توعّد الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، بأن قرار المملكة العربية السعودية المتعلق بخفض إنتاج النفط بشكل كبير، ستكون له عواقب، لكنّه، مثل الرؤساء الأمريكيين السابقين الذين أغضبتهم المملكة، قد يواجه قيوداً أثناء تقييم الخيارات المتاحة أمامه في هذا المجال.

وتعرّض “بايدن” لانتقادات في الولايات المتحدة بسبب زيارته للسعودية في يونيو/حزيران، والتحية بقبضة اليد بينه وبين ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان”، رغم تعهّده خلال حملته الانتخابية بجعل المملكة “منبوذة” بسبب قضايا انتهاكات لحقوق الإنسان.

غير أن السعودية قوّضت أيضاً السبب غير المعلن لزيارة “بايدن”، إذ أعلن تحالف “أوبك+” الذي تقوده المملكة خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، ما سيؤدي إلى زيادة الإيرادات الروسية في الوقت الذي تهاجم فيه أوكرانيا، وإلى زيادة الأسعار على المستهلكين الأمريكيين قبل أسابيع من انتخابات الكونجرس.

رداً على ذلك، أعلنت إدارة “بايدن” أنها مستعدة للبحث في إجراءات يطالب بها الديموقراطيون الغاضبون في الكونجرس، للرد على السعودية، وبالتالي، إعادة النظر في السياسة الأمريكية تجاه الرياض.

وقال السناتور “كريس مورفي” الناقد للسعودية منذ فترة طويلة بسبب حربها المدمّرة في اليمن، إنّ على الولايات المتحدة تعليق مبيعات صواريخ جو-جو المتوسطة المدى إلى المملكة وإرسالها إلى أوكرانيا، وكذلك إعادة نشر دروع صواريخ باتريوت في أوكرانيا أو لدى حلفاء حلف شمال الأطلسي.

وأكد عبر “تويتر”، أنّ “هاتين الخطوتين ستعيدان علاقتنا مع السعودية إلى حجمها الصحيح وستساعدان أوكرانيا”.

في المقابل، حذّر داعمو السعودية من أنّ الولايات المتحدة قد تدفعها إلى أحضان روسيا والصين، رغم أنّ العديد من الخبراء يشكّكون في أنّ المملكة قد تقوم بهذه الخطوة بهذه السهولة بعد ثمانية عقود من الشراكة مع الولايات المتحدة.

وقال مستشار الأمن القومي “جيك ساليفان” لشبكة “سي إن إن” الأحد، إن “بايدن سيتصرّف بشكل منهجي واستراتيجي”، في إطار إعادة تقييم العلاقات الأمريكية-السعودية، مضيفاً أنّ الرئيس الأمريكي “ليست لديه أي خطط” للقاء ولي العهد في قمة مجموعة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني بإندونيسيا.

ورأى الخبير في الشرق الأوسط في جامعة ميشيغن “راسل لوكاس”، أنّه يمكن لإدارة “بايدن” أن تبطئ مبيعات الأسلحة على الأقل، خصوصاً بالنسبة الى مسألة الإمدادات بالذخيرة.

وقال: “هذه لا يمكن استبدالها بسرعة بمورّد آخر للأسلحة”.

لكن المحاولات السابقة للابتعاد عن المملكة العربية السعودية، وكانت إحداها بعد تنفيذ مجموعة معظمها من السعوديين اعتداءات 11 سبتمبر/أيلول، واجهت عقبة رئيسية: النفط.

ورغم تكثيف إجراءاتها في مجال مكافحة التغير المناخي، إلّا أنّ الولايات المتحدة لا تزال على بعد عقود من تحصين نفسها في مواجهة أسعار النفط المرتفعة.

ورغمّ أنّ المسؤولين الأمريكيين يتفاخرون بأنّ الولايات المتحدة تفوّقت على السعودية، كأكبر منتج للنفط في العالم، لكنّ قرارات الإنتاج الأمريكية تتّخذها إلى حد كبير شركات خاصة.

كما أنّ النفط الصخري الذي يعدّ أساس طفرة الطاقة في الولايات المتحدة، أكثر صعوبة في إطار توسيع إنتاجه أو خفضه.

وتقول الباحثة “أنيل شيلين” من معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول الذي يدعم نهجاً أكثر حزماً مع السعوديين: “الفكرة القائلة بأن مجرد زيادة الإنتاج الأمريكي من شأنه أن يحمينا من قرارات منتجي النفط في الخارج، فكرة خاطئة تماماً”.

وتضيف: “سنبقى دائماً معتمدين على هذه الدول الأخرى ما دمنا معتمدين على النفط”.

ولكنها تؤكد أن السعودية ستضرّ بنفسها، في حال لم تعد المصدر الذي يعوّل عليه للنفط بالنسبة الى الولايات المتحدة.

وشددت السعودية على أنّ قرار “أوبك+” كان اقتصادياً بالكامل، وقالت إنّ مبيعات الأسلحة الأميركية تخدم مصالح البلدين.

وجدّد العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبدالعزيز”، مساء الأحد، أنّ استراتيجية المملكة في قطاع النفط العالمي تقوم على دعم “استقرار وتوازن” السوق.

في هذه الأثناء، صوّتت المملكة إلى جانب الولايات المتحدة الأربعاء في الأمم المتحدة لإدانة ضمّ روسيا أراضي أوكرانية.

ويرى الباحث بروس ريدل من معهد “بروكينغز” أنّ ارتفاع أسعار النفط كان بمثابة تدخّل انتخابي واضح من جانب ولي العهد نيابة عن حزب “دونالد ترامب” الجمهوري.

فقد كان الرئيس السابق من أشدّ المؤيّدين للسعوديين، كما تفاخر بإنقاذ “بن سلمان” بعدما توصّلت الاستخبارات الأمريكية إلى أنه وافق على قتل الصحفي “جمال خاشقجي”، الذي كان مقيماً في الولايات المتحدة، والذي كان من منتقديه، في قنصلية بلاده في إسطنبول.

وعن قرار خفض إنتاج النفط، يقول “ريدل”: “الشيء الوحيد الذي نعرفه من نمط سلوك بن سلمان أنه يحب الدراما، كلّما كان الأمر دراماتيكياً، كلّما كان أفضل”.

ويشير إلى أنّ السعوديين، في حال أرادوا تحسين العلاقات، يمكنهم تخفيف الضغوط على اليمن أو القيام بخطوة ما في إطار حقوق الإنسان.

مع ذلك، يبدو أحد الخيارات الأميركية لتقليل النفوذ السعودي والمتمثل بإنهاء العقوبات النفطية على منافستها الإقليمية إيران، مستبعدا على نحو متزايد.

ففيما وصلت المفاوضات التي استمرت أشهراً لإعادة إحياء الاتفاق النووي للعام 2015 إلى طريق مسدود، من المتوقّع أن تكون إدارة “بايدن” حريصة على عدم اتخاذ إجراءات يُنظر إليها على أنها تفيد النظام الإيراني، في وقت يقمع هذا الأخير احتجاجات شعبية أشعلتها وفاة شابة اعتقلتها شرطة الأخلاق.

ويرى الباحث “ستيفن كوك” من مجلس العلاقات الخارجية، أنّ الولايات المتحدة يجب أن تقبل “تقارباً واقعياً” مع السعودية يعترف بأنّ العلاقة تبادلية.

ويقول: “الولايات المتحدة لا تزال بحاجة إلى السعوديين، مهما كانوا موضع تنديد”.