مضت 6 سنوات على إعلان السعودية انتصارها فيما أسمته عملية “عاصفة الحزم”، التي مثلت البداية لحربها في اليمن.
ومع ذلك، لا تزال المملكة تحاول تلمس طريقها للخروج من العاصفة.
وفي 22 مارس/آذار الجاري، عرضت المملكة وقف إطلاق النار على خصمها، الحوثيين، وهي جماعة شيعية متشددة سيطرت على الحكم (ومعظم أنحاء البلاد) عام 2015.
دعا العرض السعودي إلى هدنة على مستوى البلاد، وتخفيف الحصار الجوي والبحري الذي تفرضه المملكة على الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
وقال وزير الخارجية السعودية، الأمير “فيصل بن فرحان”: “نريد أن تصمت المدافع تماما”.
بالكاد توقف الحوثيون لبرهة من أجل النظر في العرض السعودي.
وقال كبير المفاوضين الحوثيين، “محمد عبد السلام”، إن العرض لا يحتوي على أي شيء “جدي أو جديد”. وكلامه صحيح إلى حد ما، فالعرض جدي، لكنه أيضا نسخة مكررة لخطة سابقة فشلت في الحصول على اتفاق خلال عام من المفاوضات.
وتحسبا لأن يكون ردهم اللفظي غير واضح، أرسل الحوثيون طائرة مسيرة عبر الحدود لمهاجمة مطار أبها جنوبي السعودية.
معضلة مستعصية
لا تزال المملكة عالقة في معضلة مستعصية: كيف تقنع أعداءك بإنهاء الحرب التي ينتصرون فيها؟
وبات هذا السؤال أكثر إلحاحا؛ حيث أصبح الصراع أكثر كارثية، فقد قُتل أكثر من 112 ألف يمني منذ استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء، كما نزح الملايين.
وطال الخراب الاقتصاد اليمني؛ حيث أصبح 80% من السكان يعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.
وبدلا من إزاحتهم، دفعت الحرب الحوثيين إلى الارتماء في حضن إيران، التي بكل سعادة تدعمهم عسكريا لاستنزاف منافستها السعودية.
وبسبب هذا الفشل الاستراتيجي، أنفق السعوديون عشرات المليارات من الدولارات، وتحملوا موجة من الهجمات بالصواريخ والطائرات بدون طيار، وألحقوا الضرر بسمعتهم لدى شركائهم في الغرب.
وكانت المحاولات السابقة لوقف إطلاق النار، بما في ذلك الهدنة السعودية أحادية الجانب العام الماضي، مصيرها الفشل.
ويقول الجانبان إنهما منفتحان على التوصل إلى اتفاق، وقضيا العام الماضي في مفاوضات تدعمها الأمم المتحدة. لكنهما لا يزالان مختلفان حول التفاصيل.
فالحوثيون، على سبيل المثال، يريدون من التحالف الذي تقوده السعودية رفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة الواقع على البحر الأحمر.
فيما السعوديون مترددون في منح الحوثيين حركة غير مقيدة للأشخاص والبضائع، بما يشمل ذلك الإيرادات التي تأتي معها. ويعرضون بدلا من ذلك رحلات محدودة إلى صنعاء، والسماح لناقلات النفط بالرسو في ميناء الحديدة فقط إذا تم إيداع الضرائب والعائدات الجمركية في حساب خاص بالبنك المركزي.
حيلة تفاوضية
ولا يتعامل العرض السعودي الأخير مع هذه الخلافات، لكن طرحه كان بحد ذاته حيلة تفاوضية، فمن خلال القيام بذلك علنا، أجبر السعوديون الحوثيين على رفض العرض علنا.
لقد كان ذلك محاولة سعودية للضغط على الحوثيين وسط دفعة متجددة للدبلوماسية. فقد عين الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، مؤخرا، مبعوثا خاصا إلى اليمن للمساعدة في التفاوض على صفقة. وتحدث وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكين” مع الأمير “فيصل بين فرحان في اليوم الذي أعلن فيه الأخير العرض.
لكن الحوثيين ليسوا في حالة مزاجية لتقديم ما يرون أنها تنازلات. فبعد 6 سنوات من الحرب ضد عدو أقوى وأكثر ثراءً، لا يزال الحوثيون يسيطرون على العاصمة صنعاء والأراضي التي تضم معظم السكان.
كما يمضي الحوثيون قدما في هجوم للاستيلاء على مدينة مأرب، مقر محافظة تحمل الاسم نفسه. وهي أكبر مدينة تسيطر عليها حكومة “عبدربه منصور هادي”، وهو اسميا رئيس اليمن لكنه يحكم من المنفى في السعودية.
وتعد مأرب أيضا موطنا لأكبر احتياطيات من النفط والغاز في البلاد، وتحتل موقعا استراتيجيا على طول الطريق الذي يربط بين المناطق النائية الشرقية من اليمن والحدود السعودية.
وكانت مأرب طوال الحرب واحة استقرار نسبيا؛ حيث استقبلت أكثر من مليوني نازح بسبب القتال في أماكن أخرى.
وتتعرض المدينة لقصف عشوائي بالصواريخ وقذائف الهاون منذ أكثر من عام.
وفي فبراير/شباط الماضي، شن الحوثيون جولة أخرى من جماتهم البرية الدورية للسيطرة عليها. حتى الآن أوقفهم التحالف، وتلقى الحوثيون خسائر فادحة. ومع ذلك، لا يبدو أنهم يهتمون بالخسائر؛ لأنهم كثيرا ما يعيدون تزويد قواتهم بمجندين جدد، وبعضهم ما زالوا أطفالا.
يقول محافظ مأرب “سلطان العرادة”: “كلما تحدث الحوثيون عن السلام مع المجتمع الدولي، فإنهم يصعدون هجماتهم”.
فالحرب هي طريقتهم الخاصة للتفاوض. والضغط من أجل مأرب يمنح الحوثيين نفوذا. فإذا أمكن إقناعهم بالتخلي عنها، فهم يتوقعون شيئا في المقابل.
حديث وقتال
سيستمر الطرفان في الحديث، حتى وهما يتقاتلان. لكن هذه المحادثات ستكون محفوفة بالمخاطر.
فقد صعد الحوثيون هجماتهم بالصواريخ والطائرات المسيرة منذ بداية العام. وقليل من هذه الهجمات يسبب أضرارا جسيمة، لكن إذ تسبب هجوما في خسائر بشرية كبيرة فيمكن أن يتخذ الرأي العام السعودي موقفا مناهضا لوقف إطلاق النار.
وقد يشجع سقوط مأرب الحوثيين على الضغط من أجل المزيد من الأراضي. فيما سيظل الملايين من اليمنيين عالقين في الوسط، ويكافحون لمجرد البقاء على قيد الحياة.