تركي آل الشيخ، اسم بات يثير الجدل والخلافات كثيرا بمصر في السنوات الأخيرة، عبر مواضع متنوعة، يغلب عليها ملامح السطوة والنفوذ والغرور بلا حدود، نظرا لعلاقاته القريبة جدا مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ووقعت أحدث هذه الخلافات بين آل الشيخ الذي يرأس الهيئة العامة للترفيه السعودية، والفنان المصري الكبير محمد صبحي، الذي أدلى بتصريحات لم تكن على هوى المسؤول السعودي، فسرعان ما هاجمه وكال له من الإهانات والتصغير ما كال.

ولم يكن هذا محل استغراب، لكن اللافت كان تقاعس نقابة الممثلين عن دعم صبحي، ففضلت الانحياز في بادئ الأمر إلى تركي آل الشيخ، قبل أن يشتد الأمر ويشعل غضبة شعبية على منصات التواصل الاجتماعي.

وتعد هذه الأزمة حلقة جديدة في مسلسل صدامات الرجل الذي يعمل أيضا مستشارا بالديوان الملكي السعودي برتبة وزير، برياضيين وفنانين مصريين آخرين، لعل أبرزهم المطربة آمال ماهر، زوجته السابقة، التي لم يتركها إلا بعد تدمير أرشيفها الغنائي.

 

“مجرد مشخصاتي”

القصة بدأت مع انطلاق حفل “جوائز صناع الترفيه 2022” بالعاصمة السعودية الرياض، وبحسب هيئة الترفيه بالمملكة، فإن الحفل أضخم حدث يحتفي بصناع الترفيه بالعالم العربي، حيث يرشح فيه أفضل الفنانين والفنانات في مختلف المجالات، ضمن 13 فئة.

وتوافد كثير من الفنانين المصريين ومعظهم من رواد السينما إلى الرياض بدعوة من تركي آل الشيخ.

كانت الأمور تسير على ما يرام حتى خرج صبحي (73 عاما) في مداخلة بأحد البرامج التلفزيونية في 1 فبراير/ شباط 2022، قائلا: “إنه لم يقبل عرضا بـ4 ملايين دولار أمريكي” لتقديم عمل مسرحي على هامش موسم الرياض الترفيهي.

وأعلن الممثل المصري أنه يرفض مبدأ السفر إلى السعودية لتقديم عمل فني تحت شعار الترفيه، معلقا “أنا لست مرفهاتي”.

هنا ثارت ثائرة تركي آل الشيخ، فعلق على ذلك عبر تويتر واصفا محمد صبحي بأنه مجرد “مشخصاتي” على حد تعبيره، وهي كلمة تحمل إهانة واستصغارا لشأن الممثل، فضلا عن المهنة نفسها.

واعتبر كثيرون هذا الموقف ليس إهانة لصبحي فقط، بل لمهنة التمثيل عامة، وخصوصا أنها ذكرت في سياق الإساءة.

وأكد ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن استخدامه لهذه الكلمة كشف عن حقيقة احتقاره للفن، على عكس ما يحاول تصديره عن نفسه كراع للفنون والثقافة وتوجهات الانفتاح الجديدة في السعودية والعالم العربي.

 

موقف مشين

ومع تصاعد الأزمة بدأت حملة تضامن على منصات التواصل الاجتماعي تظهر دعما للفنان المصري، في مقابل دعم لا يكاد يذكر من وسطه الفني، كان أبرزه ولعله الوحيد من الفنان باسم سمرة.

واستهزأ سمرة بالمستشار السعودي في تدوينة قائلا: “بكل الحب دعم للفنان المصري المشخصاتي محمد صبحي، ولكل أصدقائي المحبين، اللي يشوف الواد ده اللي غلط (أخطأ) في الأستاذ الكبير محمد صبحي يديله (يضربه) على قفاه..”.

وعلى قدر قسوة سمرة فيما قال، جاءت ردة الفعل مساوية عندما، قامت منصة “شاهد” السعودية، التي يعد تركي آل الشيخ أحد المستثمرين فيها، بحذف كل ما يخص مسلسل سمرة “منورة بأهلها” قبل ساعات من عرضه، ليتعرض إلى خسائر فادحة وتهديد كامل لمستقبله المهني.

الأمر الذي دفع سمرة للتراجع سريعا ليقدم اعتذاره عبر انستغرام قائلا: “معذرة عن عدم اللباقة في صياغة البوست الداعم للفنان القدير محمد صبحي، وهذا نابع من حبي وغيرتي على الفن العربي، وكل الحب لجمهوري في الوطن العربي والمملكة العربية السعودية شعبا وحكومة”.

لكن ما أثار الحفيظة أكثر هو موقف نقابة المهن التمثيلية المصرية، التي أصدرت بيانا حول الأزمة وُصف بـ”الواهن” في 4 فبراير/ شباط 2022.

وقالت فيه إن “كل هيئة ثقافية إبداعية ترفيهية في أي دولة شقيقة وهي تضع سياستها أو مسمياتها، فهو أمر يجب احترامه من الجميع، ولا يجب أن يكون هناك أي تدخل في هذا الشأن”، فيما بدا وكأنها تحمل محمد صبحي المسؤولية عن بدء الأزمة وتفاقمها.

وهو الموقف الذي أغضب ناشطين مصريين، مثل الباحث السياسي أحمد مولانا، الذي كتب عبر “فيسبوك”: “أوساط لم تعرف الرجولة يوما، نظام من أكبر رأس فيه لأصغر تابع لا يوجد به رجل يقدر يعترض على مدمن البلاي ستيشن (قاصدا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان)”.

 

تدمير آمال ماهر

ويرتبط تركي آل الشيخ بأزمات سابقة ومشهورة مع فنانين مصريين آخرين، حتى إنه قام بتدمير مستقبل بعضهم بمعاونة هيئات رسمية وفاعلة داخل الدولة، مثلما حدث مع المطربة آمال ماهر التي كانت زوجته لفترة طويلة سرا.

قبل أن يعلن ذلك الزواج عبر مواقع عربية مثل “دراج” الذي نشر في 7 يونيو/ حزيران 2021، تحقيقا مطولا عن تلك العلاقة بعنوان “آمال ماهر وتركي آل الشيخ (اللي قادرة على التحدي) تعود إلى المربع صفر!”.

وذكر أنه في مارس/آذار 2018، وبعد فترة من اختفاء آمال ماهر، حررت محضرا ضد تركي آل الشيخ، تتهمه فيه بالتعدي عليها بالضرب.

وقالت في تفاصيل المحضر الذي حمل “رقم 4410 لعام 2018 جنح المعادي”، إن المذكور تعدى عليها بالضرب أمام منزلها في المعادي، بعدما عاتبته، لأنه تحدث عنها بشكل سيئ أمام بعض المعارف.

وطلبت منه الحضور لمنزلها للتحدث وإنهاء الأمر، فقام الأخير بالذهاب لها والاعتداء عليها أمام منزلها بشهادة رجال الأمن.

ربما تكون هذه مشكلة دارجة بين شخصين على ارتباط، لكن النقطة الأخطر تمثلت في أنه بعد أسابيع من الضجة حول هذه الدعوى، كانت ماهر تواجه مشاكل أخرى فنية وشخصية.

ففي 20 سبتمبر/ أيلول 2018، أصدر حسين زين، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، قرارا بمنع إذاعة أي أغان أو كليبات لآمال ماهر على القنوات والإذاعات المصرية، وجرى توزيع هذا القرار على جميع مكاتب رؤساء القطاعات المرئية والمسموعة لتنفيذه، دون إيضاح سبب للمنع.

ولم يتوقف الوضع على منع إذاعة أغانيها، بل تضمن أيضا حظر استضافتها في البرامج، أو إجراء مداخلات هاتفية معها، أو حتى إجراء أو عرض أي حديث لها في أي مهرجان أو حفل تشارك فيه.

ومنذ تلك اللحظة سقطت آمال ماهر في بئر النسيان، ولم تخرج منه، وأصبحت عبرة لمن يعتبر، ودليلا على أن كل من يتحدى تركي آل الشيخ، يجعل مستقبله وأمنه الشخصي على المحك.

وباتت علامات الاستفهام تتكاثر عن سر سطوة ونفوذ آل الشيخ في الأوساط السياسية والفنية والثقافية المصرية، لدرجة اعتبار أن نفوذه لا يمتلكه أعتى رجال الدولة أنفسهم.

 

زمن آل الشيخ

وتعليقا على هذه الأزمة، قال الإعلامي المصري عبدالله الماحي، إن ” مصر بلا شك تعيش أسوأ الأزمنة على مر تاريخها الحديث، إذ تعيش زمن الكفيل السعودي تركي آل الشيخ”.

وأضاف: “من العجيب أن شخصا بهذه الضحالة الفكرية، والأزمات النفسية، يصبح هو المتحكم الأهم والأقوى في الهوية الفنية والثقافية المصرية، أما الأسوأ فهو ركوع هذا الكم من الفنانين المصريين أمام ريالات آل الشيخ، فهذه كارثة من الكوارث التي لا تغتفر لهؤلاء”.

وتابع: “كان مفهوما أن يحدث هذا مع البعض، قد يضعف جزء من الفنانين والإعلاميين ورواد الثقافة والرياضة، أمام إغواء رئيس هيئة الترفيه السعودية، أما خضوع المنظومة بكاملها من رأسها إلى أخمص قدميها بهذه الطريقة المذلة أمر غير مفهوم ولا مقبول”.

وشدد الإعلامي المصري على أن هذه “أكبر إساءة يمكن أن توجه لمصر وقوتها الناعمة، التي كانت تحرك العالم العربي من المحيط إلى الخليج في وقت ما”.

ورأى أن سبب ذلك الخضوع هو النفوذ الذي يتمتع به آل الشيخ في مصر وعلاقته بكبار المسؤولين في الدولة، وهي علاقة متوازية بحجم النفوذ والمال السعودي وتأثيره على صناعة القرار.

فتركي مجرد أداة من أدوات محمد بن سلمان، يستخدمها وقتما وحيثما يحب، وهو جزء من خطة الهيمنة السعودية التي تتصاعد على المستوى الإقليمي وتريد أن تكون عاصمة للفن والسينما العربية، وفق الماحي.

وأوضح أن “تضاءل دور وحجم الدولة يظهر في تلك الأحداث، ومن يعطي يملك ويقرر ويعاقب، انطبق هذا على منظومة الفن، والفنانين الذين توافدوا إلى المملكة جماعات وفرادى”.

وعلى جانب آخر، لفت الماحي إلى أن هؤلاء الفنانين كانوا أسودا على الشعب المصري خلال السنوات الماضية، وحاربوا ثورة 25 يناير، ودعموا الانقلاب العسكري، والآن لا يستطيعون الحديث أو مواجهة رجل مثل تركي آل الشيخ أهانهم وقلل من شأنهم جميعا، عندما قال على محمد صبحي (مجرد مشخصاتي).

وأكد أن “هذه سبة موجهة للجميع بلا استثناء”.

 

نقابة واهنة

من جانبه، وصف الناقد الفني المصري عبدالرحمن الشرقاوي، الأزمة بـ”الكاشفة” على حد تعبيره، وقال إنها كشفت الكثير داخل أروقة قطاع الفن والثقافة في مصر.

وقال: “عندما يهان ويحتقر شخص من كبار هذه المهنة بهذا الشكل، ولا تستطيع النقابة الحديث أو الدفاع، ولا تصدر إلا بيانات هشة، فإنما يدلل هذا على مدى الخضوع والإذعان لتلك الهيئات والمؤسسات التي من المفترض أنها تمثل الدولة وفنانيها”.

وعقد الناقد الفني المصري مقارنة بين ما يحدث حاليا وما حدث في عام 1980، عندما عرض الفيلم البريطاني (موت أميرة) الوثائقي الذي تناول قصة اغتيال الأميرة السعودية “مشاعل بنت فهد بن محمد آل سعود” التي قتلت على يد أفراد الأسرة الحاكمة، وكان الفيلم بطولة الفنانة المصرية سوسن بدر (كان اسمها آنذاك سوزان أبو طالب)، وكذلك الفنانون محمد توفيق ونبيل الحلفاوي وسمير صبري.

وأوضح أن ذلك الفيلم أثار ثائرة السعودية حيث قطعت العلاقات مع بريطانيا، ومنعت الفنانين المصريين الذين شاركوا من دخول أراضيها، حتى إن سوزان أبو طالب، غيرت اسمها إلى “سوسن بدر” لتجاوز الأزمة بعدما أحجم عنها المنتجون.

لكن في النهاية لم تستطع المملكة أن تفرض سيطرتها أكثر من ذلك، لأن مصر في ذلك الوقت وقطاع السينما فيها كان أكثر استقلالية وتفردا، وفق الشرقاوي.

واستدرك: أما اليوم فنحن أمام نقابة فنانين واهنة، في واحدة من أسوأ عهود النقابة على جميع المستويات، فعندما تعجز الهيئة المنوط بها حفظ كرامة أعضائها عن دورها تحت أي ذريعة، يجب أن تتنحى.

وتابع: يكفي أن نقيب الفنانين أشرف زكي وأسرته دائما على رأس الحضور في مهرجانات آل الشيخ، ولم ينطق بكلمة، لأنه وبالتعبير المصري الدارج (عينه مكسورة) على وقع الهدايا والمكافآت مثله مثل غيره من الذين صمتوا وقبلوا بالإهانة والتقليل من الشأن.

وأكد أن “هذه الواقعة تاريخية ولن تمحى بسهولة”.