كدولة ذات اقتصاد ريعي يعتمد على النفط، استنفدت الاحتياطيات السعودية بمقدار ضخم بلغ 150 مليار دولار منذ 2014. في عام 2015 وحده، استهلكت المملكة 115 مليار دولار من الاحتياطيات، لمواجهة العجز في الموازنة بسبب انخفاض سعر النفط.
ما دفع العائلة الحاكمة إلى التعجيل بخطة إنقاذ مالي. وفي 25 أبريل/نيسان 2016، أعلن الأمير محمد بن سلمان (ولي العهد الحالي) عن خطة “رؤية 2030” لإحداث ثورة في الاقتصاد السعودي من خلال إنهاء اعتماده على النفط.
اعتمدت الرؤية على استشارات شركة “ماكينزي” التي قالت إن الخطة تسعى إلى تنشيط الاقتصاد السعودي الذي حقق نمواً سنوياً في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.8 في المائة فقط بين عامي 2003 و 2013، أي أقل من معظم الاقتصادات الناشئة. وتسعى الخطة إلى الحد من دور القطاع العام والبيروقراطية مع تمكين القطاع الخاص في الوقت نفسه ليصبح صاحب السلطة وأداة تحقيق النمو الاقتصادي. كما تدعو الخطة إلى إنشاء صندوق ضخم للثروة السيادية يتم تمويله من خلال طرح عام أولي لم يسبق له مثيل لحصة تبلغ 5 في المائة في أرامكو.
وتاريخ السعودية يبدو سيئاً مع هذه الخطط، قامت السلطات والحكومات المتعاقبة بتقديم 10 خطط تطوير حتى الآن، الأولى في عام 1970، والأحدث في عام 2015.هدفها الاستراتيجي الوحيد تحقيق التنويع الاقتصادي بعيدا عن الاعتماد المفرط للمملكة على النفط.لكن تسعة من هذه الخطط على الأقل فشلت فشلاً ذريعًا في تحقيق هذا الهدف. الخطة العاشرة هي التي أعلنها “ابن سلمان” والتي تمتد من 2015 حتى عام 2020، التي تشكل المرحلة الأولى من خطة أكبر بكثير هي رؤية 2030، والتي تعتقد المملكة أنها “استراتيجية التنويع” على المدى الطويل.
الخطة التي تعتمد على النفط
ومن اسم الرؤية يتضح أن هناك 14 عاماً -مضت ثلاث- أمام المملكة لتحقيق الإصلاحات والتنويع الاقتصادي قبل انخفاض الطلب العالمي على النفط، بسبب الابتكارات والتكنولوجيات الجديدة والتغييرات الجوهرية الجارية في أسواق الطاقة العالمية، فقد ارتفع الطلب العالمي على النفط بمعدل 4.5 بالمائة سنوياً، خلال الفترة الممتدة ما بين 1965 إلى 1975، بينما ارتفع بمعدل 1.8 بالمائة فقط سنوياً منذ سنة 2007، وهذا دليل واضح على الانخفاض التدريجي للطلب العالمي على النفط، وهذا ما يضع أيضاً المملكة أمام تحديات صعبة لتسريع إصلاحاتها قبل اضمحلال عائداتها النفطية التي تغذِّي اقتصادها.
ولا يمكن لبيع 5 في المائة من أرامكو -عكس النظرة الاقتصادية الكئيبة للمملكة- ما لم يتم تحقيق إيرادات في أسرع وقت ممكن من مصادر غير نفطية لأن عائدات الاكتتاب العام تساوي معدل النضوب السنوي للأصول النقدية.
وتقوم رؤية 2030 على ثلاثة أمور: تنويع الاقتصاد السعودي، وتنمية القطاع الخاص، وخلق فرص عمل للموجة الديموغرافية من الشباب السعوديين.واستنادًا إلى تقرير ماكينزي، تحدد الخطة ثمانية قطاعات، إذا تم استخدامها بشكل صحيح، فإنها ستولد 60 في المائة على الأقل من النمو الاقتصادي السعودي. وتشمل هذه “التعدين والمعادن والبتروكيماويات والتصنيع وتجارة التجزئة وتجارة الجملة والسياحة والضيافة والرعاية الصحية والتمويل والبناء.”
يركز الأمير محمد -عندما يلجأ إلى المستثمرين- على المشاريع الضخمة التي تديرها الدولة مثل نيوم، وهي مدينة مستقبلية تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار ويعمل بها روبوتات على الساحل الشمالي الغربي للبلاد، كما بدأ العمل في مدينة الطاقة التي تكلفتها 1.6 مليار دولار والتي تهدف إلى توفير 100.000 وظيفة. لكن مثل هذه الخطط نادرا ما تعمل. فلا تزال حي الملك عبد الله المالي، وهو مشروع قيمته 10 مليارات دولار في الرياض، به مباني أكثر من البنوك.
تنص الرؤية 2030 على أن الأموال التي يتم جمعها عن طريق بيع الكيانات العامة سيتم إعادة استثمارها لإنتاج “عوائد عالية”. لكن ينصح المحللون الماليون دائمًا بأن خطط الاستثمار التي تعد بعوائد عالية محفوفة بالمخاطر، وغالبًا ما تكون عرضة لتقلبات كبيرة أو تقلبات في القيمة. كما أن من المشكوك فيه أن تجد الرياض مستثمرين أجانب للمشاركة في مشاريعها الفخمة. بدلاً من ذلك، من المرجح أن ينتهي الأمر ببيع ما يصل إلى 49 في المائة من أسهم أرامكو لتغطية تكلفة استثماراتها في الرؤية 2030. ففي إطار الجهود المحمومة بشكل متزايد لتجنب الإفلاس، سيكون تركيز الحكومة على توليد الإيرادات أكثر من تحفيز وتطوير الاقتصاد، وهو ما يعني في النهاية فشلها.
معوقات داخلية
خلال السنوات الماضية تم تطوير قطاع البتروكيماويات بالفعل بشكل جيد وليس لديه مساحة كافية لاستيعاب المزيد من العمل. الشيء نفسه ينطبق على التعدين، والذي لا يتطلب أيضًا قوة عاملة كبيرة. حتى إذا قامت السعودية بتطوير قطاع الرعاية الصحية الخاص بها، فسيكون من المستحيل تقريبًا أن تصبح مركزًا طبيًا لأن المرافق الأخرى في أماكن أخرى في المنطقة، مثل لبنان والأردن ومصر، أصبحت بالفعل أكثر تقدمًا ويمكن الوصول إليها بسهولة. وبالمثل، تتطلب الخدمات المصرفية والمالية تدريباً متخصصاً، ومن المشكوك فيه أن تتمكن المملكة من نحت مكانة ملائمة في هذا القطاع الإقليمي شديد التنافس، الذي تشكل دول في المنطقة مثل الدوحة ودبي جزء من هذا القطاع.
تعتمد السلطات على المزيد من الخصخصة وهذا يعني الاعتماد على العمالة الماهرة الأجنبية لأن السعوديين يفتقرون إلى المهارات والدوافع للقيام بالأعمال اليدوية أو المضنية. وفي الواقع، لا تهمل الخطة الحاجة إلى التدريب والتأهيل، لكن من الصعب أن يتم ذلك دون وقت ودون الانخراط في التحفيز والعمل على تثقيف المواطنين على هذا النوع من الأعمال وأهميته. لذلك كان واضحاً مع قيام “توطين الوظائف” رفض السعوديين العمل في المهن الصغيرة لأسباب متعددة. لذلك فإن القطاع الخاص يقوم بدفع ثمن فشل الرياض في تحقيق توازن بين الحاجة الاقتصادية الحديثة لقوة عاملة ماهرة على نحو كاف ومصالح سياسية مركزية تعتمد على الوعود ما يزيد عبئ الشركات، حيث أن العديد من الشركات تقوم بتوظيف الشباب السعودي في وظائف غير موجودة، حيث يتم دفع رواتب الكثير منهم مقابل عدم القيام بأي شيء حرفيًا. فمعظمهم لا يظهر إلا في نهاية كل شهر لتحصيل رواتبهم، ثم يختفون مرة أخرى.
في نفس الوقت يدرك واضعو الرؤية 2030 تمام الإدراك أنه لكي تنجح الخطة، يجب أن يتبنى المجتمع والسلطات في المملكة “قيم الاعتدال والتسامح والانضباط والإنصاف والشفافية”. لذلك فمن السخف أن يزعم أن السلطات “لن تتسامح مطلقًا مع جميع مستويات الفساد، سواء كانت إدارية أو مالية” كما أن القصور في النظام القضائي كبير وواسع للغاية ويظهر ذلك واضحاً من الاعتقالات بسبب التعبير عن الرأي ومواجهة صارمة للانتقاد.
في نفس الوقت فإن هذا النظام مستحيل بكل بساطة في مجتمع تكون فيه العلاقات الأسرية والقبلية والإقليمية أقوى من التصور الغامض لهوية الوطن والمواطنة المتساوية. وتجنبت الرؤية الإشارة إلى التدابير الحكومية التي يفترض وضعها لكسب تعاون الجمهور السعودي، لتنفيذها حيث ترعرع اعتمادًا على “هبات الدولة التي شملت دعم الوقود، والقروض، والأراضي الحرة، ووظائف القطاع العام”. كما أن الدولة السعودية تقوم على ثلاثة ركائز “القبيلة، النفط، خطاب المؤسسة الدينية الذي تدفع له السلطات”، وما يقوم به الأمير محمد في رؤية 2030 هو القيام بتفكيك أركان النظام السياسي السعودي دون استبدالها بأخرى حديثة. وحذر تقييم جون إدواردز، عضو مجلس إدارة بنك الاحتياطي الأسترالي، من أنه لكي تنجح الخطة، يجب أن “يغير المجتمع والسياسة السعودية بشكل عميق”.
الصعوبة الأخرى تأتي من خارج الحدود حيث تمثل دبي المفعمة بالحيوية تحديًا خاصًا لرؤية الرياض 2030. ينتمي الجيران إلى عالمين مختلفين ومزاجات مختلفة عندما يتعلق الأمر بالأعمال. على عكس السعودية، حيث ينحدر معظم مجتمعها التجاري من منطقة حضرموت في اليمن، تتمتع دبي بروح ريادة قوية ومتينة. وثقافة المجتمع على الاقتصاد المفتوح قد تجاوزت مكانها. وتقوم دبي، بتسهيل والثناء على إنجازات القطاع الخاص النابض بالحياة. بالنسبة للرياض، فإن ذلك لا يحدث.
وتضع هذه المعوقات أسئلة حول مدى جدية وفعالية تصميم وتنفيذ رؤية 2030 التي تبدو بشكل واضح أنها أداة وضعت من أجل تحويل المملكة إلى شريك أكثر انفتاحاً وتسامحاً اجتماعياً في الشرق الأوسط لأميركا، أكثر من كونها أداة لتعزيز الاقتصاد السعودي وخروجيه من “الإدمان النفطي”-كما يقول ابن سلمان- وضمان رفاهية الأجيال المستقبلية.
غياب الإصلاحات السياسية
تعدد الرؤية 2030 مجموعة واسعة للغاية من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، لكنها صامتة بشأن مسألة الإصلاح السياسي. إذا كانت الرؤية أي شيء سياسي فقد أصبحت وسيلة لتعزيز الموقف السياسي للملك سلمان وابنه محمد بن سلمان. ساعد إشراف الأخير على الرؤية 2030 على تلميع صورته العامة أمام المجتمع الدولي والمحلي. أما حدوث إصلاح سياسي أو تغيير العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم وفق التطورات الاقتصادية الجديدة فلا يتم ذكره.
من خلال الأعمال التي يقوم بها، أشار الديوان الملكي مرارًا وتكرارًا إلى أن الإصلاح السياسي ليس على جدول الأعمال. بالإضافة إلى اعتقال رجال الأعمال الأثرياء، فقد حبس رجال الدين والصحفيين والمدونين والقادة المدنيين والناشطات اللائي قمن بالحركة لرفع الحظر على قيادة النساء. الرسالة المقصودة واضحة: الحكومة السعودية مستعدة لسن إصلاحات اقتصادية واجتماعية واسعة، لكنها لن تواجه أي تحديات سياسية، ولن تسمح بحرية الرأي والتعبير.
ما يضع تساؤلات، هل تستطيع الحكومة السعودية المضي قدماً في الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية دون أي إصلاحات سياسية مصاحبة؟ هل سيكون جيل الشباب من السعوديين راضيا عن الإصلاحات التي توسع بشكل كبير من الوعود بفرص اقتصادية وتحرر اجتماعي دون منحهم حقوقًا سياسية أكبر؟ تراهن الحكومة السعودية على أنهم سيفعلون ذلك، حيث يشير المسؤولون في بعض الأحيان إلى إصلاحات الصين كنموذج. ولكن تاريخيا، سجلت الحكومات الاستبدادية في تنفيذ إصلاحات مختلفة، ويعزى نجاح الصين إلى قيام دنغ بوضع آليات للمساءلة، مثل المحاسبة والترقيات القائمة على الأداء، والضوابط على القيادة السياسية في البلاد، وهو ما لا يحدث في السعودية. فيتم اتخاذ القرارات الملكية في المشاورات بين العديد من أبناء الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة، وكانت الوزارات والصناعات المختلفة مقسمة فيما بينها. ويتكلم أبناء الملك سلمان عن طريقة إثراء أنفسهم عبر ذلك وحالة المخاوف والجدّل بينهم وأبناء العمومة على التقاسم ما أضطرهم إلى استئجار طائرات أثرياء أخرين بعد رفض تقديم المساعدة الحكومية لهم خلال حكم الملك الراحل عبدالله. كما أن نماذج الدول الاستبدادية التي تقيم إصلاحات اقتصادية دون إصلاحات سياسية تظهر نموذج معمر القذافي في ليبيا.
لم يعد لدى الرياض رفاهية تجاهل العلاقة بين التنمية الاقتصادية والسياسية. لا بد من التحول إلى دولة الإنتاج لخلق اقتصاد المعرفة وكسر نظام المملكة القبلية. لقد ولت منذ فترة طويلة الأيام التي كانت تتمتع فيها السعودية بعطلة من السياسة كنتيجة “لعدم وجود قيود ملزمة في الميزانية، مما قلل وأحيانًا تلغي الحاجة إلى تحديد أولويات الإنفاق وتخصيص موارد اقتصادية شحيحة”. لكن الآن مع رفع الدعم وعجز الميزانية المستمر والوعي السياسي للمجتمع ومخاوف الفشل يجبر المملكة على تبني إصلاحات سياسية وتغيير العقد الاجتماعي أو أنها ستنظر إلى تداعيات سيئة.
علامات الفشل
الخسائر السعودية والاستثمار الأجنبي: الشركات السعودية هي التي تحملت وطأة التغييرات لقد أثرت قوانين مثل “السَعودة” والقوانين الأخرى المتعلقة بالاقتصاد، والزيادات الكبيرة في الرسوم على العمال الأجانب – الذين يشغلون حوالي 90 في المائة من وظائف القطاع الخاص – إلى هجرة جماعية للمغتربين، فمنذ يناير 2018، تم فرض رسوم على الشركات بقيمة 400 ريال (107 دولارات) شهريًا لكل عامل أجنبي، مع خصم إذا كانت توظف عددًا أكبر من السعوديين مقارنة بالوافدين. سوف تتضاعف الرسوم بحلول عام 2020. يدفع المهاجرون رسومًا أخرى لكل من يعولهم. للوهلة الأولى يبدو أن هذه الأمور تعمل للحصول على إيرادات لكنه تسبب في كساد الاقتصاد حيث غادر ما يقرب من مليوني عامل أجنبي المملكة منذ بداية عام 2017.ما أدى إلى انخفاض الطلب على السلع الاستهلاكية، وانكماش كبير في سوق العقارات.
إلى ذلك هناك حوالي 7000 شركة صناعية في السعودية، والكثير منها يخسر المال أو بالكاد تكسبه. ولا يزال بعض المستثمرين المحللين والأجانب يتخوف من تكرار حملة الأمير محمد المزعومة لمكافحة الفساد، التي شهدت اعتقال أكثر من 300 من الأمراء ورجال الأعمال والموظفين السابقين في الدولة وسجنهم في فندق ريتز كارلتون في الرياض في أواخر عام 2017.
ينظر المحللون إلى البورصة كمؤشر على تحسن الاقتصاد حيث يبدو الأمر جيدًا جزئيًا لأن الحكومة تدعمه سراً عن طريق تقديم أوامر شراء ضخمة لمواجهة عمليات البيع بعد الأزمات السياسية الأخيرة، وفقًا لصحيفة وول ستريت جورنال. وتشير الأرقام إلى أن الأثرياء السعوديون نقلوا أموالهم إلى الخارج: 80 مليار دولار غادرت البلاد 2017. وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 1.4 مليار دولار (0.2٪ من الناتج المحلي الإجمالي) في عام 2017، من 7.5 مليار دولار في العام السابق. في نفس الوقت يريد الأمير محمد أن يعتقد المستثمرون الأجانب أن السعودية هي رهان آمن لكن سياسات ولي العهد المتقلبة، من حبس الأثرياء إلى الخلافات الدبلوماسية التي لا معنى لها تخيفهم.
كما أن الزيادات الضريبية وزيادة أسعار الخدمات تقلل من حوافز الشركات الأجنبية لإقامة مشاريع في المملكة، والتي كانت تعتبر في السابق ملاذاً آمناً من الضرائب.
البطالة والعمالة السعودية: حددت الحكومة الهدف المتمثل في توفير 450،000 وظيفة غير حكومية بحلول عام 2020، بهدف خفض البطالة السعودية، التي تبلغ حاليًا 12.5 في المائة، إلى 9 في المائة العام المقبل.حيث تهدف رؤية 2030 لوجود جيل ناشئ من العمال السعوديين. لكن إجراءات مواجهة البطالة التي تقوم بها المملكة أدت إلى زيادتها لعدة أسباب: الأول، أن الشباب السعودي يطلب رواتب أكثر من 3000 ريال سعودي فيما أدنى رواتب للعمالة الأجنبية 1500 ريال سعودي. الثاني: فجوة بين سوق العمل ومخرجات التعليم، حيث تتطلب الرؤية العمل في مهن صناعية متدنية وهو ما يرفضه الشباب السعودي، في وقت تفرض الحكومة على الشركات توظيف السعوديين بدلاً من العمالة الأجنبية في عدة تخصصات، ما أدى إلى توقف شركات وخلو وظائف والذي سيؤدي في النهاية إلى هجرة رأس المال وما يشير إلى ذلك انخفاض عدد وظائف البيع بالتجزئة بمقدار 177،000 وظيفة خلال 2017 ما يؤكد فشل جهود الحكومة لإيجاد فرص للسعوديين عن طريق حظر الأجانب من العديد من وظائف المبيعات. الثالث: يفضل الشباب السعودي العمل في القطاع العام للامتيازات وكذلك لتجنب الإرهاق مقارنة بالعمل الخاص، وهي مشكلة في محاولة دفع الشباب للقطاع الخاص. الرابع: يجب استبدال تفكير النظام الحالي للتعليم ليكون بالطرق العقلانية وغيرها من مهارات التفكير والمفاهيم: إذا لم يكن كذلك، فستواجه الحكومة تحديات خطيرة في السنوات القادمة فالتغيير الحقيقي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال التعليم الجيد وحرية الفكر والتعبير. ونظام التعليم السعودي، بصيغته الحالية، يزيد فقط من معدل البطالة في البلاد.
ساعد ارتفاع إيرادات النفط وإجراءات التقشف، مثل تخفيض الإعانات وضريبة القيمة المضافة الجديدة بنسبة 5٪، على خفض عجز الموازنة بشكل كبير إضافة إلى ارتفاع سعر البرميل من 48$ إلى 68$.
نفوذ العائلة والفساد: تمّ اتّخاذ قرارات ملكية بهدف تطوير الاقتصاد السعودي خلال مشاورات بين العديد من أبناء الملك عبد العزيز، مؤسس المملكة الحديثة، وكانت الوزارات والصناعات المختلفة مقسمة فيما بينها، وها هو الملك سلمان قد تخلَّى عن ذلك النظام بأكمله لأنّه أصبح غير عملي مع مرور الوقت، والملك القادم سيفعل نفس الشيء ويتخلَّى عن ما وجده من أنظمة وقرارات، وهكذا ستصطدم المملكة بالحقيقة نفسها في كل مرّة، وهي أنّ اقتصادها لا يمكن إلاّ أن يكون قائماً على النفط. بلد شاب دائرته الرئيسية من الشباب، تمتلك ما يقرب من 70% من الفئات الأصغر سنا، و”الحرس القديم”، من المسؤولين والأمراء الأكثر تشددا، قد يكون هو “العائق الأكبر”، إضافة إلى شبكة المصالح. وحذر صندوق النقد الدولي من أن التدخلات الحكومية “يجب معالجتها بعناية”.
السياحة: تتوقَّع المملكة من خلال رؤية 2030 أن توسِّع صناعة السياحة وأن تصبح كذلك مركزاً لوجستياً للشرق الأوسط، وهذا ما فعلته سابقاً دول خليجية أخرى كقطر والإمارات، وبالتالي ستواجه السعودية منافسة شرسة مع جاراتها الخليجية. لكن ما يُعرف ب”السياحة الدينية” (الحج والعمرة) سينمو باطراد خلال السنوات القادمة بعد نمو في السنوات الأخيرة لتصبح ثاني أهم نشاط اقتصادي بعد النفط؛ ففي عام 2015، حقق صافي 22.6 مليار دولار ومن المتوقع أن يضيف 10 مليارات دولار إضافية في الإيرادات بحلول عام 2021. لا تحتاج السياحة الدينية فعليًا إلى استثمارات حكومية لأن القطاع الخاص السعودي يمكنه التعامل معها بسهولة. لكن العقبة الرئيسية التي تتباطأ نمو السياحة الدينية تتمثل في إحجام السعودية عن إصدار التأشيرات وافتعال الأزمات مع دول العالم واستخدام الحج والعمرة كقوة ناعمة للهيمنة على دول العالم الإسلامي، كما أن الفساد في المشاريع التي تقدمها السلطة في القطاع الديني يجعل من تلك الإيرادات تتبخر لصالح جيوب منتفعين معظمهم أمراء في العائلة الحاكمة يستحوذون على المشاريع في الحرمين.
اقتصاد الصعود والهبوط: هذا النوع من الاقتصاد القائم على القطاع الخاص الذي يؤثر في سياسة الدولة لا يناسب المملكة وأنظمتها وتقسيم المجتمع إلى طبقات، وتقدم الامتيازات لرجال الأعمال الأمراء ثم شيوخ القبائل وأقاربهم ثم المسؤولين التنفيذيين ثم المواطنين، وبدون وضع ألية واضحة وقوانين شفافة تقوم على المساواة في كل القوانين بما فيها المحاسبة فإن هذا النوع من الاقتصاد قد يؤدي إلى أزمات متلاحقة.
التحول السريع: إن رؤية 2030 هي تحولات غير مختمرة، ولم تنضج، خاصة وأن التحول السريع لمملكة يسعى لكسر قيود وتقاليد دينية محافظة، في مجتمع كان يعتمد الأغلبية فيه على الوظائف الحكومية والهبات الملكية. بعبارة أخرى، ولي العهد لا يقوم بمجرد تغييرات في الاقتصاد، بل هو يسعى لتغيير السعوديين أنفسهم، والتي سيكون على رأسها التغييرات الاجتماعية، التي تسعى لدفع المجتمع السعودي لتقبل الطريقة الجديدة في إدارة البلاد، القائمة على الانفتاح وما يعتقدونه “تفسخ قيمي وأخلاقي”. وهذا الانفتاح، ليس نتيجة لتطور ثقافي طبيعي داخل المجتمع، بل هو قرار ملكي وفرض للقيم الغربية من أعلى إلى أسف حيث ينتقل بين عشية وضحاها من التعصب الديني الصارم الفارغ إلى الحرية المفتوحة. هذا إهانة لنسبة كبيرة من المجتمع السعودي الذين تعرضوا للدعاية الدينية الرسمية على مدى عقود.
لا تجارة إلا في الرياض: تكدست البضائع وأغلقت محلات وشركات في معظم المدن السعودية عدا العاصمة الرياض، ولذلك تجد معظم المراقبين الأجانب للاقتصاد السعودي ينظرون لاقتصاد الرياض خلال زيارتهم بدلاً من التوسع نحو باقي المدن السعودية التي تشهد انهياراً كبيراً.
في حال الفشل
بعد مرور ثلاث سنوات، ما زالت البلاد في حالة تغير مستمر، وبينما يتحدث بعض السعوديين بأمل مع توقع الأسوأ، يتهم البعض الأمير محمد بالتسبب بإثارة مخاوف المستثمرين والشركات – التي اشتدت بسبب القتل المروع للكاتب السعودي جمال خاشقجي.تكمن هذه المزاجات المتضاربة في قلب أحد أكبر اختبارات الأمير محمد، وتظهر الطريقة التي تعاملت بها السلطات من قتل خاشقجي إلى خلاف دبلوماسي مع كندا وألمانيا ومقاطعة قطر والطريقة التي تمت بها معالجة اعتقالات الريتز، أن هناك خطر أكبر على الاستثمار في بيئة متقلبة سياسياً.
على المستوى الاقتصادي، يعني فشل رؤية 2030 أن المملكة العربية السعودية لم تنجح في تنويع اقتصادها وقطع اعتمادها على النفط لتحقيق الازدهار. وبالنظر إلى الحالة المضطربة لأسعار النفط والرغبة التدريجية (ولكن الواضحة) للدول المتقدمة في تقليل اعتمادها على النفط، فإن هذا سيعني على الأرجح أن المملكة العربية السعودية ككل، ستكون حليفًا ضعيفًا للغرب وأقل قدرة على مواجهة إيران.
مع كل علامات الفشل إلا أن هناك طريقاً واحداً ل”ابن سلمان” وهو نجاحها، ففي حالة الفشل، سترى السعودية نوع من الضغوط الديموغرافية والاجتماعية، التي أدت إلى انفجارات الربيع العربي 2011. والفوضى في المملكة سيكون لها انعكاسات واضحة على الأمن والاستقرار الإقليميين، وكذلك على الاقتصاد العالمي، الذي يسعى للوصول إلى أسواق طاقة آمنة.
السعوديون والعالم كله يراقب كيف ستسير رؤية 2030، خاصة وأنها تضع مستقبل السعودية على المحك بدون نتائج حاسمة، وإذا سقطت المملكة، قد يكون سقوطا مدويا كسقوط عنيف طائرة لا يمكن العثور على حطامها.