ظهر متردداً وغير متزن، وفي موقف المتهم الذي كان يجب عليه تبرير إجابة كل سؤال يتم توجيهه له، هذا كان حال الداعية السعودي عائض القرني خلال استضافته من قبل الإعلامي عبد الله المديفر، على فضائية “روتانا خليجية”.
وبدا القرني الذي نجا من حملة اعتقالات وملاحقات سابقة قادها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، منذ سبتمبر 2017، حازماً في الدفاع عن سياسات الأخير وخطواته الجديدة التي شهدتها المملكة، خلال لقائه أمس الاثنين.
وحرص القرني الذي يصفه النشطاء السعوديون بأنه من ضمن المشايخ الذين يعملون تحت عباءة الملك، خلال لقائه على تبرير إعلان بن سلمان انتهاء “الصحوة” الإسلامية في المملكة، التي كان من أبرز مشايخها والمنظرين لها.
وخلال اللقاء الذي استمر ساعة وعشرين دقيقة، هاجم القرني الذي تستخدمه السلطات السعودية في خدمة سياساتها الخارجية، بعد سؤاله من المذيع، قطر وتركيا وإيران، زاعماً أنهم يكنون العداء للسعودية.
وعمل المذيع السعودي على جلب فيديوهات قديمة للقرني، يظهر فيها المديح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ثم الطلب من جديد موقفه منه، وهو ما قابله الداعية السعودي بالهجوم على أنقرة إرضاءً للموقف السعودي العام في السياسة الخارجية الجديدة.
القرني كرر دعمه لبن سلمان أكثر من مرة خلال حديثه للمذيع، مؤكداً أن هناك ثلاثة خطوط حمراء بالنسبة له، أولها “الدين المعتدل الوسطي”، والمملكة، وسلمان وابنه، وأنه سيعمل على تسخير قلمه في مشروع “الاعتدال” الذي يقوم عليه ولي العهد “من هذه الليلة”.
ويعطي هذا الدعم المطلق لبن سلمان من قبل القرني مؤشراً أن الديوان الملكي وولي العهد قاما بتفصيل دعاة على مقاسهم، لينفذوا سياساتهما، دون أي رفض أو نصيحة.
ظهور القرني على قناة “روتانا” وهجومه السياسي على قطر، جاء مخالفاً لما أعلنه مؤخراً، عن توبته من السياسة واعتزاله لها، “لكونها خطراً على الشريعة”.
وكان القرني حذر، في 18 يناير 2018، من انغماس عالم الشريعة في الأمور السياسية؛ مشيراً إلى أنه إذا اتخذها منهجاً أفسدت عليه علمه وإصلاحه؛ “لأن السياسة في غالب أطوارها متلونة متقلبة مخادعة”.
واستطرد قائلاً إن السياسة “تعتمد على المناورة والاحتيال والتدليس والتلبيس، والعلم الشرعي يحتاج إلى صدق ووضوح وصراحة؛ وهذا ما يخالف غالب أطروحات السياسة”، كما أكد في لقاء آخر أنه طلق السياسة “ثلاثاً”.
وأضاف: إن “للسياسة أهلها وروادها وأساطينها الذين يتولونها، ومهمة عالم الشريعة أن يفهم السياسة ويوجه توجيهاً شرعياً؛ ولكنه إذا ذهب للتدخل في كل شأن سياسي والإدلاء بتصريح عند كل حادثة والتعليق على كل مناسبة؛ فمعنى ذلك أنه أصبح محللاً سياسياً ودبلوماسياً؛ وكأن الله أعطاه علم الأولين والآخرين”.
تناقضات القرني
وعرف عن القرني تناقض مواقفه حول الكثير من القضايا العربية والإسلامية، إذ يربط خطابه بمواقف السياسة العامة للسعودية، حيث أظهر آراء متناقضة حول قضايا تتعلق بالوضع في سوريا واليمن، وعدد من البلدان العربية.
وخرج القرني في عدة خطابات مادحاً ولي العهد السعودي، متناسياً ما فعله بمئات الدعاء والنشطاء، وسياساته التي خلقت أزمات عالمية للمملكة، إذ قال في حديث سابق له: إن “كلمات بن سلمان تسطَّر بماء من ذهب، وتبعث روح الأمل لكل سعودي”.
وزعم القرني في حديث سابق لصحيفة “سبق” السعودية أن “سجلّ بن سلمان يحمل هموم الوطن، وترافقه أينما حلّ، ورؤيته الثاقبة 2030 تحمل الإنجازات والخير، حيث تُزهر السعودية وترتقي”، وهو ما يخالف بن سلمان نفسه؛ الذي تحدّث عن صعوبات في تطبيق الرؤية، لانسحاب المستثمرين من المملكة، وفق ما كشفت “وول ستريت جورنال”، الشهر الماضي.
ومن أبرز مواقف القرني المتناقضة، ظهوره في مقطع فيديو ينفي فيه دعوته للقتال في العراق، أو حمل السلاح في سوريا، ثم الهجوم على الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
وفي أحد البرامج على قناة “العربية” السعودية، اعتبر القرني أن “قتال الأسد أولى من قتال (إسرائيل)؛ لكونه أصبح واجباً شرعياً نصت عليه الأدلة الشرعية”، ولكن سرعان ما بدّل آراءه في مقابلة أخرى: “لم أذكر الجهاد في العراق أو سوريا، وأتحدى أن يؤتي بشريط حول فتوى لي بهذا الشأن”.
ووصل تناقض القرني، وخشيته من سوط بن سلمان إلى التراجع عن نصرة القضية الفلسطينية، تناغماً مع الموقف السياسي للسلطات السعودية، التي تشهد تقارباً في العلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وأقدم الداعية السعودي في مايو 2018 على حذف تغريدة قديمة من حسابه الرسمي عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” يدعو فيها بالنصر للفلسطينيين على من أسماهم بـ”أبناء صهيون”.
وبدأت القصة بإعادة المغرّد القطري عيسى بن ربيعة نشر تغريدة للقرني يعود تاريخها إلى أكتوبر 2015، وطلب من الداعية السعودي أن يعيد نشرها.
وجاء في التغريدة: “اللهم منزّل الكتاب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، انصر أبطال فلسطين على أبناء صهيون”، إلا أن المفاجأة كانت هي حذف القرني للتغريدة، دون إبداء أي تعليق حولها.
يُذكر أن القرني والشيخ محمد العريفي وآخرين عزفوا بشكل تامٍّ عن التعليق على أي موضوع يخص القضية الفلسطينية، لا سيما نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وشهداء مسيرة العودة في غزة، وغيرها من الأحداث التي اعتادوا على التعليق عليها قبل التحوّلات التي شهدتها المملكة واعتقال دعاة آخرين.