لا قطر ولا غيرها من دول العالم تعرف ماهية الإرهاب التي تزعم السعودية وحلفاؤها بأن الدوحة تدعمه وتموّله، وسط غياب للحقائق والأدلة التي تُثبت ادعاءات الرياض.
لكن في المقابل ثمة دلائل كثيرة على وقوع السعودية في مستنقع الإرهاب؛ بدءاً بقمع الناشطين داخلياً، ومشاركتها في حرب اليمن وما خلّفته من ضحايا نتيجة تدخّل تحالفها العربي، وليس انتهاءً بجريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي.
ما سبق من أدلة مهّد لوضع السعودية على قائمة دعم الإرهاب، وهو الأمر الذي دفع الاتحاد الأوروبي إلى إدراج المملكة على مسودة قائمة الدول التي تشكّل خطراً على دوله؛ بسبب دورها في “تمويل الإرهاب وغسل الأموال”، وفق ما ذكرت وكالة “رويترز” (الجمعة 25 يناير 2019).
وتستند قائمة الاتحاد بشكل أساسي إلى معايير تستخدمها قوة مهام التحرك المالي؛ وهي هيئة دولية تضم الدول الغنية وتقوم على محاربة غسل الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية.
انقلاب السحر على الساحر
وتأتي الخطوة الأوروبية لتفنّد مزاعم دول الحصار، وعلى رأسها السعودية، التي فرضت حصاراً على قطر، منذ يونيو 2017، بدعوى “دعم الإرهاب”، وهو ما نفته الدوحة بشدة، مؤكدة أنها محاولة من الرباعي العربي للسيطرة على قرارها السيادي.
وفي مؤتمر عُقد بالدوحة، بأكتوبر الماضي، حمل عنوان: “المقاتلون العائدون من مناطق الحروب”، أكد وزير خارجية قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، “أن قضية مكافحة الإرهاب تحظى بأولوية قصوى لدى قطر”.
وشدد على أن قطر “شريك فاعل في مواجهته على المستوى الدولي”، وهو ما تؤكّده دول كبرى، بينها أمريكا وبريطانيا وفرنسا، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي، مجدداً التزام بلاده بالتصدّي لهذه الظاهرة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي لمعالجة أسبابها من جذورها.
وأوضح آل ثاني أن “الأسباب الحقيقية المؤدّية إلى الإرهاب تتمثّل في السياسات القمعية والطائفية، والتهميش، وغياب العدالة الاجتماعية الذي تعاني منه فئات واسعة في بعض المجتمعات”.
وفي التقرير السنوي للخارجية الأمريكية حول الإرهاب العالمي لعام 2018، أكّدت واشنطن أن “دولة قطر تشارك بنشاط في التحالف العالمي لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي”.
دعم السعودية للإرهاب
في أغسطس 2018، عُرض فيلم وثائقي حمل عنوان “أسرار السعودية”، وهو من إنتاج مشترك لشبكة “زد دي إف” التلفزيونية الألمانية شبه الرسمية، وشبكة “بي بي سي” البريطانية، ويتألف من 3 أجزاء.
ويتناول الفيلم ثلاث قضايا مستقلّة، تُلقي نظرة فاحصة على السعودية في العمق، خاصة التشابكات الأيديولوجية والمالية لآل سعود، ويقدّم للجمهور الألماني والأوروبي صورة صادمة وغير معهودة عن المملكة؛ “ككيان فاحش الثراء يوجّه منذ عقود مداخيله من أموال النفط لترويج نمط متشدّد من الإسلام، وفي دعم وتمويل الإرهاب إقليمياً وعالمياً”.
ويتعرّض الوثائقي إلى التمويل السعودي في البلقان، فيعتبر أن تمويل بناء 150 مسجداً هناك، ووجود أكاديمية الملك فهد في البوسنة، غيّر الطبيعة المتسامحة المعروفة تاريخياً للإسلام بهذه المنطقة، وتعرّض أيضاً لقتال أعداد من الشبيبة البوسنيين بصفوف تنظيم الدولة في سوريا، كإفراز للتأثير السعودي بالبلقان.
كما يُشير إلى أن وجود 15 سعودياً بين 19 مشاركاً بتنفيذ هجمات 11 سبتمبر، ووقوع المملكة بعدها تحت ضغوط غربية متزايدة، وتعرّضها نفسها لهجمات تنظيم القاعدة.
ولفت ميشيل شتيفنز، الخبير بالمعهد الملكي البريطاني للدراسات الأمنية، إلى أن نفي الحكومة السعودية وجود أي تمويل من شخصيات رسمية لتنظيم “داعش” في سوريا يقابله عثور التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بمناطق استولى عليها من التنظيم على قذائف دبابات اشترتها السعودية من بلغاريا.
جريمة قتل خاشقجي
تحرّك الاتحاد الأوروبي لوضع الرياض على مسودة قائمة الإرهاب يأتي في ظل تزايد الضغط الدولي على السعودية بعد مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، يوم 2 أكتوبر الماضي، وهو ما حرّك العالم ضد المملكة.
وفي موقف موحّد أصدرت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بياناً مشتركاً عقب الجريمة؛ أكّدت فيه وجوب محاسبة المسؤولين عن الجريمة. وقال وزراء خارجية الدول الثلاث إنهم يتعاملون مع القضية بجدية كبيرة، وطالبوا بتحقيق ذي مصداقية.
ومنذ أكتوبر الماضي، صدّق البرلمان الأوروبي على قرار يدعو إلى فتح تحقيق دولي محايد ومستقلّ يبيّن ملابسات جريمة قتل خاشقجي، كما دعت الدول الأوروبية إلى توحيد مواقف الاتحاد وفرض حظر على صادرات الأسلحة إلى الرياض، وفرض عقوبات على المسؤولين عن القتل.