يكلف السعودية مليارات الدولارات، ويشرف عليه الديوان الملكي من خلال وزارة التربية والتعليم، ويتزاحم في التقديم عليه آلاف السعوديين.. إنه برنامج الابتعاث الخارجي للطلبة، ولكن هذا الملف لم تدِرْه المملكة بشفافية ونزاهة، فالفساد يستشري فيه عبر المحسوبية والواسطة، وفي تأكيدات رسمية.

وتضع وزارة التربية والتعليم السعودية شروطاً عامة وخاصة عديدة للقبول ببرنامج الابتعاث، وتراجعها في كل مرحلة حسب المستجدات، أبرزها أن يكون المتقدم سعودي الجنسية، ولائقاً طبياً، وألا يكون المتقدم موظفاً في القطاع الحكومي.

ويشترط برنامج الابتعاث أن يكون المتقدم حاصلاً على الشهادة المطلوبة في المرحلة الدراسية المتقدم عليها، ولديه الوثيقة والسجل الأكاديمي المعتمدان من الجهة المصدرة لهما، وأن تكون الشهادة معادلة من جهة الاختصاص إذا كانت صادرة من مؤسسة خارج المملكة.

كما يطلب البرنامج الخارجي من المتقدمين إنهاء تدريب سنة الامتياز، والحصول على شهادتها في التخصصات التي تتطلب ذلك، وموافقة ولي أمر الطالبة في حال قبل ابتعاثها، ووجود المحرم الذي يرافقها حتى انتهاء بعثتها.

وخرجت أصوات داخل السعودية تؤكد عدم التزام وزارة التربية والتعليم بالنزاهة والشفافية في اختيار المقبولين لبرنامج الابتعاث، وإعطاء الأولوية لمن تجمعهم علاقات شخصية مع المسؤولين أو الأمراء.

فساد الأسرة الحاكمة

المعارض للنظام السعودي، ناصر القحطاني، يؤكد أن المحسوبية موجودة في كل الفرص الوظيفية والتعليمية في مملكة آل سعود، وهو فساد مستشرٍ في كل مؤسسات الدولة.

ويوضح القحطاني، في حديثه، أن الفئة المتضررة من فساد وزارة التربية والتعليم وملف الابتعاث الخارجي بشكل عام، هم الأشخاص الذين ليس لهم واسطة أو مسؤولون يعملون في مؤسسات الدولية.

وعن فرص محاسبة الفاسدين في ملف الابتعاث الخارجي قال القحطاني: “ثبت أن الدولة لا تبقي رجلاً شريفاً في منصبه إلا وأزالته وأتت بشخصية فاسدة لتسهم في سير عجلة الفساد، وهكذا يحصل، فالمسؤول يعين فاسدين مثله في السلم الوظيفي الذي يتولى عليه”.

وأضاف: “الأسرة الحاكمة في السعودية فاسدة ولديها حساسية من رؤية شخصية غير فاسدة حولها، لذلك هناك كشف حساب للفاسدين، ويجب تقديمهم للمحاكمة وفي مقدمتهم آل سعود قبل غيرهم.

المعارض السعودي المقيم في بريطانيا، فهد العنزي، يؤكد أن ملف الابتعاث الخارجي يعتليه الكثير من الفساد والمحسوبية، إذ لا تراعي وزارة التربية والتعليم السعودية الشروط التي تضعها لقبول المتقدمين.

ويقول العنزي: “الغالبية العظمى من المقبولين في الابتعاث الخارجي، سواء للدراسة، أو الحصول على زمالة طبية، أو حتى الذين يوظفون في السفارات والقنصليات السعودية بالخارج، يكون الاعتبار الأساسي لتوظيفهم هو درجة ولائهم، وخلفية ذويهم السياسية”.

ويوضح العنزي أن السلطات السعودية لا تراعي الشروط التي تضعها لقبول المتقدمين لبرنامج الابتعاث، أو تحرص على الخبرة أو المهنية عند اختيار المقبولين، فالتدخلات والواسطة أقوى من أي شرط.

ويشير إلى أن الآلاف من السعوديين المتميزين يتلقون الصدمة عند إخبارهم بعدم قبولهم في برنامج الابتعاث رغم توفر غالبية الشروط فيهم، وذلك من جراء المحسوبية والواسطة المتبعة من الجهات الرسمية.

إقرار رسمي بالفساد

الدولة السعودية أقرت بوجود فساد في ملف الابتعاث الخارجي، وذلك على لسان وزير التربية والتعليم، حمد آل الشيخ، حين أكد وجود محسوبية في الملف التعليمي الأبرز في بلاده وعدم شفافية في إدارته.

ولم يكتفِ آل الشيخ بالكشف عن التجاوزات في ملف الابتعاث، إذ بين خلال لقاء عقده مع عدد من الصحفيين في مكتبه بجدة، نهاية الأسبوع الماضي، وصول الفساد إلى الملحقيات الثقافية للسعودية في الخارج، وإسناد وظائف في دول الابتعاث إلى من لا يجيدون لغة البلد.

وحاول الوزير السعودي التقليل من ردة فعل السعوديين بسبب ما كشفه حول الفساد، من خلال تأكيده قبول طلبات الابتعاث الخارجي إلكترونياً.

وبين أنه سيكون هناك تغييرات جذرية ستطبَّق، تبدأ بنظام (سفير)، لضبط التعيينات التعليمية بالابتعاث بالملحقيات السعودية الخارجية.

كذلك قال آل الشيخ إن هياكل إدارات التعليم في بلاده السابقة كانت عبارة عن “قص ولصق”، تطبقها الإدارة وتستنسخ للتطبيق في مكاتب التعليم.

وكشف وزير التعليم، حمد آل الشيخ، أنه أعفى 11 وكيلاً في وزارته من عملهم، بسبب عدم تعديل مساراتهم في العمل، دون الحديث عن إعفاء أي منهم بسبب الفساد بملف الابتعاث الخارجي.

ويعد الفساد أحد أبرز المشاكل التي تواجه السعودية والتنمية فيها، حيث كشف استطلاع رأي أن كثيرين يعتقدون أن “استغلال النفوذ”، و”تبديد المال العام”، و”الرشوة”، تمثل ثالوث فساد ينخر بلادهم.

وتضمن الاستطلاع الذي أجرته “سبق” السعودية، بشراكة مع شركة الأبحاث الرقمية (DRC)، ونشرته في يناير الماضي، “قياس ظاهرة الفساد وأثر القرارات الحالية على نظرة المجتمع”.

واعتبر 74% من المشاركين في الاستطلاع أن استغلال النفوذ هو أخطر أشكال الفساد على السعودية، في حين حصل الاختلاس وتبديد المال العام على نسبة 67% من أصوات المشاركين.

وجاءت الرشوة في المرتبة الثالثة كأخطر أشكال الفساد بنسبة قاربت 54%، في حين حصلت الواسطة والمحسوبية على نسبة قاربت 41%.