نشرت صحيفة “الغارديان” مقالا للكاتب غريغ أونغر، يقول فيه إن الفرق في علاقة دونالد ترامب وجورج بوش الأب مع السعودية هي فقط في الأسلوب، لكن الجوهر هو ذاته.
ويشير أونغر في مقاله، الذي ترجمته “عربي21” إلى أن أمريكا أقامت علاقات مع أنظمة ديكتاتورية، ودعمت صدام حسين بالطريقة ذاتها التي وقف فيها ترامب مع ولي العهد السعودي، ودعم موقفه في قضية جمال خاشقجي.
ويقول أونغر، وهو مؤلف كتاب “آل بوش وآل سعود”، وكتاب “آل ترامب وآل بوتين: القصة الحقيقية لعلاقة ترامب مع المافيا الروسية”، إن المديح لم يتوقف منذ وفاة جورج بوش الأب، حيث تم التركيز على لباقته في التعامل مع انهيار الحرب الباردة، وانتصاره في حرب الخليج عام 1991، مشيرا إلى أن المديح كان محملا بالحنين للأيام القديمة التي كان يقف فيها القائد الأمريكي ثابتا على المسرح العالمي، دون أن يؤدي ظهوره إلى ضحكات مكبوتة.
ويرى الكاتب أن “جورج بوش، الذي كان كريما ولطيفا يقف على النقيض تماما من الرئيس الحالي الذي يسكن البيت الأبيض، إلا أن سلوكه المحتشم أخفى عادة وراءه أهدافا مخفية، كانت (مظلمة) أكثر من الصورة الرقيقة واللطيفة التي نشرها عن نفسه”.
ويلفت أونغر إلى أن “بوش بصفته رئيسا للمخابرات الأمريكية (سي آي إيه) في عهد جيرالد فورد، ولاحقا كونه نائبا للرئيس، فإنه أظهر براعة براغماتية ساعدته على تغيير مواقفه بسرعة بحسب الظروف، وكان منضبطا بطريقة عالية، وأتقن أسلوب التصنيف والسرية، ولم يكن هناك شخص مثله في الحكومة يستطيع الحفاظ على الأسرار، فمن خلال مؤهلاته العالية، وشهادته التي حصل عليها من جامعة عريقة في (أيفي ليغ)، كانت لدى بوش السيرة الذاتية المناسبة ليكون جاسوسا، وقناعا فاعلا يخفي وراءه أجندته الحقيقية”.
ويبين الكاتب أن “هذا كان هو الحال في صيف عام 1986، عندما تلقى بوش مكالمة من رجل المخابرات ويليام جي كيسي، الذي تسلم (سي آي إيه) منه، وطلب كيسي، الذي كان نائبا للرئيس رونالد ريغان، أن يقود عملية سرية أصبحت تعرف باسم (إيران – كونترا)، أو فضيحة (إيران غيت)”.
وينوه أونغر إلى أن “قادة إيران العنيدين رفضوا في تلك الفترة عرضا من كيسي، يتم فيه تزويدهم بالسلاح مقابل إطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في بيروت، وقرر كيسي إجبار إيران، وفي آب/ أغسطس كان من المقرر أن يزور نائب الرئيس بوش الشرق الأوسط (لدفع جهود السلام) كما نقلت في حينه صحيفة (نيويورك تايمز)”.
ويفيد الكاتب بأن “هدف بوش كان عكس هدفه المعلن، فكان هدفه تصعيد الحرب العراقية الإيرانية، وكانت مهمته بشكل محدد تقديم معلومات أمنية لصدام حسين يستطيع من خلالها العراق تكثيف القصف على إيران، واعتقد بوش وكيسي أن إيران بعد سلسلة من الغارات الجوية القاسية ستضطر إلى اللجوء إلى الولايات المتحدة لطلب المساعدة العسكرية من الصواريخ والأسلحة الجوية”.
ويجد أونغر أنهما “كانا محقين، فبعد 48 ساعة من تنفيذ مهمته شن الطيران العراقي مئات من الغارات الجوية التي استهدفت المنشآت النفطية في العمق الإيراني، وعادت إيران وفي غضون أسابيع إلى طاولة المفاوضات، لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، فكلما أفرج عن رهينة اختطفت مكانها رهينة أخرى، وبالنسبة للجانب العراقي على الجانب الآخر، فلم يكن لا بوش أو كيسي يشعران بالقلق من صدام كما كان يتوقع منهما، وقال هاوارد تيشر، الذي عمل في مجلس الأمن القومي في إدارة ريغان: (كان بوش وكيسي ساذجين في اعتقادهما أنه يمكن صداقة صدام حسين)”.
ويشير الكاتب إلى أنه “عندما أصبح بوش رئيسا عام 1989 تجاهلت إدارته البناء العسكري الذي يقوم به صدام، وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وواصل تمويله ودعمه بالسلاح والمعلومات الأمنية والخبرات الفنية التي استخدم بعضها في بناء سلاحه النووي، وهو ما جرأه لاحقا وفتح الطريق أمام حرب الخليج عام 1991”.
ويقول أونغر إن “المفتاح الرئيسي لسياسات بوش في الشرق الأوسط هو صداقته للسفير السعودي في الولايات المتحدة الأمير بندر بن سلطان، وكانت علاقاتهما قوية لدرجة أنه كان باستطاعة بندر الدخول إلى منتجعه الصيفي في كيني بانك بورت في ولاية مين، وسافرا في رحلات صيد معا، وعندما خرج بوش من البيت الأبيض وكل بندر بتعليم ابنه جورج، الذي كان طامحا للرئاسة، لكن دون أي معرفة في الشوؤن الدولية والخارجية”.
ويلفت الكاتب إلى أن “بوش وأعضاء من حكومته واصلوا بعد خروجه من السلطة العمل مع مجموعة كارليل، وهي شركة سندات عملاقة ممولة من الملياريديرات السعوديين، بمن فيهم أفراد من عائلة أسامة بن لادن، وكما كشفت في كتابي (آل بوش وآل سعود) فقد وصل ما يقرب 1.5 مليار دولار من مؤسسات وأفراد سعوديين إلى عائلة بوش الممتدة والمقربين منها”.
ويذهب أونغر إلى أن “العلاقة كانت مهمة نظرا لتحالف آل سعود مع الوهابية المتشددة، التي دعمت الجهاد ضد الغرب، وهو ما أثار أسئلة مزعجة بعدما قام الإرهابيون بقتل 3 آلاف شخص في أيلول/ سبتمبر 2001 في هجمات هندسها أسامة بن لادن”.
وينوه الكاتب إلى أن “جورج بوش الأب كان قد خرج من السلطة، ووصل ابنه جورج دبليو بوش إلى السلطة، وفي الفترة التي أعقبت الهجمات الإرهابية تساءل الكثيرون عن السبب الذي صادق فيه البيت الأبيض على خروج 140 سعوديا من أفراد العائلة وأقارب ابن لادن من أمريكا، في وقت عطل فيه كامل الطيران في أمريكا، ولماذا حظيت السعودية، التي جاء منها 15 انتحاريا من بين 19 انتحاريا، بمعاملة تفضيلية من البيت الأبيض لجورج دبليو بوش، في وقت اعتقلت فيه السلطات العرب الأمريكيين وحققت معهم؟ وهل كانت العلاقات القريبة بين عائلة بوش والسعوديين سببا في حرف النظر إلى الاتجاه الآخر حتى بعد أسوأ هجوم إرهابي يحصل في تاريخ أمريكا؟”.
ويؤكد أونغر أن “17 عاما هي بالطبع مختلفة عن البيت الأبيض الذي حرف النظر عن جريمة بشعة ارتكبها السعوديون، وهي قتل المعلق في صحيفة (واشنطن بوست) الصحافي جمال خاشقجي، عندما جروه إلى اسطنبول، وفي الرد على هذا قام ترامب وبطريقة متوقعة بإهانة المخابرات، التي قادها يوما ما بوش الأب، وبعد أيام من استنتاجات (سي آي إيه) بأن ولي العهد صادق على قتل خاشقجي، عاند ترامب وبوقاحة استنتاجات (سي آي إيه)، ووقف مع السعوديين، وأكد أن قضية خاشقجي لن يتم حلها”.
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن “جورج بوش الأب كان سيتعامل مع جريمة قتل خاشقجي بطريقة أفضل، من خلال أسلوبه ومعرفته بالحساسيات الدبلوماسية، وعلينا ألا ننسى أن علاقة المرتزقة مع القوى الأجنبية الوحشية بدأت قبل دونالد ترامب”.