أبرزت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية تمادي حدة القمع في السعودية بحيث يتعرض من يرفض الانخراط في النهج الاستبدادي الحكومي إلى الاتهام بالخيانة والتعرض لعقوبة السجن.
ونبهت الصحيفة في تقرير ترجمه “سعودي ليكس”، إلى أن عشرة قضاة يواجهون تهمة الخيانة العظمى في السعودية بسبب امتناعهم عن الانخراط بشكل كامل في نهج القمع الحاصل في المملكة.
وأوضحت الصحيفة أن ستة من هؤلاء هم قضاة بارزون سابقون في المحكمة الجزائية المتخصصة، وأربعة قضاة سابقين في المحكمة العليا، وكانت تهمتهم؛ أنهم لم يكونوا قساة بما يكفي، لإصدار أحكام بالسجن.
وأشارت إلى أنه بعد إلقاء القبض على القضاة؛ عمد ولي العهد محمد بن سلمان باستبدالهم بقضاة موالين له، ونتيجة لذلك؛ تمت مراجعة المحاكمات والأحكام السابقة للنشطاء السياسيين، والمعتقلين بسبب انتقاد الحكومة السعودية على وسائل التواصل الاجتماعي، وتم زيادة مدة أحكام السجن بشكل كبير.
وبحسب الصحيفة يترأس قضية القضاة العشرة؛ عوض الأحمري الذي كان موالي لبن سلمان، والذي عمل سابقاً محققاً قاسياً في مكتب المدعي العام، وكان جزءً من وفد سعودي أُرسل إلى إسطنبول، بغرض التحقيق في مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ونبهت الصحيفة الأمريكية إلى أن المحكمة الجزائية المتخصصة في السعودية؛ أصبحت تُستخدم لمعاقبة المعارضين وتنفيذ عمليات تطهير ضد أعداء ومعارضي محمد بن سلمان.
وكانت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN) كشفت أن المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض، والتي يُناطُ بها قضايا “الإرهاب” في المملكة، قد وجهت تُهماً بـ “الخيانة العظمى” لعشرة قضاة في السعودية.
وقالت المنظمة إن الاتهامات غير المسبوقة وجهتها المحكمة في أول جلسة سرية لها في القضية في 16 فبراير/شباط 2023 لستة قضاة بارزين سابقين في المحكمة الجزائية المتخصصة، وأربعة قضاة سابقين بالمحكمة العليا. وهذه جريمة يُعاقب عليها بالإعدام في السعودية.
وقالت مصادر لمنظمة (DAWN) إن الحكومة حرمت المتهمين من التماس المشورة القانونية، واحتجزتهم بمعزل عن العالم الخارجي منذ اعتقالهم في 11 أبريل/نيسان 2022.
وفي هذا الصدد، قال عبد الله العودة، مدير منطقة الخليج في منظمة (DAWN): “إنّ التهم المروعة الموجهة لهؤلاء القضاة، والذين أصدر العديد منهم أحكامًا تعسفية فاضحة بحق مواطنين سعوديين بأمر من ولي العهد؛ تُظهر أنه لا أحد في مأمن في السعودية”.
وأضاف: “ترمزُ محاكمة هؤلاء القضاة لعمليات التطهير الكبيرة التي يقوم بها ولي العهد داخل البلاد ومحاولاته لجعل القضاء خاضعًا لرغباته فقط”.
وكان جهاز أمن الدولة السعودي قد اعتقل القضاة في 11 أبريل/نيسان 2022. ومن بين المقبوض عليهم ستة قضاة من المحكمة الجزائية المتخصصة.
وهم: عبد الله بن خالد اللحيدان وعبد العزيز بن مداوي آل جابر وجندب آل مفرح وعبد العزيز بن فهد الداوود وطلال الحميدان وفهد الصغير.
وأربعة قضاة من المحكمة العليا هم: خالد بن عويض القحطاني وناصر بن سعود الحربي ومحمد العمري ومحمد بن مسفر الغامدي.
وكشفت منظمة (DAWN) سابقًا عن الدور المباشر لاثنين من هؤلاء القضاة في المحكمة الجزائية المتخصصة هما عبد الله بن خالد اللحيدان وعبد العزيز بن مداوي آل جابر في انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية.
وكان اللحيدان قد أدان المدافعة البارزة عن حقوق المرأة لجين الهذلول بتهم إرهابية لا أساس لها في ديسمبر/كانون الأول 2020، بينما حكم آل جابر على قاصرٍ والعديد من الأشخاص الآخرين بالإعدام، بما في ذلك العديد ممن تم إعدامهم في عملية إعدام جماعي لـ 81 شخصًا في مارس/آذار 2022.
وتتشابه عمليات توقيف هؤلاء القضاة ومحاكمتهم إلى حد كبير مع عمليات التطهير السابقة ضد المنافسين المفترضين لـ محمد بن سلمان.
ويبدو أن التهم الموجهة إليهم كانت ذات دوافع سياسية، مع عدم تقديم أدلة موثوقة ضد المتهمين، وفقًا لمصدر مطلع على المحاكمة؛ والذي قال أيضاً بأنه راجع وثائق المحكمة المقدمة ضد المُتهمين.
ووفقاً له، فإن مسؤولين من دائرة أمن الدولة التابعة للنيابة العامة وجهوا اتهامات ضد قضاة المحكمة الجزائية المتخصصة بعد أن قاموا بالتوقيع على اعترافات تفيد بأنهم كانوا “متساهلين” في التعامل مع المتهمين في قضايا أمن الدولة التي ترأسوها خلال فترة عملهم كقضاة في المحكمة الجزائية المتخصصة.
وبحسب المصدر نفسه، فإن وثائق المحكمة تستشهد بهذه الاعترافات كدليل على التهم وتحدد كأمثلة على “التساهل” الأحكام التي أصدرها القضاة في قضايا تتعلق بمحاكمة مدافعين عن حقوق الإنسان ومعارضين سلميين ونشطاء في مجال حقوق المرأة.
وأوضح المصدر أن من بين التهم الأخرى الموجهة إليهم “الرضا عن المجرمين في قضايا أمن الدولة”، رغم أنه ليس من الواضح أن هذه التهمة هي جريمة معترف بها في القانون السعودي، أو أنها ستفي بمتطلبات القانون الدولي إذا كانت كذلك.
وأبلغ المصدر نفسه منظمة (DAWN) أن القاضي الذي يترأس محاكمة هؤلاء القضاة العشرة هو عوض الأحمري، الذي سبق أن نشرت المنظمة تحقيقًا عنه وعن الانتهاكات التي ارتكبها، حيث تم تعيينه لرئاسة المحكمة الجزائية المتخصصة بموجب مرسوم ملكي في 9 يونيو/حزيران 2022.
وبعد إلقاء القبض على هؤلاء القضاة، استبدلهم محمد بن سلمان في 20 يونيو/حزيران بقضاة موالين له شرعوا في مراجعة عدد من محاكمات النشطاء السياسيين والمُعلقين على تويتر وشدّدوا عقوباتهم بشكل كبير.
فعلى سبيل المثال، ألغت المحكمة الجزائية المتخصصة، التي يرأسها هؤلاء القضاة المعينون حديثًا، أحكامًا أقصر أصدرتها محاكم دنيا ضد امرأتين سعوديتين، سلمى الشهاب ونورة القحطاني، من ثماني سنوات و 13 سنة، إلى 34 و 45 سنة على التوالي، لاستخدامهما وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي واقع الحال، فيبدو أن احتجاز القضاة ومحاكمتهم يفتقر إلى ضمانة وحماية الإجراءات القانونية الأساسية.
وفي مقابلة مع منظمة (DAWN) في 23 فبراير/شباط 2023، قال المصدر الذي شهد المحاكمة، وهو على دراية بالاعتقالات؛ أن مسؤولي أمن الدولة احتجزوا القضاة بمعزل عن العالم الخارجي، وحرموهم من الاتصال بأسرهم ومحاميهم طوال فترة احتجازهم الاحتياطي الذي دام عشر أشهر.
وحضر نفس المصدر المحاكمة نفسها، وقال إن الحكومة لم تسمح للمتهمين بتوكيل محامين لتمثيلهم، وأن أحد القضاة نُقل مؤخرًا إلى وحدة العناية المركزة بسبب مضاعفات صحية خطيرة.
وكانت منظمة (DAWN) قد دعت إلى محاسبة القضاة السعوديين الذين ينتهكون الحقوق الإنسانية والقانونية والسياسية؛ وأدوارهم في تمكين قمع الدولة ضد المدافعين السعوديين عن حقوق الإنسان وقادة المجتمع المدني ونشطاء الديمقراطية.
وعلى الرغم من أن العديد من القضاة المتهمين مؤخرًا بالخيانة العظمى قد ارتكبوا مثل هذه الانتهاكات سابقًا، إلا أن منظمة (DAWN) تدين الاعتقالات التعسفية بحقهم وعدم اتباع الإجراءات القانونية الأساسية الواجبة في محاكمتهم.
وفي الحدود الدنيا يتوجب على الحكومة السعودية أن توفر للمتهمين حق الوصول إلى المحامين والسماح بالزيارات العائلية. لكن بما أن النيابة العامة السعودية لا تتمتع بأي استقلالية في الادعاء وكون سجل المحكمة الجزائية المتخصصة يُظهر أنها ليست محكمة عادلة ومحايدة؛ فعلى الحكومة إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين على الفور.
من ناحيته قال عبد الله العودة: “لا شيء يحمي الحقوق الأساسية للمواطن السعودي في الحياة والحرية، ولا حتى الانصياع الأعمى لإملاءات ولي العهد أو القيام بعمله القذر من خلال الحكم على منتقديه بالسجن لفترات طويلة”.
وتابع “يرسل محمد بن سلمان، من خلال محاكمة هؤلاء القضاة، رسالة إلى كل قاضٍ في البلاد مفادها أنه يتعين عليهم أن يكونوا متوحشين قدر الإمكان لتجنب مصير ضحاياهم”.
وفي الأثناء، يستمر القمع داخل السعودية في التسارع بوتيرة عالية. يجب على السلطات السعودية الإفراج الفوري عن القضاة العشرة وتمكينهم من الوصول إلى محامين.
ودعت منظمة (DAWN) الولايات المتحدة إلى وقف دعمها السياسي والعسكري للحكومة السعودية في ضوء انتهاكاتها المنتظمة والواسعة النطاق للحقوق، لتجنب المزيد من المساهمة في مثل هذه الانتهاكات وتمكينها.