تعيش السعودية هذه الأيام على وقع أكبر موجة انفتاح في تاريخها، وما رافق ذلك من مشاهد لم تكن مألوفة للمجتمع المحافظ.
وبلغ الانفتاح حد السماح بإقامة حفلات غنائية وحضور النساء لها، إلى جانب السماح للمرأة بحضور المباريات الرياضية في الملاعب، والسماح لها بقيادة السيارة، وإقامة عروض أزياء، والذهاب للسينما، وجميعها لم تكن موجودة حتى قبل عامين من الآن؛ خشية الوقوع بالمحظورات الشرعية.
وكانت المملكة قد استقبلت منذ أشهر، كوكبة من الفنانين العالميين والعرب، لإحياء عديد من الحفلات في عدة مدن بالمملكة، على غرار الموسيقار العالمي ياني، والمطرب إنريكي إيغليزياس، إضافة إلى المطربة ماجدة الرومي، وعمرو دياب، وتامر حسني، ومحمد حماقي، والمغنية شيرين عبد الوهاب.
وتأتي هذه الحفلات في ظل توجُّه السعودية إلى بناء مجمّعات ترفيهية تحوي صالات سينما، بعد سياسة الانفتاح التي قادها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، واعتقل خلالها مئات من الدعاة، لمعارضتهم تلك السياسة التي تُعدّ مخالفة لمبادئ المملكة وقيمها التاريخية.
ففي محاولته للتغيير بالمملكة، فرض محمد بن سلمان، منذ توليه ولاية العهد في يونيو 2017، حالة جديدة غير مسبوقة في بلاده؛ تجسّدت في انفتاح هائل بمجالات الموسيقى والغناء والمرأة، في حين قيّد من جانبٍ آخَر الأصوات الرافضة لهذا الانفتاح.
المرأة تدفع الثمن
هذا الانفتاح دفعت ثمنه المرأة السعودية، التي باتت لا تأمن على نفسها في شهر رمضان المبارك، حيث وثَّق ناشطون ثلاث حالات تحرُّش فاضحة في مدن تبوك والخبر والدمام خلال يومين فقط.
واستذكر السعوديون هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي جردها ولي العهد من صلاحياتها، وأعلن بنفسه نيّته العودة بالسعودية إلى “الإسلام الوسطي”، قبل عام 1979، بحسب تعبيره، في حين اعتبر آخرون ذلك محاولة لسلخ المجتمع السعودي من صبغته الدينية.
ويربط مراقبون مهتمون بالشأن الخليجي ارتفاع حالات التحرش في السعودية بخطط “الانفتاح” التي شهدتها المملكة في أعقاب وصول بن سلمان إلى منصب ولي العهد، منتصف عام 2017.
وكانت شبكة “بلومبيرغ” الأمريكية قالت مؤخراً، إن السعودية قررت اللجوء إلى صناعة الترفيه لتكون بوابة إلى تحسين الوضع الاقتصادي، إلا أنها فجأة سمحت بتصرفات أصبحت دخيلة على المجتمع السعودي وخلفت كثيراً من المشاكل.
ورفعت المملكة الحظر عن دُور السينما، وصارت المقاهي تعجُّ بالموسيقى بعد أن كانت تُعتبر من الممنوعات، كما فتحت أبوابها لكثير من شركات صناعة الترفيه العالمية، لكنها تعرضت لانتقادات لاذعة تسببت في محاسبة وإقالة مسؤولين.
انقلاب وفجور
الانفتاح السعودي بحجة محاربة التطرف واجه ردود فعلٍ غاضبة، حتى إنها لم تقتصر على الشارع السعودي، بل وصلت إلى عموم العالم الإسلامي.
فالأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ علي القره داغي، وصف الانفتاح في مجال إقامة الحفلات الفنية والترفيه بـ”الفجور”، منتقداً علماء الدين السعوديين الذين يساندون القرارات الحكومية الداعمة لإقامة هذه الحفلات والمناسبات، مشيراً إلى أن هذا التغيير “انقلاب في المفاهيم والعادات والتقاليد”.
وفي حديث سابق، أكد الشيخ علي القره داغي، الذي يقول: إنه “على تواصل مع السعودية منذ أول اجتماع للرابطة في عام 1975″، أن ما يجري بالسعودية يخالف ما عُرف عن تقاليدها وما عُرف عن علمائها.
واستطرد يقول: “المشايخ في السعودية كانوا لو رنّ الهاتف رنة فيها شيء من الموسيقى في مجلس يحضرونه تجدهم يرفضون هذه الرنة، ويعترضون على صاحب الهاتف ويطالبونه بتغييرها؛ لأنهم يعتبرونها حراماً!”.
وأمام هذه التغييرات الكبيرة التي لم يعهدها السعوديون، يبقى السؤال مفتوحاً عن مدى استمرار قبول المواطن السعودي سلسلة التغييرات الجديدة التي يريد ترسيخها بن سلمان، خاصةً تلك التي تنتهك الدين الإسلامي والعادات والتقاليد المحافظة في المملكة.