في عام 2019، أبدى المرشح الرئاسي آنذاك “جو بايدن” غضبه الشديد تجاه السعودية على خلفية تورط ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” في جريمة قتل وتقطيع الصحفي “جمال خاشقجي”، وتعهد “بايدن” بجعل السعودية “منبوذة” ووعد بإعادة ضبط العلاقات مع المملكة.

لكن يبدو الآن أن “بايدن” بات مترددًا، فقد ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” مؤخرًا أن الرئيس الأمريكي أرسل مدير وكالة المخابرات المركزية “ويليام بيرنز” للقاء ولي العهد “المتهور” واستكشاف إصلاح العلاقات معه.

وكانت هناك تقارير في الأشهر الأخيرة تفيد بأن مستشاري “بايدن” كانوا يفكرون في زيارة رئاسية إلى السعودية هذا الربيع. وفي ضوء التقارير التي تفيد بأن “بايدن” يفكر في القيام برحلة إلى إسرائيل وربما المنطقة، يجب على الرئيس مقاومة الإغراء وإبطاء السير في أي مصالحة.

وإذا كان لابد من اعتذارات، فيجب أن تكون السعودية هي التي تتخذ الخطوة الأولى وتؤكد أنها ستقدم ما يكفي لضمان المصالحة.

ويرى الذين يروجون للمصالحة أن الوقت قد حان لتجاوز مقتل “خاشقجي” بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وما ترتب عليه من تداعيات في سوق الطاقة.

في غضون ذلك، يبحث السعوديون بالفعل عن مخرج من الحرب الكارثية في اليمن، وقد أزالوا الشهر الماضي إحدى العقبات الرئيسية أمام التسوية عبر إجبار الرئيس اليمني “عبد ربه منصور هادي” على الاستقالة.

علاوة على ذلك، فإن أفضل طريقة لتقوية وتوسيع اتفاقيات “إبراهام” هي التقرب من السعوديين في محاولة لحملهم على اتخاذ خطوة أخرى للتقرب من إسرائيل.

وفي الوقت الذي تتعثر فيه المفاوضات النووية مع إيران، فإن أفضل طريقة لزيادة الضغط على طهران ستكون عبر الترحيب بعودة السعودية (ومحمد بن سلمان) إلى كنف الولايات المتحدة.

 

ضمانات سعودية ضرورية

ترى الولايات المتحدة أنه يمكن إتمام المصالحة عبر تقديم بعض الضمانات الأمنية التي من شأنها تهدئة المخاوف السعودية والإماراتية بشأن تهاونها في أعقاب هجمات الحوثيين المدعومين من إيران.

لكن الحقيقة أن الأمر لن يتم بهذه السرعة، فالتوترات الشديدة بين الولايات المتحدة والسعودية لم تحدث بين عشية وضحاها، ولن تُحل بطريقة سحرية إلا إذا تم محاكاة حالة المحاباة التي أنشأتها إدارة “دونالد ترامب” من خلال تدليل “بن سلمان” والنهوض للدفاع عنه فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان وحرب اليمن ومقتل “خاشقجي”.

إذا كان السعوديون جادين بشأن المصالحة، فيجب أن يكونوا مستعدين للتعامل مع مخاوف الولايات المتحدة، وليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أنهم كذلك.

بالنسبة لزيادة إنتاج النفط (التي ضغطت الولايات المتحدة على السعودية من أجلها) يبدو أن الإجابة السعودية حتى الآن هي لا. ويمكن للسعوديين زيادة الإنتاج، لكن يبدو أنهم غير مستعدين لنقض الاتفاق مع منظمة “أوبك+”.

ويبدو أن السعودية تتحوّط في رهاناتها، فهي لا تريد قطع العلاقات مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، كما إنها تنظر للولايات المتحدة على أنها منتج نفط منافس على المدى الطويل.

وذكرت التقارير في مارس/آذار، أن “بن سلمان” رفض تلقي مكالمة من “بايدن” في وقت يغازل فيه الصين التي تعد مستهلكة رئيسية للنفط السعودي.

وفيما يتعلق بمقتل “خاشقجي”، يواجه “بايدن” أزمة خطيرة تتعلق بالمصداقية الشخصية، ففي فبراير/شباط، سئلت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض “جين بساكي” عما إذا كان الرئيس متمسكًا بتعليقاته حول نبذ السعودية، فأجابت إنه فعل ذلك.

وإذا وافق “بايدن” على إنهاء مقاطعته الفعلية لـ”بن سلمان” دون أن يتحمل ولي العهد المسؤولية عن جريمة القتل الشنيعة، فإن ذلك يقوض التزام الرئيس بجعل القيم وحقوق الإنسان في قلب السياسة الخارجية الأمريكية.

وفي الوقت الذي تقول فيه إدارة “بايدن” أنها تدافع عن الديمقراطية في أوكرانيا، من المحرج لها أن تتصالح مع زعيم بلد يقمع مواطنيه.

 

شكوك حول المكاسب المحتملة

ليس هناك شك في أن السعودية تقترب أكثر من إسرائيل، وإذا أصبح “بن سلمان” ملكًا فمن المرجح أن يتخذ خطوات أكثر جرأة من والده الذي يبدو أكثر تقليدية والتزامًا بالقضية الفلسطينية.

وبالفعل، قال “بن سلمان” إنه يعتبر إسرائيل “حليفا محتملا”، لكن مع كل الامتيازات والاهتمام الذي أغدقته إدارة “دونالد ترامب” على السعودية، ظل الحذر من الاعتراف بإسرائيل والانضمام إلى اتفاقيات إبراهام سائدًا.

وبالنظر إلى الحالة المزاجية لـ”بن سلمان” (الذي أخبر مجلة ذا أتلانتك أنه لا يهتم برأي بايدن فيه)، فإن هناك شكوكا حول قدرة إدارة “بايدن” على إجبار السعوديين الآن على الاعتراف الكامل بإسرائيل.

لطالما كانت العلاقة الأمريكية السعودية علاقة تبادلية، وهذه هي الطريقة التي يجب أن يتعامل بها “بايدن” مع أي مصالحة، ويجب عليه أن يحرص على ضمان حماية مصداقية ومصالح أمريكا، ومصداقيته أيضًا.

وإذا أرادت السعودية الخروج من عزلتها، فيجب أن يقدموا ضمانات فيما يتعلق بالنفط و”خاشقجي” واليمن. وفي المقابل، فإن أي ضمانات أمنية يريدونها يجب أن تكون معقولة ولا تقيد الولايات المتحدة بسياسات “سلطوي قاسٍ ومتهور” قد يرغب في توريط الولايات المتحدة في حرب مع إيران.

ويدرك “بايدن” حاليا أنه في ظل وجود “بن سلمان”، فإن السعودية ستظل شريكًا تتماشى مصالحه بشكل عرضي مع مصالح أمريكا، لكن قيمهما لن تتوافق أبدًا.