لا يزال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يحلم بتحقيق رؤيته 2030 الاقتصادية، ويعمل جاهداً على تحقيقها مهما كلفه الأمر، وهو ما انعكس على قرارات والده الملك سلمان بن عبد العزيز الأخيرة؛ بتفكيك وزارة الثروة المعدنية والطاقة، والإطاحة بأكبر شخصية في هذا المجال.
كان محمد بن سلمان يحلم بخصخصة جزء من أرامكو، وتقديره أن العملية ستتم في النصف الأول من العام الحالي، إضافة إلى تحركات نحو إبرام اتفاقات نووية مع عدد من الدول، في محاولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج الوقود النووي، إلا أن الفشل دفعه لاتخاذ خطوات سريعة، يراها كثيرون استعجالاً وارتجالاً في الوقت الحالي.
ودخل ولي العهد السعودي في صراع كبير، انتهى بالإطاحة بوزير الطاقة السعودي خالد الفالح، الذي يعد أحد أكثر الشخصيات العامة شهرة في السعودية، وهو مألوف لدى “أوبك” والمستثمرين الأجانب والحكومات، بعكس الوزير الجديد عبد العزيز بن سلمان، الذي عُين بديلاً عن المقال في وزارة الطاقة، بما يعكس ارتباكاً في الخطط الاقتصادية، والاتجاه نحو طريق غير معروف.
الإطاحة بالفالح
كان “الفالح” هو الممثل الرئيسي للمملكة في مجال الطاقة، قبل تقليص نفوذه مرتين في أسبوع واحد، الأولى عقب فصل وزارة الثروة المعدنية عن وزارة الطاقة التي يديرها، والثانية بإزالته من موقعه كرئيس لشركة “أرامكو” لصالح “ياسر الرميان”، رئيس صندوق الثروة السيادية السعودي وأحد المنتمين للدائرة الداخلية لـ”بن سلمان”، لتنتهي بعزله من وزارة الطاقة، وخروجه خالي الوفاض، مطلع سبتمبر الجاري.
لم يكد يتوقع أحد أن تسير التغييرات بشكل سريع وغير مسبوق هكذا، وأن يُختار نجل الملك سلمان لهذا المنصب الهام، وهو ما اعتبره مراقبون خطوة لدعم عملية الاكتتاب العام لشركة أرامكو، التي كشفت تقارير غربية رفض الفالح لها.
تقول الرواية الرسمية للمملكة إن تعيين “الرميان” في أرامكو هو جزء حيوي من الاستعدادات للاكتتاب العام، حيث يهدف ولي العهد السعودي إلى تحويل الاكتتاب العام في “أرامكو” كحجر الزاوية الرئيسية لحكمه، واعتبارها الأمر الرئيسي في خطة رؤية 2030 لتحديث الاقتصاد السعودي.
وتتدفق الشائعات بأن “الفالح” وآخرين أخبروا “بن سلمان” أن عليه إعادة النظر في عملية الاكتتاب العام وطريقتها وأهدافها، ولكن ظلت هذه الخلافات إلى حد بعيد تحت السيطرة من قبل القيادة السعودية حتى الإطاحة به.
قلق من اكتتاب أرامكو
وتخطط الرياض لطرح 5٪ من أسهم “أرامكو” للاكتتاب العام في 2020 أو 2021، في عملية مؤجلة يتوقع أن تكون أكبر طرح للأسهم في العالم، وهي واحدة من الخطوات التي يخطط لتنفيذها عبد العزيز، نجل الملك سلمان.
وتقول قناة “سي إن إن” الأمريكية: إن الفالح “لم يكن متحمساً بشأن طرح الشركة الأكثر ربحية في العالم للاكتتاب العام”، حيث كشف في تصريح سابق لها عن قلقه من طرح جزء من أسهم شركة النفط السعودية أرامكو للاكتتاب في بورصة نيويورك.
وأضاف الفالح: “الدعاوى تشكل مصدراً كبيراً للقلق في الولايات المتحدة، وأرامكو كبيرة جداً ومهمة جداً للمملكة لتتعرض لمثل هذه المجازفة”، في إشارة إلى قرار مدينة نيويورك آنذاك مقاضاة 5 شركات نفطية كبرى بسبب تأثير منتجاتها على الاحتباس الحراري، للحصول على تعويضات من أجل حماية المدينة من آثار التغير المناخي.
كما تتمثل مخاطر طرح “أرامكو” للاكتتاب العام باستمرار أسعار النفط العالمية على حالها، حيث تواجه المملكة صعوبة في السوق الحالية لتحقيق أسعار تتراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل، السعر الذي تطمح إليه السعودية.
صراع السلطة الصامت
كان بن سلمان يرى أن المعارضة لخططه قد تفشل تنفيذ رؤية 2030، ما دفعه لإجراء تغييرات كبيرة في أرامكو ووزارة الطاقة والمناصب الحكومية المهمة، ومراكز القوة، مثل الصندوق السيادي (هيئة الاستثمار العامة) وتعيين فهد العيسى رئيساً للديوان الملكي، ومازن الكهموس مديراً لمكافحة الفساد.
ويقول موقع “أويل برايس” الأمريكي إن تلك التغييرات هي إشارة إلى تزايد قوة محمد بن سلمان، بحيث أجرى أيضاً تغييراً لاختيار الوزراء الجدد من الدائرة المقربة منه، ومن ضمنهم وزير الصناعة والثروة المعدنية إبراهيم عبد الله الخريف، مدير مجموعة الخريف، وفهد العيسى الذي كان جزءاً من وزارة الدفاع التي يتولاها محمد بن سلمان نفسه.
ويضيف الموقع: “على ما يبدو فولي العهد والمؤيدون له في أرامكو وطرحها في السوق المالي وتنويع الاقتصاد يسرعون من جهودهم للسيطرة على المملكة”.
وسبق تلك التغييرات حملة اعتقالات واسعة في عام 2017، بحق العشرات من رجال الأعمال والنخبة السعودية المعارضين لخطط بن سلمان، فيما قالت الحكومة إنه حملة قمع للفساد.
تخصيب اليورانيوم
وعقب تعيينه في منصبه، سارع وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، في الـ9 من سبتمبر الجاري، إلى إعلانه أن المملكة تريد تخصيب اليورانيوم من أجل برنامجها لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية، وهو ما قد يزيد مخاوف السياسيين الأمريكيين الذين أطلقوا تحذيرات في وقت سابق.
وتقول السعودية، أكبر مُصدر للنفط في العالم، إنها تريد استخدام الطاقة النووية في تنويع مزيج الطاقة لديها، لكن تخصيب اليورانيوم يفتح أيضاً الباب أمام إمكانية استخدامه لأغراض عسكرية.
ومن المتوقع طرح المناقصة في 2020، بينما تشارك شركات أمريكية وروسية وكورية جنوبية وصينية وفرنسية في محادثات تمهيدية بشأن المشروع الذي تقدر تكلفته بعدة مليارات من الدولارات.
وتخطط السعودية لبناء مفاعلين كهروذريين، وذلك في إطار خطة تهدف لتقليص استخدام النفط والغاز في توليد الطاقة الكهربائية.
تخوف دولي من النووي السعودي
وتعد مسألة تخصيب اليورانيوم نقطة شائكة مع واشنطن، لا سيما بعد أن قال ولي العهد محمد بن سلمان، عام 2018، إن المملكة ستطور أسلحة نووية إذا أقدمت إيران على ذلك، وهو ما دفع أمريكا للتعبير عن قلقها من امتلاك الرياض لسلاح نووي.
في أبريل من العام الجاري، عبر مشرعون في مجلس الشيوخ الأمريكي عن قلقهم حيال احتمال تطوير السعودية أسلحة نووية، محذرين من تزويدها بالتقنيات الأمريكية المتعلقة بهذا الأمر.
وطلب عضوان في مجلس الشيوخ من وزير الطاقة، ريك بيري، تقديم تفاصيل عن التعاون مع السعودية في مجال الطاقة الذرية لمراجعة هذا التعاون وإعادة تقييمه.
وفي أبريل الماضي أيضاً، قال روبرت كيلي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، عقب انتشار صور من موقع بناء المحطة النووية بالسعودية: “هناك احتمال كبير للغاية بأن هذه الصور تظهر أول منشأة نووية للبلاد، هذا يعني أن على السعودية أن تحصل على ضماناتها”.
النووي أولويات الوزير الجديد
إلى جانب الاكتتاب في أرامكو، خرج وزير الطاقة الجديد بتصريحات قال فيها إن بلاده لديها خطة لإصدار مناقصة لأول مفاعلين للطاقة النووية في المملكة: “نحن نواصل الأمر بحذر.. نحن نجرب مفاعلين نوويين”.
الوزير السعودي الذي جاء ليكون رافداً لشقيقه ولي العهد، ويكسر كل المحظورات على المسؤولين السابقين، قال إن بلاده تريد المضي قدماً في الدورة الكاملة للبرنامج النووي، ومن ذلك تخصيب اليورانيوم من أجل الوقود الذري.
لكن شبكة “بي بي سي” قالت إن كمّية الكهرباء المنوي إنتاجها نووياً تشكّل نسبة صغيرة من حاجات المملكة إلى الطاقة، مضيفة: “بالتالي يمكن الاستعاضة عنها بسهولة، وبصورة أكثر فعالية من الناحية الاقتصادية، بالطاقة الشمسية، والتي تبرع فيها شركات محلّية ذات صيت دولي مثل أكوا بور”.
وتابعت في تقرير لها: “من ناحية التكلفة والقدرة التنافسية، فالطاقة النووية تعدّ باهظة التكاليف مقارنة مع بدائل الطاقة من المصادر المُتجدّدة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من جهة، ومع الغاز الطبيعي من جهة أخرى”.
وأشارت إلى أنه “من المحتمل أن يؤدّي قبول واشنطن نقل المعرفة والتكنولوجيات النووية – مثل تخصيب اليورانيوم – إلى الرياض، إلى تراجع إيران عن التزاماتها النووية، وبدء مرحلة جديدة من السباق نحو التسلّح النووي في منطقة مُشتعلة”.