على عقود اجتماعية متقاربة تقوم على امتلاء خزائنهم بعائدات النفط والغاز، ليجني المواطنون الفوائد في شكل إعانات ووظائف سهلة في القطاع العام، وكان الأجانب يأتون ويعملون فقط طالما كانوا مفيدين.
وعاشت المجموعتان (المواطنون والوافدون الأجانب) حياة منفصلة في الغالب.
لكن السنوات القليلة الماضية حملت تغييرات سريعة في دول الخليج، حيث تتخلص السعودية من العديد من قيودها الاجتماعية وتحاول الانفتاح على العالم، وهناك حديث في جميع أنحاء الخليج عن دفع المواطنين للخروج من الأعمال العامة السهلة إلى أعمال القطاع الخاص التي تتطلب مشقة ومهارة، بحسب المجلة.
وتضيف: بدأت بعض الحكومات الخليجية في تنفيذ سياسات لم يكن من الممكن تصورها، مثل تخفيضات الدعم والضرائب الجديدة إلى إقرار قوانين مدنية بعيدة عن الطبيعة الدينية المحافظة بتلك الدول، مثثل الزواج المدني في الإمارات.
في الكويت، يبدو الأمر كأن شيئًا لم يتغير منذ جيل (ما أثار استياء العديد من المواطنين)، ومع وجود مخزون هائل من الغاز الطبيعي وقلة في عدد السكان، فإن قطر ليست في عجلة من أمرها لتقليص فاتورة الأجور العامة.
لكن السعودية والإمارات تحركتا بشكل أسرع، حيث يمثلان معًا أكثر من 75% من سكان دول مجلس التعاون الخليجي و70% من إجمالي الناتج المحلي البالغ 2 تريليون دولار أمريكي.
وتقول المجلة: “سيكون لتجربتهما (السعودية والإمارات) تأثير كبير على المنطقة”.
وتشير إلى أن الحكام في كلا البلدين يعتقدون أن هذه هي اللحظة المناسبة لإحداث تغيير، لديهم خطط جادة (وإن لم تكن حاسمة حتى الآن) لتنويع اقتصاداتهم والاستعداد لعصر ما بعد النفط، ويريدون أن يكونوا لاعبين عالميين في الدبلوماسية والأعمال، وفي نفس الوقت محاولة إبقاء مواطنيهم سعداء.
وبحسب التقرير، هم أيضا في صراع، فالتنويع يعني دفع المواطنين إلى القطاع الخاص الذي يكون البعض غير مستعد له، وهو يعني أيضًا تخفيضات في المنافع تُحدث ثغرات في العقد الاجتماعي الأبوي.
للتعويض، يدفع الحكام أشكالًا جديدة من القومية، حتى وهم يسعون وراء خطط تتطلب استيراد حشود من الأجانب إلى منطقة يكون فيها حوالي نصف السكان مهاجرين بالفعل.
وشهدت السعودية في عهد محمد بن سلمان، حاكمها الفعلي الآن، تغييرات اجتماعية كبيرة، مثل السماح للمرأة بقيادة السيارات، وإعادة فتح دور السينما، واستضافة الحفلات الترفيهية والفعاليات الرياضية العالمية والإقليمية الضخمة، وسيتم السماح بالكحول في بعض الأماكن لجذب السائحين.
وهذه الثورة الاجتماعية، جعلت السعودية أكثر جاذبية للأجانب، لاسيما بعد أن طلب الأمير محمد بن سلمان من الشركات متعددة الجنسيات نقل مكاتبها الإقليمية إلى المملكة بحلول عام 2024 أو المخاطرة بخسارة العقود الحكومية.
كل هذا يشكل تحديًا لدولة الإمارات العربية المتحدة التي طالما كانت مركز الأعمال المفضل في الخليج، كما تقول المجلة.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، أقرت الإمارات تغييرات في قوانين الأسرة التي طالما كانت تحكمها الشريعة (القانون الإسلامي)، وبدأت العاصمة أبوظبي في إجراء الزيجات المدنية لغير المسلمين في عام 2021، وحذت الإمارات الست الأخرى حذوها في فبراير/شباط الماضي.
ومنذ عام 2020، سُمح للشركاء غير المتزوجين بالعيش معًا، وكان ذلك في السابق جريمة، وباتت قوانين الكحول المخففة تسهل على المسلمين الانغماس في حياة غير المسلمين.
وفي العام الماضي، غيرت الإمارات التقويم، وتخلت عن عطلة نهاية الأسبوع يومي الجمعة والسبت (والتي سمحت للمسلمين المتدينين بحضور صلاة الجمعة) لصالح يوم السبت والأحد، لتتكيف بشكل أفضل مع بقية العالم.
وتقول المجلة إنه منذ عام 2018، فرض 4 من دول مجلس التعاون الخليجي الست ضريبة القيمة المضافة، وستبدأ الإمارات في تحصيل ضريبة الشركات بنسبة 9% في يونيو/حزيران المقبل. ولا تزال ضريبة الدخل موضوعًا محظورًا، لكنها لن تظل كذلك.
كان العقد الاجتماعي في الخليج يعني عدم وجود ضرائب على المواطنين والمغتربين.. لم يعد هذا هو الحال. تصبح الحياة أكثر تكلفة بطرق أخرى أيضًا، حيث تخلصت الإمارات من دعم الوقود في عام 2015.
لا يزال البنزين في الإمارات رخيصًا بالمعايير العالمية، لكنه أغلى بنسبة 30% مقارنة بالسعودية وحوالي 150% أغلى منه في الكويت.
رفعت معظم دول الخليج أسعار الكهرباء والمياه التي كانت في السابق أقل بكثير من أسعار السوق. وحتى سلطنة عمان، التي لم تغير تعرفة الكهرباء لمدة 33 عامًا، تخلصت من ميزة السعر المخفض للمواطنين، فهم يدفعون الآن نفس ما يدفعه الوافدون.
وترى المجلة أن هذه التغييرات كان لها تأثير فعلي إيجابي، حيث توقعت الميزانية السعودية لعام 2012 أن تسهم المصادر غير النفطية بأقل من 8% من إجمالي الإيرادات، لكن بعد عقد من الزمان، وحتى مع ارتفاع أسعار النفط، وصل هذا الرقم إلى 31%.
لكن بالنسبة للمواطنين، جعلت الضرائب المرتفعة والإعانات المنخفضة الحياة أكثر صعوبة.
ويقول التقرير: “السؤال هنا- بينما تحاول دول الخليج تغيير اقتصاداتها ومجتمعاتها – هو: ما إذا كان بإمكانها الحفاظ على هذه الثقة”.
يتمثل أحد المخاوف، التي يعبر عنها الغربيون عادة، في أن الانفتاح سيؤدي إلى رد فعل محافظ.
ويؤجج دبلوماسيون خليجيون يخدمون مصالحهم الذاتية هذه المخاوف، مثل المدافعون عن الأمير “محمد بن سلمان”، حيث يبررون حملات القمع التي يمارسها باستدعاء شبح المحافظة الدينية التي تتحين الفرصة للقضاء على الانفتاح الذي تحقق.
ربما تكون هذه المخاوف مبالغ فيها، تقول المجلة، فالجيل الأصغر من الخليجيين أكثر انفتاحًا من آبائهم، وبمجرد أن أصبحوا قوة منظمة، تقلص نفوذ الإسلاميين وأصحاب وجهات النظر الدينية المحافظة.
بدورها الإمارات لا تنشر أرقاماً موثوقة عن البطالة، لكن التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن حوالي 11% من الشباب عاطلون عن العمل.
وفي السعودية، هناك 17% من المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة لا يمكنهم العثور على عمل.
تضاعف معدل بطالة الشباب في البحرين تقريبًا خلال العقد الماضي، حيث وصل إلى 10% في عام 2021.
وتعكس هذه الأرقام قضية فريدة في دول مجلس التعاون الخليجي، فالشباب عالقون بين قطاع عام لم يعد يرغب في توظيفهم، وقطاع خاص غير مستعد لذلك، بحسب المجلة.
يتذمر الإماراتيون على وسائل التواصل الاجتماعي من تولي الأجانب جميع الوظائف الجيدة، وبدورهم يتهم الوافدون السكان المحليين بأنهم مدللون وكسولون.
كانت مثل هذه الحجج نادرة في العقود الماضية، حيث لم يكن لدى المجموعتين سبب وجيه للتفاعل، لكن يتم دفعهم اليوم إلى المنافسة، ويكتشف بعض السكان المحليين أنهم غير مستعدين لهذا الأمر.
وترى المجلة أن إعداد المواطنين الخليجيين للتنافسية لا يزال به مشكلة، حتى على مستوى التعليم.
ففي اختبارات العلوم والرياضيات والقراءة، سجل الأطفال في سن 15 عامًا في الإمارات أرقاما أقل بكثير من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو نادٍ معظمه من الدول الغنية
وفي آخر الاختبارات التي أجراها برنامج التقييم الدولي للطلاب في 2018، احتلت الإمارات المرتبة 47 من بين 77 دولة، وضع جيرانها ليس أفضل، حيث احتلت قطر والسعودية المرتبة 59 و70 على التوالي.
وكانت الإمارات ستحتل المرتبة الأدنى بدون الطلاب الوافدين، الذين تفوقوا على أقرانهم المولودين في البلاد.
وهناك قلق مختلف يلوح في الأفق في الإمارات، حيث يبلغ عدد مواطنيها مليون شخص من أصل 10 ملايين نسمة.
يتساءل أحد الشباب الإماراتيين، وهو يتأمل خدمته العسكرية الإلزامية: “إلى متى يمكن أن يُطلب من 10% من السكان حماية الـ90% الأخرى؟”.
ويشير آخر، في حالة من عدم التصديق أكثر من الغضب، إلى أن بعض الإصلاحات الحكومية الأخيرة تفيد الأجانب فقط، فالزواج المدني مفتوح فقط للوافدين ويمكن للمواطنين الذين تم تجنيسهم حديثًا الاحتفاظ بجواز سفر ثان، بينما لا يستطيع المولود الأصلي ذلك.
لطالما تساءل المسؤولون الإماراتيون عن كيفية تقليل الاختلال الديموجرافي مع الحفاظ على اقتصاد بقيمة 500 مليار دولار يعتمد على العمالة الأجنبية.
شكلت الحكومة لجانا لحل المعضلة، لكنها لم تجد حلولا فاعلة حتى الآن، وفقا للتقرير.
وعلى عكس مواطني الإمارات الذين يتحرجون من العمل بالقطاع الخاص، انخرط المواطنون السعوديون في قطاع الخدمات على مدار السنوات السبع الماضية، مدفوعين بتباطؤ التوظيف بالقطاع العام، لكنهم يصطدمون بأزمة تدني الرواتب في القطاع الخاص، لاسيما أن الوافدين يتقاضون رواتب قليلة ويقنعون بها.
لا يوجد حد أدنى للأجور في المملكة، لكن الحكومة تطلب من الشركات الخاصة أن تدفع للمواطنين ما لا يقل عن 4000 ريال (1066 دولارًا) شهريًا من أجل احتسابهم ضمن حصص السعودة.
وتؤدي الرسوم المرتفعة لتصاريح العمل إلى تضييق فجوة الأجور، لكن المهاجرين لا يزالون أرخص (أكثر من 80% يكسبون أقل من 4000 ريال شهريا).
ولا تستطيع الحكومة زيادة حصص – أو رواتب – السعوديين دون سحق القطاع الخاص.