بقلم/ د. ليلى نقولا – أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
في إثر عودة مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان من السعودية، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنَّ اتفاق التطبيع بين السعودية و”إسرائيل” قد يكون في الطريق، وعلّق المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني على ما قاله بالقول: “إن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل من شأنه أن يلحق ضرراً بالسلم والاستقرار في المنطقة”.
وقد ذكرت بعض الوسائل الإعلامية، إضافة إلى السفير الأميركي السابق في “إسرائيل” مارتن أنديك، أنَّ المملكة وضعت شروطاً “باهظة” للموافقة على التطبيع مع “إسرائيل”، منها توقيع اتفاقية أمنية بين الولايات المتحدة والسعودية يقدم فيها الأميركيون ضمانات أمنية للمملكة شبيهة بالتزام الناتو بموجب المادة الخامسة من الدفاع المشترك بين أعضائه، إضافة إلى مساعدتها في تطوير برنامج نووي مدني مستقل، وإعادة الموافقة على صفقات الأسلحة التي كانت إدارة بايدن قد أوقفتها، بما في ذلك طائرات أف-35.
لا شكّ في أن التطبيع بين السعودية و”إسرائيل” ستكون له “فوائد محدودة” للسعودية، كما قال وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان في وقت سابق، فيما ستكون له فوائد كبرى لكلٍّ من “إسرائيل” وإدارة بايدن تحديداً، وذلك على الشكل التالي:
بالنسبة إلى “إسرائيل”
– تهدف اتفاقيات التطبيع إلى فرملة التقارب السعودي الإيراني، وذلك بعدما اعتبرت “إسرائيل” نفسها أكبر متضرر منه.
– بعد نجاحه في الانتخابات الأخيرة، وعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه سيسعى لتحقيق هدفين في سياسته الخارجية، هما منع إيران من حيازة سلاح نووي وتحقيق تطبيع العلاقات بين “إسرائيل” والسعودية.
هكذا، وبعد الضغوط الشديدة التي يتعرض نتنياهو في الداخل، سوف يكون التطبيع مع السعودية أحد أكبر الإنجازات التي سيتباهى بها، لكونها ستجعل “إسرائيل” أكثر مقبولية في المنطقة، فيدفع بها ضد خصومه في الداخل، ويتذرع بها لتخفيف شروط اليمين المتطرف في حكومته.
– بعد الإحراج الدولي والضغوط الأميركية التي تعرض لها نتنياهو بسبب توسيع المستوطنات الذي يصر عليه حلفاؤه من اليمين المتطرف في حكومته والاعتداءات المتكررة على الفلسطينيين، يمكن له أن يضغط على حلفائه لتأجيل مشاريع الضم والاستيطان الواسعة التي وعدوا بها، محاججاً بأن التطبيع مع السعودية “يستحق هذا الثمن”.
وكان موقع “والاه” الإسرائيلي قد كشف أنّ بلينكن أبلغ وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بأنّ تعزيز اتفاقيات التطبيع أو توسيعها من خلال التطبيع مع السعودية، “أصعب كثيراً بالنسبة إلى واشنطن، وربما مستحيل، في وقت تشتعل فيه الساحة الخلفية لإسرائيل”، في إشارة إلى التصعيد في الضفة الغربية.
– مباشرة بعد إعلان بايدن عن قرب التوصل إلى اتفاق التطبيع بين السعودية و”إسرائيل”، سارع نتنياهو إلى الإعلان عن مشروع سكة حديد تهدف إلى ربط “إسرائيل” بالسعودية وشبه الجزيرة العربية.
وهكذا، يحقّق التطبيع مع السعودية حلماً لطالما راود الإسرائيليين. عام 2019، ومباشرة بعد توقيع اتفاقيات أبراهام، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس أنه اقترح على الإمارات ما سمي بـ”قطار الازدهار الاقتصادي”، وهو “مبادرة تربط بين السعودية ودول الخليج مروراً بالأردن بشبكة السكك الحديدية الإسرائيلية وميناء حيفا في البحر الأبيض المتوسط. تتمخض المبادرة عن طرق تجارة إقليمية أقصر وأرخص وأكثر أماناً من شأنها دعم اقتصادات الدول”.
بالنسبة إلى إدارة بايدن
– تحتاج إدارة بايدن إلى إنجازات يمكن استثمارها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، علماً أن عام 2024 سيشهد انتخابات رئاسية وانتخابات الكونغرس، إذ سيتم انتخاب كل أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435، إضافةً إلى 34 مقعداً في مجلس الشيوخ من مجموع 100 مقعد
ومن المعلوم أن أي إنجاز تحقّقه الإدارة لـ”إسرائيل” يمكن استثماره من قبل الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونغرس ومجلس الشيوخ، إضافة إلى انتخابات إعادة التجديد لبايدن.
– تحاول إدارة بايدن تقليص قدرة الصين على التغلغل في المنطقة. وقد زاد القلق الأميركي من تأثير الصين ونفوذها في الشرق الأوسط بعد قيامها برعاية التفاهم السعودي الإيراني في آذار/مارس من العام الجاري. لذلك، فإن التطبيع السعودي الإسرائيلي سيسمح بتوسع مبادرة I2U2، التي تُعرف باسم مبادرة “الشراكة من أجل المستقبل”.
هذه المبادرة التي تضم كلاً من الهند و”إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة أعلنت في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021، وهي تهدف إلى ربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط والولايات المتحدة بطرق تعزز التقنيات الاقتصادية والدبلوماسية والتنموية، وتريد الولايات المتحدة منها أن تكون إطاراً لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد عبر أساليب مشابهة للمشاريع التنموية الصينية.
هكذا، تريد الولايات المتحدة أن تضم السعودية إلى تلك المبادرة لإبعادها عن الصين، ولامتلاكها قدرات اقتصادية وفيرة، ولا يمكن تحقيق ذلك من دون تطبيع العلاقات بين السعودية و”إسرائيل”.
بالنسبة إلى السعودية
تبدو الاستفادة السعودية من اتفاق التطبيع “محدودة” مقارنة بالاستفادة الإسرائيلية، إذ إن التهديد الأمني الذي كانت المملكة تستشعره تراجع بعد سياسة الانفتاح التي اتبعتها في المنطقة وبعد التفاهم الإيراني السعودي الأخير.
وبناء عليه، سيكون المردود الأمني لصفقات الأسلحة والاتفاقية الأمنية ضعيفاً حالياً مقارنة بالفترات السابقة الممتدة منذ بداية القرن الحادي والعشرين.
أما الاستفادة الحقيقية، فهي امتلاك برنامج نووي سلمي مستقل يسمح فيه للسعودية بامتلاك التقنية النووية، في حال قبل الأميركيون والإسرائيليون بهذا الشرط.