يتخذ ولي العهد محمد بن سلمان من الترويج إلى تبني الانفتاح الديني والتسامح وسيلة لتكريس القمع وهو لم يدعم نهج “الإسلام المعتدل” إلا لأنه يخدم في جزء كبير منه سياساته الديكتاتورية.
وقالت مجلة “فورين بوليسي“ الأمريكية، إن محمد بن سلمان وأمثاله من المستبدين العرب باتوا يتّبعون كتاباً جديداً حول الدين، عبر استغلال الدين لمواصلة الحكم بأساليب استبدادية قمعية.
وذكرت المجلة أن السعودية تعمل على الترويج لنظرة سلمية وهادئة للدين، والتي تؤكد على الطاعة المطلقة للحاكم، حيث تصوّر طاعة الحاكم باعتبارها واجباً دينياً، فهي تروّج لتفسير ديني خانع للدولة وغير قادر على تحدي شرعية النظام أو سياساته. وفي الوقت نفسه نزع الشرعية عن الأشكال الأخرى للمرجعية.
وتلجأ السلطات السعودية لتصوير أيّ شكل من الأشكال الإسلامية أو الإسلام السياسي على أنه تطرف وراديكالية بحسب المجلة الأمريكية.
وقد ساعد على هذا التوجه قوانين مكافحة الإرهاب التي انتشرت في الشرق الأوسط على موجتين: الأولى بعد هجمات أيلول/سبتمبر 2001، والثانية بعد الربيع العربي. وتمت صياغة هذه التشريعات بطريقة غامضة لمنح الدولة السلطة كي تستهدفَ أيّ محاولة تريد التصدي للوضع الراهن.
وتمّ استخدام هذه التشريعات في دول مثل مصر والأردن والإمارات والسعودية وأماكن أخرى. فعبر تصوير أيّ تحدٍّ للوضع الراهن باعتباره تطرفاً ونوعاً من الراديكالية الدينية، فإنّ هذه الحكومات قامت بحرف النظر على سياساتها الديكتاتورية والتي عادةً ما تكون حافزاً لعدم الاستقرار بالمنطقة وقمع أيّ شخص تراه تهديداً لحكمها بذريعة مكافحة هذا السلوك المتطرف.
وتأطير كهذا يسمح لهذه الحكومة باحتكار النقاش الديني والمتعلق بإصلاح الإسلام والسياسة في الشرق الأوسط.
وينظر على نطاق واسع إلى أن مشروع الإسلام المعتدل كان موجّهاً للغرب وتحديداً الولايات المتحدة التي ظلّت الضامن الأهم لهذه الأنظمة، وقامت بتسويق الصورة هذه ضمن مبادرات القوة الناعمة والحصول على شرعية لسياساتها الداخلية والخارجية.
وفي مقدمة الدول التي استخدمت مشروع الإسلام المعتدل بنجاح كانت السعودية، حيث قدم محمد بن سلمان نفسَه كمصلحٍ يريد تحديث البلاد.
إذ قام بإجراءات مثل السماح للمرأة بقيادة السيارات والعيش وحيدة والسفر بدون محرم، وسمح بأماكن الترفيه وحدّ من سلطة الشرطة الدينية، وقام بسجن دعاة اعتبرهم متطرفون مقابل رجال الدين التقليديين الذين وصفوه بالمجدّد، مع أنه أبعد تاريخ السعودية عن تاريخ الحركة الوهابية.
وعلى الصعيد الدولي، استخدم محمد بن سلمان، مشروعَ الإسلام المعتدل وتقديمَه للغرب عبر مؤسسات مثل رابطة العالم الإسلامي وأمينها محمد العيسى، الذي أقام علاقات مع المنظمات اليهودية والمسيحية الإنجيلية.
واستقبلت السعودية في 2018 وفداً من قادة المسيحية الإنجيلية، وزار وفد آخر المملكة في 2019.
وفي كانون الثاني/يناير 2020، قاد العيسى وفداً من العلماء المسلمين لزيارة موقع أوشفيتز في بولندا وبرفقة ممثلين عن اللجنة اليهودية الأمريكية. وبعد عام استقبل البابا فرانسيس العيسى في الفاتيكان.
ورغم كلّ هذا فلم يتغير شيء على سلوك السعودية الديكتاتوري فهي في طليعة دول ديكتاتورية ناشئة بالمنطقة ودعمتا حملات لإسكات المعارضين في الداخل وحروباً في الخارج.
بل في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة تصاعداً في قمع الحريات الأساسية للمواطنين والنشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ورغم الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية المزعومة التي أطلقها محمد بن سلمان، فإن السلطات السعودية لا تتسامح مع أي نوع من الانتقاد أو التعبير عن الرأي المخالف للرسمي.
وفقاً لتقارير منظمات حقوقية دولية، فإن السعودية تحتجز عشرات المعارضين والمناهضين للحكومة دون محاكمة عادلة أو تهم واضحة، وتفرض عليهم أحكاماً قاسية تصل إلى الإعدام في بعض الحالات.
كما تستخدم السعودية قوانين مكافحة الإرهاب والجرائم المعلوماتية لتجريم أي نشاط سياسي أو حقوقي أو إعلامي، ينتقد السياسات الحكومية أو يطالب بالديمقراطية أو يدافع عن حقوق المرأة أو الأقليات.
بالإضافة إلى ذلك، تشهد السعودية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في سجونها، حيث يتعرض المعتقلون للتعذيب والإهانة والاختفاء القسري والحرمان من المحاماة والزيارة.