إبراهيم الأمين

كاتب صحفي لبناني، رئيس تحرير “الأخبار”

 

السعودية راعية التطبيع مع العدوّ

تقوم السعودية والإمارات بدور «مموّل هذه الاتفاقات الجديدة»

باتت السعودية حجر الزاوية لهذا التحالف الجديد بمعزل عما يظهر إلى العلن الآن أو في أي وقت آخر!

يتصرف السعوديون والإماراتيون على أساس أن وجودهم مرتبط بتوفير عناصر الأمان على يد الغرب وخاصة أميركا.

يحتاج حكام الخليج لإسرائيل لاحتواء أي إشكال مع الغرب ولمنع قيام علاقات بين أميركا ودول مركزية بالمنطقة دون أخذ مصالحهم بالحسبان.

*     *     *

في معرض شرحه أو تبريره قبول السلطات المغربية الاتفاق العام مع العدوّ الإسرائيلي، يقول دبلوماسي مغربي إن السعودية كانت على الدوام لاعباً مهماً في هذا المجال.

لا ينفي الدبلوماسي العلاقات التاريخية التي ربطت العائلة الحاكمة المغربية بالمنظّمات اليهودية العالمية، وانعكاس ذلك علاقات مع المنظمات الصهيونية الداعمة لإسرائيل. ويقرّ بأن العلاقات مع إسرائيل أكثر عمقاً من العلاقات التي ربطت حكام آل سعود بالعدو.

لكنه يدعو الى الانتباه إلى أن السعودية كما الإمارات العربية المتحدة تقومان بدور «مموّل هذه الاتفاقات الجديدة»، لافتاً الى أن حزمة المساعدات التي أغرت الولايات المتحدة الدول العربية بها للتعجيل بهذه الخطوة، تستند في جانب منها الى دعم ستوفّره الرياض وأبوظبي مباشرة، أو من خلال المشاركة في مشاريع استثمارية تقوم فيها إسرائيل بدور مباشر، ولا سيما على صعيد الخبرات اللوجستية والتقنية.

المسألة، هنا، لا تتعلق فقط بهذا الدور المساعد، بل بالخريطة الإجمالية لفكرة التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل. لأن من فكر بأن دونالد ترامب استعجل اتفاقات التطبيع لاستثمارها في الانتخابات الأميركية، أدرك بأن الأمر لم يكن بنداً ساخناً على جدول أعمال الناخب الأميركي. حتى الكتلة اليهودية الناخبة لم تتأثّر فعلياً بهذه الأمور.

ثمّة ما هو مختلف في مقاربة اليهود الأميركيين للانتخابات الداخلية الأميركية، وهو أمر له أثره على أمور كثيرة، من بينها التباين بين هذه الكتلة وبين رئيس حكومة العدوّ بنيامين نتنياهو.

وهو تباين لا يجب البناء عليه بسذاجة من يفكر بأن هناك احتمالاً لانقلاب يهود أميركا على إسرائيل. لكن حدوده متعلقة بالمصالح الاستراتيجية للكتلة اليهودية داخل أميركا نفسها.

صحيح أن النفوذ الكبير ليهود الغرب يفيد من يتحالف معهم أو يخدم مصالحهم، ومن ضمنها إسرائيل، لكن حكام الخليج يحتاجون إلى هذه المؤسسة لاحتواء أي إشكال يقوم مع الغرب، ولمنع قيام علاقات بين الولايات المتحدة ودول مركزية في المنطقة، من دون الأخذ في الحسبان مصالحهم.

صار السعوديون والإماراتيون على وجه التحديد، يتصرفون على أساس أن وجودهم مرتبط بتوفير عناصر الأمان على يد الغرب، وفي مقدمته أميركا. وهم، هنا، يشعرون بأن المعركة الوجودية التي قرروا أنهم في داخلها، تتطلب حرباً من نوع مختلف مع المحور المقابل.

وعند هذا الحد، لا تعود العلاقات مع إسرائيل محل نقاش، بل ما يبقى للنقاش هو الشكل والإخراج المطلوب لمنع حصول ما ليس في الحسبان.

في إسرائيل ليس هناك من يتوهم بأن العلاقات مع حكومات الإمارات والسعودية والبحرين والسودان والمغرب كما مع حكومات مصر والأردن، يمكن أن تنعكس تحوّلاً في المزاج الشعبي في هذه الدول. لا بل إن الاستراتيجيين في كيان العدو، يعرفون أن الحكومات المطبّعة غير قادرة على ضرب فكرة المقاومة حيث تنمو.

عند هذا الحدّ، يصبح المهم والأهم هو المتعلق بالواقع الاستراتيجي الذي يخص المصالح الرئيسية لدول التحالف الجديد. السعودية والإمارات والبحرين مثلاً، هي من الدول التي تخشى على استقرار نظامها السياسي والأمني والاقتصادي أيضاً.

وهي تعتقد بأن الحماية الأميركية لم تعد كافية، وأدركت تدريجاً، منذ عام 2011، أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الوجود هنا، ولو بالأجرة.

أما إسرائيل التي تدرك أيضاً منذ عام 2006 أنها لم تعد قادرة على خوض الحرب وحدها من دون دعم أميركي، فتظهر الخشية ليس من تمدّد محتمل لمحور المقاومة، وخصوصاً بعد الذي يجري في اليمن، بل من أن انهيار المنظومة الحالية في الخليج العربي سيضيق هامش الحركة الأميركية والأوروبية في هذه المنطقة.

وهو ما يتطلّب الحضور الإسرائيلي المباشر. والعارفون بشؤون المنطقة يلمسون أن إسرائيل لم تعد تكتفي بما يردها من معلومات بالواسطة من هذه الساحات. ولم تعد تكتفي بشبكات المتعاونين معها مهما علت رتبهم. صار الوجود المباشر للأجهزة الإسرائيلية المعنية أمراً ضرورياً.

وهو يتطلب مشروعية تسهّل الكثير من الأمور التي تبقى معقّدة مهما أتاحت لها الحكومات هوامش للحركة. الى جانب أمر آخر، يتعلق بفئة من المستثمرين الإسرائيليين الذين يريدون هذه السوق مباشرة، أو استخدامها للوصول الى أسواق يصعب الدخول إليها بشكل عادي والتي تمتد شرقاً حتى أفغانستان، وغرباً حتى إفريقيا.

ولذلك، يمكن العودة الى كلام الدبلوماسي المغربي، وفهم الدور السعودي المحوري والأساسي. بمعزل عما يظهر منه إلى العلن الآن أو في أي وقت آخر. السعودية، هنا، باتت حجر الزاوية لهذا التحالف الجديد. وعلى عاتقها مهمات كثيرة. وفي هذا السياق، يمكن فهم التدرّج في الخطوات السياسية وغير السياسية التي يقوم بها حكام آل سعود داخل الجزيرة العربية وخارجها من أجل تثبيت دعائم هذا التحالف.