اشتدت الحرب التجارية السعودية ضد أنقرة، مع تصاعد حملات مقاطعة المنتجات التركية، واحتدام التنافس بين البلدين، ما أدى إلى ارتفاع مستوى التوتر بينهما.
في المقابل، لا تزال السلطات التركية تلتزم الصمت على الصعيد الرسمي، وسط أنباء لم يتأكد من مصدرها عن نيتها التوجه بشكوى المملكة إلى منظمة التجارة العالمية.
وبدأت متاجر سعودية، بإزالة منتجات تركية مختلفة من ورق العنب المخلل إلى القهوة والأجبان من رفوفها، وسط شكاوى مصدّرين أتراك للمنسوجات وبضائع أخرى مؤخرا، من تأخير مبالغ به في الجمارك السعودية.
وبرزت خلال الأيام الماضية، حملة إلكترونية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، يقودها أمراء وإعلاميون ونخب سعودية، تدعو لمقاطعة المنتجات التركية في أسواق المملكة.
ودعا مؤيدو حملة المقاطعة، لعدم شراء أي منتج تركي في الأسواق السعودية، كموقف شعبي مناهض لأنقرة، التي شهدت علاقتها بالرياض فتورا في السنوات الأخيرة.
واستجابت سلاسل متاجر كبرى في السعودية، بينها أسواق “العثيم” و”تميمي” و”باندة”، للجملة، وأعلنت أنها ستتوقف عن استيراد وبيع المنتجات التركية.
فيما ذكرت بعض المحلات التجارية، أنها ستواصل بيع المنتجات التركية إلى حين نفاد المخزون الحالي.
في أحد المتاجر في الرياض، عمل موظفون على إزالة منتجات “مصنوعة في تركيا”، من عدد كبير من الرفوف، وقاموا بملء عربات بمنتجات مختلفة مثل القهوة والشوكولاته وعلب من الخضار المخلل، واستبدلت بالأجبان التركية أجبانا صنعت في مصر.
وقال مدير أحد المتاجر -مفضلا عدم الكشف عن اسمه-: “هذه مسألة حساسة للغاية”، رافضا التطرق إلى مصير البضائع التي لم يتم بيعها أو الخسائر التي سيتكبدها المتجر.
وأوائل الشهر الجاري، دعا رئيس غرفة التجارة السعودية “عجلان العجلان”، إلى “مقاطعة كل ما هو تركي”، مؤكدا أنها “مسؤولية كل سعودي، التاجر والمستهلك، رداً على استمرار العداء من الحكومة التركية على قيادتنا وبلدنا ومواطنينا”.
ونشطت الدعوة الجديدة لمقاطعة المنتجات التركية في الأسواق السعودية، بجانب دعوات وقف الاستثمار السعودي في تركيا، أو توجه السياح السعوديين إليها، في الأيام الماضية التي أعقبت زيارة الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، لقطر التي تعد حليفا وثيقا لأنقرة، وتقاطعها الرياض منذ منتصف العام 2017.
ووسط شكوك حول احتمال تقديم تركيا شكوى لدى منظمة التجارة العالمية، تؤكد السلطات السعودية أنها لم تضع أي قيود على المنتجات التركية وأن حملة المقاطعة يقودها مواطنون.
لكن بيانا مشتركا صادرا عن 8 مجموعات تركية بارزة ذكر أن الشركات السعودية “أُجبرت على توقيع خطابات تلزمها بعدم استيراد منتجات من تركيا”.
وقال اتحاد المقاولين الأتراك وجود “عقبات مختلفة”، أمام التجارة مع السعودية، مثل عدم دعوة الأتراك إلى المشاركة في استدراجات عروض، وصعوبة الحصول على تأشيرات للموظفين الأتراك، وتأخير في الدفع.
ويقدّر الاتحاد أن “الانطباع السلبي عن تركيا أدى إلى (خسائر) بقيمة 3 مليارات دولار في الشرق الأوسط لمقاولينا العام الماضي”.
وأضاف الاتحاد، أن السعودية التي كانت في المركز الثاني “في قائمة البلدان التي لديها أكبر قدر من الأعمال في 2016-2018 (مع تركيا) تراجعت إلى أدنى المستويات”.
ومع انتشار حملة “قاطعوا تركيا”، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر رسم كارتوني فيه ذراع عليها العلم السعودي، تقوم بشد أذن “أردوغان” الذي تتهمه الرياض بالتدخل في شؤونها.
وجاء في رسالة انتشرت عبر “واتساب”: “توقف عن شراء أي منتج تركي.. (أردوغان) يحارب بلادنا بأموالنا”.
وهذه ليست المرة الأولى، التي يواجه فيها الأتراك مقاطعة داخل السعودية، فالعام الماضي، واجه السياح السعوديون، دعوات إلى مقاطعة تركيا، وهي وجهة شهيرة في المنطقة لتمضية العطلة، كما صدرت دعوات للتوقف عن شراء العقارات في تركيا.
وتستهدف الحملة السعودية الاقتصاد التركي المتضرر من انتشار فيروس “كورونا” المستجد، وفي وقت تراجعت فيه الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها.
وليس واضحا السبب المباشر لانطلاق مقاطعة البضائع التركية مؤخرا، ولكن البلدين يتصارعان على النفوذ في العالم الإسلامي، وهناك خلافات بين أنقرة والرياض في قضايا إقليمية من ليبيا إلى سوريا وحتى إسرائيل.
كما ازداد التوتر بين البلدين، عقب مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، في عام 2018، داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، حيث تطالب تركيا بالكشف عن الآمر الحقيقي بتنفيذ عملية الاغتيال، والذي تشير تحقيقات إلى أنه ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا مقربة من قطر وتملك قاعدة عسكرية فيها، الأمر الذي تنتقده الرياض.
والسعودية في المرتبة 15 فقط من بين الأسواق الكبرى للصادرات التركية.
وبين المواد الأساسية التي يتم شراؤها في السعودية من تركيا، المنسوجات والمواد الكيميائية والمفروشات والسجاد والحديد.
وتشير أرقام رسمية إلى تراجع الصادرات التركية إلى 1.9 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى هذا العام، مقارنة بما قيمته 3.2 مليارات دولار في عام 2019.
ولفت مراقبون إلى أوجه الشبه بين ما يحدث الآن وما حدث عندما سعت السعودية إلى إظهار قوتها المالية عبر تبني إجراءات عقابية إثر خلافات دبلوماسية مع كندا وألمانيا وقطر
وترى “كارين يونج”، من معهد “أميركان إنتربرايز”، أن هذا “نوع من الاستعراض السياسي”، وبحسب “يونغ”، فإن هذا “تكتيك للاستهلاك المحلي السعودي، وإشارة من الدولة للمواطنين لتحديد خصم خارجي”.
ويستبعد مراقبون أن تخضع الحكومة التركية لهذه الضغوط.
ويرى “روبرت موجيلنيكي”، وهو باحث مقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أن “التدفقات التجارية الثنائية السعودية – التركية ليست كبيرة بما يكفي لنجاح أو فشل اقتصاد أي من البلدين”.
ويضيف: “ستخسر تركيا أكثر على المدى القصير من الاضطرابات في العلاقات التجارية الثنائية، ولكن على السعودية أن تخطو بحذر للتخفيف من أي تأثير سلبي على سمعتها في العالم فيما يتعلق بسياستها التجارية”.